16 نوفمبر 2024
السعودية واستثمار الفشل
نشرت وكالة الأنباء الفرنسية قبل أيام تصريحاً لمسؤول لبناني، كشف فيه عن تهديد السلطات السعودية رئيس الوزراء، سعد الحريري، أنها ستجعل من لبنان "قطر أخرى". قالوا له "سنعاقب لبنان كما عاقبنا قطر".
يكشف الخبر عن معالم السياسة الخارجية السعودية، والتي تقوم على التهديد والابتزاز واختطاف المسؤولين الرسميين، في مسلكٍ أبعد ما يكون عن سياسات الدول. لكنه، في الوقت نفسه، يثير السخرية والتساؤل عن جدوى هذا التهديد الأجوف. فكيف جرؤ المسؤولون السعوديون على أن يتصوّروا أنهم قد انتصروا في الأزمة مع قطر، إلى درجة أنهم جعلوها مثلاً يُحتذى في ملفات أخرى؟ فأين هذا النجاح الذي حققته السعودية؟ لم تستطع المملكة إجبار قطر على الرضوخ، ولو لواحد من المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها مع دول الحصار، ولم تستطع تغيير سياسة قطر أو الدفع بها نحو الاتجاه الذي تريد، وعجزت عن فرض شخصياتٍ قطرية استضافتهم لديها، وحاولت إعطاءهم شرعية تمثيل الشعب القطري، ليتناسى الجميع تلك الشخصيات التي سرعان ما انزوت تماماً.
بالعكس، خسرت السعودية كثيراً جرّاء الأزمة، بعد أن قوّضت دعائم مجلس التعاون الخليجي، الكيان الذي كان يمثل منطقة نفوذها الأكبر والأهم، وخسرت صورتها في العالمين، العربي والإسلامي، وأثارت مخاوف جيرانها من أن تنقلب عليهم فجأة، مثلما انقلبت على قطر فجأة، وبعد ذلك كله، لم تحقق أي اختراقٍ يجعلها تدّعي الانتصار، بل وتعتقد أن في وسعها أن تضرب الأمثلة بتلك الأزمة، باعتبارها دليلاً على النجاح.
وبالفعل، لم تختلف نتائج السياسة السعودية في أزمة استقالة الحريري عن نتائجها مع قطر، فقد عاد الحريري إلى لبنان، وأعلن تراجعه عن الاستقالة، ودعا إلى الحوار بين الفرقاء اللبنانيين، لتجاوز الأزمة والوصول إلى حل، عكس ما كانت تريده السعودية، لتبدو تلك النتيجة كأنها أبلغ رد على تهديداتها. وأكد مصدر دبلوماسي لوكالة الأنباء الفرنسية أن ولي العهد السعودي تراجع عن موقفه "عندما اكتشف أنه جنح في تصرفاته"، وهو جنوح أصبح سمة طبيعية للسياسة السعودية الجديدة.
لم تقتصر محاولة استثمار الفشل ومراكمته على أزمة استقالة الحريري، أو الأزمة مع قطر، فالسياسة السعودية التي تدّعي الانتصار في ملفاتٍ خارجية، وتحاول البناء عليها واستثمارها، على الرغم من فشلها فيها، وجدناها قبل ذلك في أزمة اليمن، فاللجان الإلكترونية السعودية تطلق على العاهل السعودي لقب "سلمان الحزم"، في إشارةٍ إلى عملية عاصفة الحزم العسكرية التي بدأتها المملكة قبل نحو ثلاثة أعوام ضد الحوثيين الذين احتلوا صنعاء، وطردوا حكومة الرئيس، عبد ربه منصور هادي، منها. والآن، بعد مضي كل تلك المدة، لا يمكن القول بأي حال إن السعودية انتصرت في هذا الملف، بل هي أبعد من أي وقت مضى على الانتصار، حتى إن الحوثيين أضحوا يستهدفون العاصمة السعودية نفسها بالصواريخ البالستية، كما استهدفوا مطار الملك خالد في الرياض قبل نحو شهر، بالإضافة إلى قصر اليمامة قبل أيام، على الرغم من امتلاك السعوديين دفاعات جوية، (دفاع وأنظمة إنذار مبكر) أنفق عليها المليارات. وحسب صحيفة نيويورك تايمز، أطلقت الدفاعات الجوية السعودية خمسة صواريخ باتريوت لمحاولة اعتراض الصاروخ الذي أطلق على مطار الملك خالد، وفشلت جميعها في تدمير الصاروخ بشكل كامل، أما الصاروخ الأخير فأحدث دماراً كبيراً في المنطقة، إلى درجة أن عدداً كبيراً من سكان الرياض سمعوا صوت الانفجار، وتحدثوا عنه في وسم انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما تأتي التهديدات الجدّية التي تواجه سماء الرياض، بعد أن فشل الرهان السعودي الإماراتي على المخلوع علي عبد الله صالح الذي قتل بعد تحدّيه الحوثيين بوقت قصير، ليعود الإعلام السعودي واللجان الإلكترونية السعودية إلى كيل الاتهامات لدولة قطر، واتهامها بالمسؤولية عن مقتل صالح (حليف السعودية الحميم طوال سنوات حكمه)، وبأنها تحالفت مع الحوثيين، وأبلغتهم بمكان صالح، على الرغم من أن السعودية نفسها أخرجت قطر من ملف اليمن، وعلى الرغم من أن تلك الاتهامات تثبت أن النظام السعودي ما زال مشغولاً بقضية قطر التي وصفها ولي العهد محمد بن سلمان بأنها "صغيرة جداً جداً جداً"، ومع ذلك نجد حرصاً كبيراً من
المسؤولين السعوديين على ذكر قطر بمناسبةٍ وبغير مناسبة، وكيل الاتهامات لها في كل صغيرة وكبيرة.
ولكن أخيراً، وُجد ملف انتصرت فيه السعودية، وهو الأكبر والأكثر خطورة، وهو صراعها مع إيران، إذ إن معظم الملفات الأخرى مجرّد جزئيات متعلقة بالصراع الأكبر معها، فقد انتصرت السعودية على إيران واحتلت طهران، وتمكّنت من تدمير الجيش الإيراني، ووجدت القوات السعودية ترحيباً كبيراً من المواطنين الإيرانيين، الذين رفعوا صورة ولي العهد، محمد بن سلمان، في شوارع العاصمة، بعد أن دخلها الجيش السعودي. .. كان هذا الانتصار في فيلم كرتوني، نشرته وسائل إعلام سعودية مترجماً بعدة لغات (بينها العبرية!)، وهو فيلم، على ما يبدو، يمثل درة التاج لـ"الانتصارات" السعودية على إيران في اليمن وسورية والعراق ولبنان، وهي انتصاراتٌ واضحةٌ جداً كما نرى.
يكشف الخبر عن معالم السياسة الخارجية السعودية، والتي تقوم على التهديد والابتزاز واختطاف المسؤولين الرسميين، في مسلكٍ أبعد ما يكون عن سياسات الدول. لكنه، في الوقت نفسه، يثير السخرية والتساؤل عن جدوى هذا التهديد الأجوف. فكيف جرؤ المسؤولون السعوديون على أن يتصوّروا أنهم قد انتصروا في الأزمة مع قطر، إلى درجة أنهم جعلوها مثلاً يُحتذى في ملفات أخرى؟ فأين هذا النجاح الذي حققته السعودية؟ لم تستطع المملكة إجبار قطر على الرضوخ، ولو لواحد من المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها مع دول الحصار، ولم تستطع تغيير سياسة قطر أو الدفع بها نحو الاتجاه الذي تريد، وعجزت عن فرض شخصياتٍ قطرية استضافتهم لديها، وحاولت إعطاءهم شرعية تمثيل الشعب القطري، ليتناسى الجميع تلك الشخصيات التي سرعان ما انزوت تماماً.
بالعكس، خسرت السعودية كثيراً جرّاء الأزمة، بعد أن قوّضت دعائم مجلس التعاون الخليجي، الكيان الذي كان يمثل منطقة نفوذها الأكبر والأهم، وخسرت صورتها في العالمين، العربي والإسلامي، وأثارت مخاوف جيرانها من أن تنقلب عليهم فجأة، مثلما انقلبت على قطر فجأة، وبعد ذلك كله، لم تحقق أي اختراقٍ يجعلها تدّعي الانتصار، بل وتعتقد أن في وسعها أن تضرب الأمثلة بتلك الأزمة، باعتبارها دليلاً على النجاح.
