السحر... حبل الأمل في موريتانيا

11 يناير 2015
يستغل المشعوذون الجهل لتنمية مداخيلهم (فرانس برس)
+ الخط -
مع صعوبة الحياة المعاصرة وتعقيداتها، ومع الارتباط بين السعادة والمستوى الاقتصادي بالمعيشي، أصبح المواطن العربي يبحث عن أي شيء يعلّق عليه حبل الأمل ويتعلق بكل بصيص ضوء يراه أو بالأحرى يتخيله ولو كان ضوءاً خافتاً باهتاً. 
وتحت وطأة الديون المتراكمة الناتجة من الرهون العقارية أو الارتهان للمصارف من أجل شراء منزل أو سيارة أو تمويل مشروع تجاري، أصبح العديد من المواطنين فى العالم العربي يبحثون عن حلول لمشاكلهم عبر بوابة السحر والشعوذة، ويفتشون عن أحلامهم بين ثنايا تمائم السحرة وأحراز العرافين وكل حاجته وغرضه حظ عاثر أو حبيب غائب أو سعادة مفقودة أو حب مغدور، لا شيء يقف أمام رغباتهم الكثيرة.
ومع أن أغلب رواد مجالس الشعوذة ومرتاديها لا يثقون كثيراً في ما يقوله المشعوذون لكنهم يعتبرون الأمر لعبة حظ فربما نجح المشعوذ في تحقيق ما عجز عن تحقيقه سعيهم وحيلتهم.
المشعوذون من جانبهم يعتبرون الأمر لعبة حظ أيضاً، فما دامت فرص الشغل والتوظيف مغلقة، وما دامت الأحلام الجامحة والحظوظ العاثرة قادرة على جلب الزبائن وبالتالي جني المال وتحصيل الربح، ما دام الأمر ممكناً فلم لا يستغلون كل هذه الأرضية المتاحة؟
السحر لم يعد مجرد ترياق يستعمله الفقراء واللاهثون خلف المال هرباً من رمضاء الفقر وجحيم البطالة، بل أصبح محركاً أساسياً في الاقتصاد الوطني في العديد من الدول العربية وأصبح الأثرياء ورجال الأعمال وكبار الموظفين من أكبر زبائن هذه المهنة وأغلب هؤلاء يستأنسون بهمهمة المشعوذين ويرتاحون لرأيهم ومشورتهم.
المشعوذون بدورهم أصناف وطبقات، منهم الفقراء الباحثون عن قوت يومهم فقط ومنهم الأثرياء المرتبطون بالطبقات الراقية. وتعتبر مجموعات السلطة والنفوذ في القارة الأفريقية الشعوذة أقرب الطرق للنفوذ والغنى، وتزدهر الهجرة البيْنية داخل البلدان الأفريقية بحثاً عن الرواد والزبائن.
القسم الأكبر من المشعوذين في موريتانيا مثلاً، قدموا من دول أفريقية مجاورة بحثاً عن سوق أكثر رواجاً. وأغلب المشعوذين المتواجدين فى سوق "اكلينك" قرب العيادة المجمعة في وسط العاصمة الموريتانية نواكشوط، جاؤوا من دول كالسنيغال ومالي ونيجيريا وغامبيا بحثاً عن الزبائن.
ومن الملاحظ أن سوقاً جديدة قد دخلت على الخط منذ عدة سنوات في بعض الدول العربية وهي سوق "الرقية الشرعية"، وتستقطب هي الأخرى أعداداً متزايدة من الزبائن والرواد، وتمتاز عن سابقتها بحرية أكبر وأحياناُ بثقة أكبر بالنسبة إلى الزبائن. ويختار العديد من شيوخ المساجد ممارسة الرقية لزيادة دخلهم من جهة ولتوسيع علاقتهم بجيرانهم، خاصة أصحاب الثروة والنفوذ.
هذا التطور المتسارع الذي طبع هذه المهنة القديمة فى التاريخ البشري وجعلها تواجه العصر وتتأقلم مع ظروفه وتحدياته، يشير أيضاً إلى ذلك الارتباط الغامض بين المادة والروح وبين المعلوم والمجهول، بين الحظ والمكتوب، وبين الواقع والحلم. ارتباط كان وسيبقى محركاً أساسياً يطبع الحياة المعاصرة بالحياة الغابرة، حيث يتكيف الماضي مع الحاضر في حركية دائمة نحو الأحلام ونحو السعادة الموهومة المتخيلة في لعبة قدر لا تنتهي إلا بانتهاء الإنسان.
دلالات
المساهمون