نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أمس الأحد، تقريرا حول إصلاحات اقتصادية جذرية متوقعة في السعودية خلال الفترة القادمة، تتركز حول محاولة المملكة خفض اعتمادها على النفط، وتنويع مصادر الدخل، مدفوعة بانخفاض أسعار النفط من جهة، والتكاليف الباهظة لحرب اليمن من جهة أخرى.
ويأتي حديث الصحيفة بعيد تقرير نشرته "تيليغراف"، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تحدثت فيه أيضا عن إصلاحات اقتصادية كبرى، متوازية مع تحسين أوضاع المرأة، والسماح لمنظمات حقوق الإنسان بالدخول إلى المملكة. كما يجيء بعيد نشر الكاتب الأميركي، توماس فريدمان، مقالا في "نيويورك تايمز"، الأربعاء الماضي، نقل فيه كلاما مفصلا - بعض الشيء – عن إصلاحات ينوي ولي ولي العهد السعودي، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الأمير محمد بن سلمان، اعتمادها خلال الفترة القادمة كان الأمير قد نقلها إليه في حوار شخصي.
استهلت "فايننشال تايمز" تقريرها بالقول: "هناك فريق من التكنوقراط، داخل الديوان الملكي السعودي في الرياض، يضعون لمساتهم الأخيرة على إصلاحات جذرية للاقتصاد السعودي". وأشار التقرير إلى وجود "مليارات الدولارات من الهدر المالي، والإنفاق السخي على الرخاء الاقتصادي، والذي لم تعد السعودية قادرة عليه".
ورأى التقرير أن سياسات السعودية النفطية كانت ترتكز على الاحتفاظ بحصصها من السوق، عوضا عن الحفاظ على استقرار الأسعار، وتضيف: "بينما خُفف أثر هبوط أسعار النفط في 2014 بالاستعانة بالاحتياطي النقدي، والذي يقدر بـ640 مليار دولار، لم يعد هذا ممكنا".
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي قوله: "انهيار أسعار النفط نداء لنا لنستيقظ، لدينا تاريخ طويل من التطبيقات الاقتصادية السيئة بسبب اعتمادنا المفرط على النفط".
تجد السعودية نفسها، بحسب التقرير، دولة مستقرة في وسط منطقة مضطربة، وتنقل "فايننشال تايمز" عن مسؤول غربي قوله: "بغض النظر عن رؤيتك لسياسات الحكومة، فإن استقرار السعودية أمر مهم جدا". ويأتي الاستقرار الاقتصادي أساساً للحفاظ على استقرار البلاد.
وتحدثت الصحيفة عن صعود الأمير محمد بن سلمان السياسي في المملكة. فولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، يطمح إلى تحقيق إصلاحات اقتصادية موسعة، باعتبار أن انهيار أسعار النفط يمكن أن يكون فرصة ودافعا من أجل تنويع مصادر الدخل.
ووصفت الصحيفة الوضع الاقتصادي السعودية الحالي كالتالي: "خفضت الحكومة الإنفاق العام بمقدار الربع، وزاد الدين المحلي، من خلال إصدارات السندات، بمقدار 27 مليار دولار، مع دراسة احتمالية إصدارات سندات دولية في 2016". وتضيف: "بخفض 80 مليار دولار، انخفض الانفاق المحلي، ليصل إلى 267 مليار دولار، وبهذا ستشهد السعودية المزيد من الإجراءات التقشفية، حيث يتوقع أن تكون ميزانية السعودية القادمة بين 229 و240 مليار دولار".
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي وصفه لما حدث: "كان الإنفاق خارجا عن السيطرة تماما، بينما كانت أسعار النفط تنخفض، مما جعلنا نبحث في كل شيء".
اقرأ أيضا: السعودية تعتزم خصخصة المطارات لتحسين الخدمات وتوفير موارد مالية
وأكدت أن "من أولويات الخطة الاقتصادية القادمة مراجعة الدعم الحكومي للطاقة، والذي يكلف قرابة 13.2% من إجمالي الناتج المحلي، أقل من نصف الدعم يذهب للوحدات السكنية". هذا بالإضافة إلى دراسة المسؤولين السعوديين لزيادة دخل الدولة، وتخفيف اعتمادها على النفط، من خلال "الرسوم الحكومية وضرائب المبيعات"، قبل أن تضيف: "الدولة ستوسع أيضا الإنفاق على برامج الرفاه الاجتماعي من أجل إعادة توزيع الأموال للفقراء والطبقة الوسطى في السعودية، والتي ستتضرر جراء الأسعار المرتفعة لفواتير الكهرباء والماء وقيمة المشتقات البترولية في حال رفع الدعم".
وتابعت: "هناك مؤشرات على أن خفض الإنفاق الحكومي أثر في الثقة في قطاع الأعمال". وقالت لمى السليمان، وهي نائبة رئيس الغرفة التجارية بجدة، وسيدة أعمال: "بدأ قطاع الأعمال يشعر بوجود تغيرات حادة وسريعة في التشريعات واتجاه سير القطاع، نحن بحاجة إلى الاستقرار في طريقنا إلى الخطوة القادمة".
تقرير فايننشال تايمز، يوم أمس، لم يذهب بعيدا عما كتبه توماس فريدمان قبل أيام في "نيويورك تايمز"، حيث أكد فريدمان في مقاله أن ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ينظر إلى "ترشيد أداء الحكومة كأهم أدوات مكافحة الفساد"، والذي يعتبره الأمير "واحدا من أكبر التحديات التي تواجه السعودية".
وأشار فريدمان إلى أن الأمير يرى أن اعتماد السعودية المتزايد على النفط "من التحديات الرئيسية للاقتصاد السعودي"، لذلك يشير إلى رفع الدعم عن الوقود كخطة بديلة، بالإضافة إلى فرض الضرائب، واعتماد سياسات الخصخصة، بحيث تمتلك السعودية "قدرات على بناء الدولة حتى لو انخفض سعر النفط إلى 30 دولارا للبرميل، دون استنفاد مدخراتها". ويرى الأمير محمد بن سلمان – بحسب فريدمان – أن رفع الدعم الحكومي عن الطاقة هو "السبيل الوحيد للسعودية لتتمكن ذات يوم من الاعتماد على الطاقة النووية أو الشمسية".
وكان وزير البترول السعودي، علي النعيمي، قد صرح في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن أن السعودية تدرس رفع الدعم عن أسعار الطاقة المحلية، من أجل خفض الهدر المالي، والهدر في استهلاك الوقود، لكنه عاد لاحقا وتراجع عن تصريحاته بالقول إن "المملكة لا تستورد الطاقة حتى ترفع الدعم عنها، والطاقة إنتاج محلي، مما لا يستوجب رفع الدعم".