06 نوفمبر 2024
السعودية.. اليمنيون والحرب والسُخرة
ما بين قوانين جائرة، تستهدف حرمانهم من مصدر رزقهم، وخوف العودة إلى جحيم الحرب في بلادهم، يعيش اليوم أكثر من مليون يمني عامل في السعودية حياةً ينتفي فيها الحد الأدنى من الحقوق، فضلاً عن المستقبل المجهول الذي ينتظرهم. وبقدر ما يبدو ملف العمالة الوافدة إلى السعودية بعيداً عن اهتمام الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان، فإن ملف العمالة اليمنية أكثر تعقيداً وتسييساً، إذ لم يتعاطَ النظام السعودي مع اليمنيين العاملين في أراضيه كقوة عاملة لها حقوقها وقوانين تنظّمها في إطار القوانين العاملة في البلاد، وإنما كورقة سياسية، فلطالما استخدمها للضغط على السلطات اليمنية المتعاقبة، مستغلاً حجم القوة العاملة اليمنية التي تشكل النسبة الكبرى من العمالة الوافدة وتاريخيتها، وكذلك دعمها الاقتصاد اليمني. ويشكل قرار طرد السلطات السعودية آلاف اليمنيين، وشمولهم بقوانين الكفيل بسبب موقف علي عبدالله صالح في حرب الخليج الثانية ذروة استخدامها السياسي العمالة اليمنية.
لم تتغيّر طبيعة العلاقة ما بين النظام السعودي والعمالة اليمنية، إذ ظلت أوضاع من تبقى من اليمنيين في السعودية مرهونةً بالتجاذبات السياسية بين النظام السعودي والسلطة اليمنية، ومرتبطة بشكل تدخلات الرياض في اليمن، إذ منع العمال اليمنيون من الاشتغال بقطاع الذهب وبيع الخضروات، وهما قطاعان محوريان بالنسبة للعمالة اليمنية، خصوصا قطاع الخضروات. ومن ثم وجد آلاف من العمال اليمنيين أنفسهم من دون عمل، وقامت السلطات السعودية حينها بترحيل الآلاف منهم.
مع بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، بدت عاصفة الحزم لليمنيين العاملين في السعودية مرحلةً جديدةً في علاقتهم مع النظام السعودي، إذ لم تعد السعودية مكاناً يعملون فيه فقط، وإنما قائدة التحالف العربي الذي يخوض حرباً في بلادهم، دفاعا عن السلطة الشرعية
اليمنية. وبمقتضى هذه العلاقة، ولاعتبارات إنسانية وسياسية، يتوجب على السلطات السعودية مراعاة أوضاعهم، ويبدو أن النظام السعودي الذي طالما استخدم ورقة العمالة اليمنية في معاركه أدرك ضرورة استغلالها، لتحسين صورته منقذا لليمنيين، فاتساقاً مع البروباغندا الإعلامية السعودية إبان انطلاق عاصفة الحزم، أصدر العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، قرارًا يقضي بتصحيح أوضاع المقيمين اليمنيين غير الشرعيين، ضمن ما سميت مكرمة الملك، وحصل آلاف اليمنيين على هوية زائر، كما منحت أسر السياسيين التابعين للسلطة الشرعية تأشيرة زائر حكومي على نفقة رئاسة الجمهوريه واللجنة الخاصة، وبدت تلك القرارات حينها مسكنة لآلام اليمنيين المتعبين.
موقف السلطات السعودية من اليمنيين الهاربين من الحرب في بلادهم إلى أراضيها مخزٍ، إذ لم تتعاط مع اليمنيين باعتبارهم لاجئين هاربين من الحرب، وبالتالي لهم حقوقهم التي ضمنها القانون الدولي، وإنما بوصفهم جموعا من الفقراء، يتم التصدّق عليهم بهباتٍ ملكية، إلا أن هذه المكرمة الملكية لم تستمر، ففي بداية 2016 أوقفت السلطات السعودية التأشيرات الحكومية وهوية زائر، وحصر الحصول على تأشيرة زيارة عائلية بنقل الأسرة من اليمن إلى دولةٍ أخرى، ثم استخراج إقامه عبر تقديم طلب لوزارة الداخليه السعودية، كما رفعت رسوم تأشيرة زيارة عائلية إلى ألفي ريال سعودي، وبدت هذه القوانين التعقيدية عقبة أمام جميع المغتربين اليمنيين، لكلفتها المالية الباهظة، وحرمانهم من استقدام أسرهم من اليمن.
تزامنا مع الإجراءات السعودية التي تحدّ من تدفق النازحين اليمنيين إلى أراضيها، سنت السلطات السعودية قوانين أخرى، بغرض تجريف العمالة اليمنية، ففي مارس/ آذار 2017، صدر قرار توطين وظائف بيع الجوالات، وهو قطاعٌ يشكل اليمنيون النسبة الكبرى من المشتغلين والمالكين له. وتسبب هذا القانون بفقدان آلافٍ من العمال اليمنيين وظائفهم واضطرار آخرين إلى بيع محلاتهم، ليأتي بعد ذلك قرار سعودة المولات والمراكز التجارية التي كان يعمل فيها اليمنيون، وهو ما أدى إلى أن يعيش آلاف من اليمنيين بدون وظائف، هاربين من الملاحقات، مكدّسين في عزب تفتقر للحياة الصحية.
