السادات والانتخابات

08 يناير 2018
+ الخط -
بمناسبة الأخبار عن ترشّح السياسي المصري، محمد أنور السادات، عضو مجلس الشعب السابق، وسَميّ وابن شقيق الرئيس المصري الأسبق الذي اغتيل العام 1981، للانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، على طريق فوز عبد الفتاح السيسي بفترته الرئاسية الثانية، يمكن ملاحظة أن عودة السادات إلى الحكم ليست مرهونة بوصول سميّه، محمد أنور، إلى كرسي الرئاسة، فالسادات الكبير ما زال في الحقيقة يحكم مصر، على الرغم من وفاته قبل نحو 37 عاماً، ذلك أن نهجه السياسي هو الباقي في قصر الرئاسة، من دون غيره من الرؤساء.
لقد غيّر جمال عبد الناصر اتجاه تاريخ مصر المعاصر، عقب ثورة يوليو 1952، لكن تأثيره الفعلي انتهى بوفاته، لأن خلفه أنور السادات نحا بمصر مناحي مغايرة تماماً، انقلب فيها على نهج عبد الناصر ومبادئه. أما السادات، فلم ينته تأثيره برحيله في أكتوبر/ تشرين الأول 1981، لسببين:
الأول: أن نائبه وخلفه حسني مبارك ظل تلميذاً وفيّاً لمدرسة السادات، حتى قيل عنه إنه "موظف بدرجة رئيس جمهورية"، تماماً كما كان موظفاً بدرجة نائب رئيس، حين اختاره السادات في غفلة من الزمان نائباً له، في قصة مشهورة رواها مبارك نفسه على التلفزيون، قال فيها إن طموحه انحصر بأن يكون سفيراً في لندن، فإذا بالسادات يفاجئه بالطلب منه الحضور إلى القصر الجمهوري لأداء قسم نائب الرئيس.
الثاني: أن التغييرات السياسية التي صنعها السادات، في سنوات حكمه القصير نسبياً، تحت شعارات "الانفتاح" و"الديمقراطية"، ظلت تأثيراتها حاضرةً عبر سنوات حكم مبارك الثلاثين، ثم تبدّت نتائجها الكبرى بعد زوال عهد مبارك، لأن إتاحته المجال للحركات الدينية، على تعدّدها واختلافها، للوصول إلى الرأي العام والتأثير فيه، وتسويق نفسها باعتبارها الممثلة الشرعية للإسلام، في سياق مساعيه للتصدّي للحركات الناصرية واليسارية المناهضة له، هو الذي أتاح لها الوصول إلى سدة الرئاسة عقب ثورة يناير 2011. ثم إن دولة العسكر العميقة التي كرّستها سنوات حسني مبارك هي التي جعلت قبض الجيش على السلطة من جديد ميسوراً، مكنّته من إعادة إنتاج نظام مبارك القديم باستعمال اسم جديد هو عبد الفتاح السيسي.
مَن، إذن، ترك في مصر كل هذا الأثر، الذي يستمر عقوداً طويلة بعد وفاته؟ يختلف الناس على سلوك السادات: بعضهم يراه وطنياً، وبعضهم الآخر يعدّه غير وطني، لكنهم، على الأغلب، لن يختلفوا في أنه كان ذكيّاً، وسياسياً محنّكاً، ورجل دولة من طراز رفيع. وقد أراد رجل الدولة هذا لنهجه أن يستمر من بعده، فاختار نائب رئيسٍ مطواعاً، لا وجهة نظر ولا رؤية لديه، سوى أن يواصل نهج "معلمه"، مستخلصاً بذلك العبرة من فعلة عبد الناصر الذي اختاره هو نائباً للرئيس، على الرغم من علمه أن السادات ليس مطواعاً، ولديه منذ أيام الثورة الأولى وجهة نظر مستقلة، جعلته على خلاف دائم مع أعضاء مجلس قيادة الثورة.
أنور السادات هو رجل مصر القوي في تاريخها المعاصر، حيّاً وميتاً. كان حسين الشافعي، النائب الآخر لعبد الناصر، وخصم السادات اللدود، يرى أن "جمال" أراد السادات نائباً مؤقتاً له، في إطار مساوماته السياسية مع الأميركيين إبّان حرب الاستنزاف، ثم مات عبد الناصر تاركاً الحكم كله لرجل أميركا في مصر!
وسواء كانت وجهة نظر الشافعي دقيقة أم لا؛ أي سواء كان السادات "عميلاً" للأميركيين، أم صاحب رؤية مختلفة عن عبد الناصر والشافعي لمصالح مصر السياسية والاقتصادية، فإن أفعال السادات هي التي بقيت على الأرض، فيما تحوّلت صنائع عبد الناصر إلى نوستالجيا لا تقدّم ولا تؤخر.
باختصار، حكم أنور السادات سياسياً بين العامين 1970 و1981، وحكم رمزياً ومعنوياً بين العامين 1981 و2011، ثم عاد إلى الحكم عندما عاد العسكر في العام 2013، بسياساته نفسها.
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.