لم يهدأ الصراع بين رئيسي الوزراء السابق والحالي للعراق، منذ أن أزاح حيدر العبادي، سلفه نوري المالكي عن سدّة الحكم، ليبدأ الأخير بحملات تشويه وسحب البساط من الأول، وصلت في هذه الأيام مراحل متقدمة وعلنية من الصراع تُعتبر الأشد منذ أشهر.
ويطفو اليوم على السطح صراع من نوع جديد، له أثره السلبي على الشارع العراقي، من خلال سعي الرجلين إلى كسب المليشيات الفاعلة في العراق، لما لها من دور كبير وأثر خطير في الساحة العراقيّة، والسياسية منها على وجه الخصوص، بعد أن باتت تلك المليشيات القوة الأولى في العراق، وتراجع الجيش والشرطة إلى مرتبة ثانية.
ويثير هذا الصراع مخاوف المواطنين الذين يرون أن المليشيات أصبحت الرقم الأكبر في العملية الأمنيّة والسياسيّة في البلاد، واكتسبت من خلال التنافس والصراع حصانة وسلطة فوق سلطة القانون، مما يمنحها الفرصة الأكبر لتنفيذ أجنداتها.
ويقول مصدر في "التحالف الوطني"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس الوزراء حيدر العبادي يرصد ويتابع بدقة تفاصيل تحركات سلفه المالكي، خشية من محاولته عمل أي شيء يعرقل الحكومة أو يسيء إلى شخص رئيسها".
ويؤكد أنّ "المالكي بدأ، منذ فترة، بمحاولة تزعّم الحشد الشعبي، وكسب ود فصائله، من خلال دعمها مادياً ومعنوياً"، مشيراً إلى أنّ "هذه الخطوة أثارت قلق العبادي ومخاوفه، ودفعته أيضاً إلى كسب ود الفصائل المسلحة بكل أسمائها وبذخ الأموال لها، فضلاً عن السعي إلى ضمّها إلى الحرس الوطني، وتشريع قوانين تضمن حقوق منتسبيها، وبذل الوعود والضمانات لها".
ويضيف المصدر أن "المالكي نجح في جعل أبرز وأهم المليشيات في صفه، وهي حزب الله والعصائب وأبوالفضل العباس وبدر وكتائب الإمام علي وسرايا الخراساني، وهي الأكثر عدداً والأكبر قوة ومموّلة من إيران بشكل مباشر، فيما باتت مليشيات سرايا السلام واليوم الموعود والحجة والشهداء ومليشيات صغيرة أخرى في جعبة العبادي، وهي مليشيات يمكن وصفها بالعراقية، أو أنها مهملة من قبل إيران حالياً على الأقل".
ويقول المصدر نفسه إن "إمكانيات المالكي المادية جعلته يغدق على هذه المليشيات بالهبات والعطايا، ويخصص رواتب تقاعدية لذوي من يُقتل من عناصرها"، لافتاً إلى أن "المالكي بات يمتلك اليوم جميع مقوّمات الانقلاب على السلطة في البلاد من خلال تلك المليشيات، ويستخدم هذه الورقة في الضغط على العبادي الذي هدد في الثاني من الشهر الحالي، خلال اجتماع في منزل زعيم المجلس الأعلى الإسلامي، عمار الحكيم، بالاستقالة ومغادرة البلاد من حيث أتى (في إشارة إلى بريطانيا حيث تقيم عائلته منذ نحو ثلاثة عقود) في حال لم يكف المالكي عن تشجيع المليشيات على التمرد على قراراته، وآخرها رفضها الانسحاب من تكريت، وعصيان أمر العبادي عقب أمر رئاسي أصدره طالبها فيه بالانسحاب، بسبب انتشار أعمال السرقة والنهب، واتهام تلك المليشيات بالوقوف وراءها".
اقرأ أيضاً: العراق: مليشيات مسلحة ترابط على الحدود مع السعودية
من جهته، يرى الخبير في شؤون الجماعات المسلّحة، إبراهيم الفهداوي، أنّ "هذا التنافس والصراع بين العبادي والمالكي على كسب رضا المليشيات، زاد خطره في الشارع العراقي، وجعل من المليشيات الحلقة الأقوى بين المؤسسات الأمنيّة على حساب الجيش والشرطة والمؤسسات الأخرى".
ويقول الفهداوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "المليشيات ليست جهات سائبة لا تخطط ولا تعرف أن تلعب بالأوراق السياسية، بل لها القدرة على التخطيط والتدبير والعمل على تحقيق مصالحها من خلال الجهات التي تقودها، واليوم تجد في هذا التنافس بين العبادي والمالكي قمّة قوتها وقدرتها على الكسب المادي والمعنوي، لذا فإنّها تعمل على كسب هذه الفرصة واستغلالها من كل جهاتها".
ويؤكد أنّ "الدعم الذي تحظى به المليشيات اليوم، إذا استمر سيجعل منها قوة لا تقهر في البلاد، ولا يقف بفي وجهها أحد، مما سيزيد من مخاطرها على الوضع الأمني في البلاد".
بدوره، رأى القيادي في التحالف الكردستاني، حسن جهاد، أنّه "على الرغم من التنافس بين المالكي والعبادي، فإنّ فصائل مليشيا الحشد الشعبي، ومنها بدر، والعصائب، وحزب الله العراق، لا تغرد مع إرادة الحكومة ولا تنصاع لأوامرها، وهي تعمل وفق أجنداتها الخاصة".
وأشار إلى أنّ "هذا الصراع خطر، وعلى المالكي أن يعلم أن مرحلة حكمه انتهت، وعليه أن ينساها، وأن يتعامل مع الواقع الجديد بإيجابيّة"، مؤكداً أنّ "ورقة المالكي هذه هي في النهاية ورقة محروقة لا يستطيع أن يكسبها"، لافتاً في المقابل إلى أن "ورقة العبادي الرابحة هي تأييد المرجعية الدينيّة له، فهو إذا شعر بأيّ خطر سيطلب تدخّل المرجعية، والتي ستسحب البساط من تحت المالكي الذي لا يحظى بقبولها".
اقرأ أيضاً: الأكراد يمنعون "بالقانون" وصول مليشيا "الحشد الشعبي"