لم تنته حزمة القوانين السعودية ضد العمالة اليمنية عند هذا الحد، ففي الثالث من يوليو/ تموز الحالي، أصدرت وزارة المالية السعودية قوانين جديدة، تستهدف العمالة الوافدة، إذ ينص القرار على دفع الوافد رسوم مائة ريال شهرياً على كل فرد في الأسرة، تابع أو مرافق يتضاعف في عام 2018، ليصل في نهاية 2020 إلى 400 ريال شهرياً، فضلاً عن رسوم على العامل تبدأ بـ 400 ريال شهرياً في العام المقبل، وتنتهي بـ 800 ريال في عام 2020، إضافة إلى رسوم الكفيل ومكتب العمل والتأمين.
تتعدّى تداعيات القرار السعودي ما يمكن عده شأناً داخلياً وموازنةً بين النفقات والايرادات، كما نصت الديباجة، إذ تطاول الآثار السلبية للقرار حياة الوافدين، وخصوصا السوريين واليمنيين
الذين يشهد بلداهما حروباً، فالقرار تعجيز لليمنيين الذين لن يستطيعوا سداد هذه الرسوم بأجورهم المتدنية، فضلاً عن عدم قدرتهم مساعدة أسرهم في اليمن، وهو ما يعني ترحيلا بشكل قانوني. ولفداحة هذا القرار على الوافدين، دانت منظمة المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان القرار، واعتبرته مخالفا للاتفاقيات التي صادق عليها النظام السعودي، وأنه لا يراعي اليمنيين والسوريين الذين لا بد أن تتعاطى معهم السلطات السعودية باعتبارهم لاجئين هاربين من الحرب في بلادهم، في حين لم يصدر عن السلطة الشرعية المقيمة في الرياض أي إدانة لقرارٍ سيكلفها خسارة عوائد المغتربين ومشكلات اجتماعية واقتصادية في حال عودتهم إلى اليمن.
لا تحترم السلطات السعودية القانون الدولي ولا الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، ولا معاناة الوافدين في أراضيها، فإنها تمضي في تنفيذ القرار الذي يهدف إلى إجبار العمالة الأجنبية، وفي مقدمتها اليمنية والسورية، على ترك أعمالها والرحيل من السعودية طوعياً للتحايل على مساءلة المنظمات الحقوقية. ومن جهة أخرى، تهدف بهذا القرار إلى تعويض كلفة حربها في اليمن، بما فيها مساعدات الإغاثة، وتحصيل ذلك من أموال الوافدين، فمائة ريال يدفعها مليون يمني مقيم في السعودية، هذا إذا اعتبرنا أن لديه مرافقا واحدا فقط، تساوي مائة مليون ريال سعودي في العام، وهو ما يعني أن السعودية، وخلافاً لكل التسويق الإعلامي لأعمالها الإغاثية في اليمن، فإنها في الواقع لم تقدم شيئاً لليمنيين.
بحسب إعلامها، تحارب السعودية في اليمن منذ أكثر من عامين وثلاثة أشهر لإعادة الأمل لليمنيين، وإذا تجاهلنا مآسي الحرب والمجاعة والحصار على اليمنيين، وصراع أجندات دول التحالف، فضلاً عن تحويل اليمن إلى مستنقعٍ لتصفية حساباتها مع خصومها، فإن ما لا يقوله الإعلام السعودي إن القانون السعودي الجديد يسلب أكثر من مليون يمني عامل في أراضي السعودية الأمل بتسديد أقساط حياةٍ لهم، ولمن يعيلونهم في اليمن. وبالتالي، على النظام السعودي أن لا يبني أحلاما كاذبة لليمنيين، وأن عليه وقبل أي شيء آخر تنفيذ التزاماته الإنسانية حيال اليمنيين العاملين في أراضيه، باعتبارهم لاجئين هربوا من حربٍ تسبب بفظاعاتها.
لم تتغيّر طبيعة العلاقة ما بين النظام السعودي والعمالة اليمنية، إذ ظلت أوضاع من تبقى من اليمنيين في السعودية مرهونةً بالتجاذبات السياسية بين النظام السعودي والسلطة اليمنية، ومرتبطة بشكل تدخلات الرياض في اليمن، إذ منع العمال اليمنيون من الاشتغال بقطاع الذهب وبيع الخضروات، وهما قطاعان محوريان بالنسبة للعمالة اليمنية، خصوصا قطاع الخضروات. ومن ثم وجد آلاف من العمال اليمنيين أنفسهم من دون عمل، وقامت السلطات السعودية حينها بترحيل الآلاف منهم.