وبالفعل، لم تختلف نتائج السياسة السعودية في أزمة استقالة الحريري عن نتائجها مع قطر، فقد عاد الحريري إلى لبنان، وأعلن تراجعه عن الاستقالة، ودعا إلى الحوار بين الفرقاء اللبنانيين، لتجاوز الأزمة والوصول إلى حل، عكس ما كانت تريده السعودية، لتبدو تلك النتيجة كأنها أبلغ رد على تهديداتها. وأكد مصدر دبلوماسي لوكالة الأنباء الفرنسية أن ولي العهد السعودي تراجع عن موقفه "عندما اكتشف أنه جنح في تصرفاته"، وهو جنوح أصبح سمة طبيعية للسياسة السعودية الجديدة.
لم تقتصر محاولة استثمار الفشل ومراكمته على أزمة استقالة الحريري، أو الأزمة مع قطر، فالسياسة السعودية التي تدّعي الانتصار في ملفاتٍ خارجية، وتحاول البناء عليها واستثمارها، على الرغم من فشلها فيها، وجدناها قبل ذلك في أزمة اليمن، فاللجان الإلكترونية السعودية تطلق على العاهل السعودي لقب "سلمان الحزم"، في إشارةٍ إلى عملية عاصفة الحزم العسكرية التي بدأتها المملكة قبل نحو ثلاثة أعوام ضد الحوثيين الذين احتلوا صنعاء، وطردوا حكومة الرئيس، عبد ربه منصور هادي، منها. والآن، بعد مضي كل تلك المدة، لا يمكن القول بأي حال إن السعودية انتصرت في هذا الملف، بل هي أبعد من أي وقت مضى على الانتصار، حتى إن الحوثيين أضحوا يستهدفون العاصمة السعودية نفسها بالصواريخ البالستية، كما استهدفوا مطار الملك خالد في الرياض قبل نحو شهر، بالإضافة إلى قصر اليمامة قبل أيام، على الرغم من امتلاك السعوديين دفاعات جوية، (دفاع وأنظمة إنذار مبكر) أنفق عليها المليارات. وحسب صحيفة نيويورك تايمز، أطلقت الدفاعات الجوية السعودية خمسة صواريخ باتريوت لمحاولة اعتراض الصاروخ الذي أطلق على مطار الملك خالد، وفشلت جميعها في تدمير الصاروخ بشكل كامل، أما الصاروخ الأخير فأحدث دماراً كبيراً في المنطقة، إلى درجة أن عدداً كبيراً من سكان الرياض سمعوا صوت الانفجار، وتحدثوا عنه في وسم انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما تأتي التهديدات الجدّية التي تواجه سماء الرياض، بعد أن فشل الرهان السعودي الإماراتي على المخلوع علي عبد الله صالح الذي قتل بعد تحدّيه الحوثيين بوقت قصير، ليعود الإعلام السعودي واللجان الإلكترونية السعودية إلى كيل الاتهامات لدولة قطر، واتهامها بالمسؤولية عن مقتل صالح (حليف السعودية الحميم طوال سنوات حكمه)، وبأنها تحالفت مع الحوثيين، وأبلغتهم بمكان صالح، على الرغم من أن السعودية نفسها أخرجت قطر من ملف اليمن، وعلى الرغم من أن تلك الاتهامات تثبت أن النظام السعودي ما زال مشغولاً بقضية قطر التي وصفها ولي العهد محمد بن سلمان بأنها "صغيرة جداً جداً جداً"، ومع ذلك نجد حرصاً كبيراً من
ولكن أخيراً، وُجد ملف انتصرت فيه السعودية، وهو الأكبر والأكثر خطورة، وهو صراعها مع إيران، إذ إن معظم الملفات الأخرى مجرّد جزئيات متعلقة بالصراع الأكبر معها، فقد انتصرت السعودية على إيران واحتلت طهران، وتمكّنت من تدمير الجيش الإيراني، ووجدت القوات السعودية ترحيباً كبيراً من المواطنين الإيرانيين، الذين رفعوا صورة ولي العهد، محمد بن سلمان، في شوارع العاصمة، بعد أن دخلها الجيش السعودي. .. كان هذا الانتصار في فيلم كرتوني، نشرته وسائل إعلام سعودية مترجماً بعدة لغات (بينها العبرية!)، وهو فيلم، على ما يبدو، يمثل درة التاج لـ"الانتصارات" السعودية على إيران في اليمن وسورية والعراق ولبنان، وهي انتصاراتٌ واضحةٌ جداً كما نرى.