مع بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، بدت عاصفة الحزم لليمنيين العاملين في السعودية مرحلةً جديدةً في علاقتهم مع النظام السعودي، إذ لم تعد السعودية مكاناً يعملون فيه فقط، وإنما قائدة التحالف العربي الذي يخوض حرباً في بلادهم، دفاعا عن السلطة الشرعية
موقف السلطات السعودية من اليمنيين الهاربين من الحرب في بلادهم إلى أراضيها مخزٍ، إذ لم تتعاط مع اليمنيين باعتبارهم لاجئين هاربين من الحرب، وبالتالي لهم حقوقهم التي ضمنها القانون الدولي، وإنما بوصفهم جموعا من الفقراء، يتم التصدّق عليهم بهباتٍ ملكية، إلا أن هذه المكرمة الملكية لم تستمر، ففي بداية 2016 أوقفت السلطات السعودية التأشيرات الحكومية وهوية زائر، وحصر الحصول على تأشيرة زيارة عائلية بنقل الأسرة من اليمن إلى دولةٍ أخرى، ثم استخراج إقامه عبر تقديم طلب لوزارة الداخليه السعودية، كما رفعت رسوم تأشيرة زيارة عائلية إلى ألفي ريال سعودي، وبدت هذه القوانين التعقيدية عقبة أمام جميع المغتربين اليمنيين، لكلفتها المالية الباهظة، وحرمانهم من استقدام أسرهم من اليمن.
تزامنا مع الإجراءات السعودية التي تحدّ من تدفق النازحين اليمنيين إلى أراضيها، سنت السلطات السعودية قوانين أخرى، بغرض تجريف العمالة اليمنية، ففي مارس/ آذار 2017، صدر قرار توطين وظائف بيع الجوالات، وهو قطاعٌ يشكل اليمنيون النسبة الكبرى من المشتغلين والمالكين له. وتسبب هذا القانون بفقدان آلافٍ من العمال اليمنيين وظائفهم واضطرار آخرين إلى بيع محلاتهم، ليأتي بعد ذلك قرار سعودة المولات والمراكز التجارية التي كان يعمل فيها اليمنيون، وهو ما أدى إلى أن يعيش آلاف من اليمنيين بدون وظائف، هاربين من الملاحقات، مكدّسين في عزب تفتقر للحياة الصحية.
لم تنته حزمة القوانين السعودية ضد العمالة اليمنية عند هذا الحد، ففي الثالث من يوليو/ تموز الحالي، أصدرت وزارة المالية السعودية قوانين جديدة، تستهدف العمالة الوافدة، إذ ينص القرار على دفع الوافد رسوم مائة ريال شهرياً على كل فرد في الأسرة، تابع أو مرافق يتضاعف في عام 2018، ليصل في نهاية 2020 إلى 400 ريال شهرياً، فضلاً عن رسوم على العامل تبدأ بـ 400 ريال شهرياً في العام المقبل، وتنتهي بـ 800 ريال في عام 2020، إضافة إلى رسوم الكفيل ومكتب العمل والتأمين.
تتعدّى تداعيات القرار السعودي ما يمكن عده شأناً داخلياً وموازنةً بين النفقات والايرادات، كما نصت الديباجة، إذ تطاول الآثار السلبية للقرار حياة الوافدين، وخصوصا السوريين واليمنيين
لا تحترم السلطات السعودية القانون الدولي ولا الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، ولا معاناة الوافدين في أراضيها، فإنها تمضي في تنفيذ القرار الذي يهدف إلى إجبار العمالة الأجنبية، وفي مقدمتها اليمنية والسورية، على ترك أعمالها والرحيل من السعودية طوعياً للتحايل على مساءلة المنظمات الحقوقية. ومن جهة أخرى، تهدف بهذا القرار إلى تعويض كلفة حربها في اليمن، بما فيها مساعدات الإغاثة، وتحصيل ذلك من أموال الوافدين، فمائة ريال يدفعها مليون يمني مقيم في السعودية، هذا إذا اعتبرنا أن لديه مرافقا واحدا فقط، تساوي مائة مليون ريال سعودي في العام، وهو ما يعني أن السعودية، وخلافاً لكل التسويق الإعلامي لأعمالها الإغاثية في اليمن، فإنها في الواقع لم تقدم شيئاً لليمنيين.
بحسب إعلامها، تحارب السعودية في اليمن منذ أكثر من عامين وثلاثة أشهر لإعادة الأمل لليمنيين، وإذا تجاهلنا مآسي الحرب والمجاعة والحصار على اليمنيين، وصراع أجندات دول التحالف، فضلاً عن تحويل اليمن إلى مستنقعٍ لتصفية حساباتها مع خصومها، فإن ما لا يقوله الإعلام السعودي إن القانون السعودي الجديد يسلب أكثر من مليون يمني عامل في أراضي السعودية الأمل بتسديد أقساط حياةٍ لهم، ولمن يعيلونهم في اليمن. وبالتالي، على النظام السعودي أن لا يبني أحلاما كاذبة لليمنيين، وأن عليه وقبل أي شيء آخر تنفيذ التزاماته الإنسانية حيال اليمنيين العاملين في أراضيه، باعتبارهم لاجئين هربوا من حربٍ تسبب بفظاعاتها.