13 يونيو 2021
السعودية وتسويات القرن الأفريقي
تناول مقال سابق لكاتب هذه السطور في "العربي الجديدي" عن تسويات القرن الأفريقي دوافع بعض الأطراف الإقليمية (إثيوبيا، الإمارات)، والدولية (الولايات المتحدة) من هذه التسويات. ولم يتطرق إلى باقي الأطراف، خصوصا الطرف السعودي الذي كان يطمح إلى عقد قمة ثلاثية بين كل من إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي في جدة الشهر الماضي، بل تردّد أن الصومال كان سيشارك أيضاً، ليكتمل مشهد منظومة السلام الأفريقي برعاية سعودية، لكن القمة لم تتمخّض سوى عن لقاء ثنائي مكرر بين قيادتي إثيوبيا وإريتريا، الجديد فيه حضور الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، ووزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد، في حين لم يتم اللقاء الأهم بين قيادتي جيبوتي وإريتريا، على الرغم من أنّ الأمين العام صرّح في حينها بأنها ستعقد، في حين لم يحضر رئيس الصومال من الأساس.
يدفع هذا إلى محاولة تفسير ما حدث في جدة، وما هي الإضافة التي تمت مقارنة مثلاً باتفاق أسمرة للمصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا في يوليو/ تموز الماضي. وما هي الأهداف السعودية من هذا الاهتمام بالقرن الأفريقي؟.
وبالبدء بالنقطة الأخيرة، الخاصة بالأهداف التي تبتغيها السعودية من هذه المنطقة القريبة جداً من حدودها، والتي لا يفصلها عنها سوى بعض الموانع البحرية كالبحر الأحمر (إريتريا)،
وباب المندب (جيبوتي)، والمحيط الهندي (الصومال)، فإن هذه الأهداف تتنوّع بين اقتصادية وأمنية ودينية. فالأهداف الاقتصادية تتمثل في الرغبة في الاستثمارات في بعض الدول الأفريقية شرق القارة، تحديداً لاعتبار القرب الجغرافي، خصوصا التي تتوفر فيها مساحات صالحة للزراعة، سيما مع وجود أزمةٍ لدى دول الخليج بصفة عامة، فيما يتعلق بموضوع الاكتفاء الذاتي من الغذاء. وهذا ما لعبت عليه دول أفريقية عديدة لجذب الاستثمارات الخليجية، منها السعودية، حيث عرضت عليها الاستثمار الزراعي في أراضيها، مقابل الحصول على المنتجات الغذائية. أما الأهداف السياسية والعسكرية، فتتمثل في تحجيم النفوذ الإيراني في منطقة القرن الأفريقي، سواء بمفهومه الضيق (الصومال، جيبوتي، إثيوبيا، إريتريا)، أو بمفهومه الواسع الذي يضم كذلك كينيا وتنزانيا والسودان، لا سيما أن إيران تشكّل تهديداً للسعودية بسبب حرب اليمن، حيث يتردّد أنها كانت تستخدم إثيوبيا مركزا للدعم اللوجيستي للحوثيين في اليمن. وقد ازدادت أهمية المنطقة وغيرها، مع حصار قطر العام الماضي، والسعي السعودي إلى استقطاب هذه الدول لتبنّي موقفها، واستخدام سياسة العصا والجزرة في هذا الشأن، مستغلة في ذلك أوراقا تمتلكها، كورقة المساعدات (جيبوتي) أو المنح الطلابية وتأشيرات الحج (إثيوبيا والصومال).
أما الأهداف الدينية للسعودية، فتتمثل في مواجهة انتشار التشيع في دول عديدة مجاورة لهذه الدول، خصوصاً كينيا وتنزانيا، بما يهدد المكانة الدينية للسعودية التي ترى نفسها قبلة للعالم السني. وفي هذا الإطار، يمكن فهم التحرّكات السعودية السابقة واللاحقة أيضاً في المنطقة، ومنها زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كينيا وتنزانيا في فبراير/ شباط 2016، وتركيز الرياض على جيبوتي تحديداً، للحيلولة دون هيمنة إيران على ضفتي باب المندب، حيث تسعى إلى إقامة قاعدة عسكرية فيها، وتسيير خطوط ملاحية بين موانئ جيبوتي وجدة وجازان، وكذلك تشكيل لجنة عسكرية مشتركة عقب انطلاق عملية عاصفة الحزم العسكرية عام 2015 لاستعادة الشرعية في اليمن. وبالنسبة لإريتريا، أبرمت السعودية اتفاقاً عسكرياً معها في إبريل/ نيسان 2015، في مجال محاربة الإرهاب والقرصنة في البحر الأحمر. وربما يفسر هذا الاهتمام أسباب قطع بعض هذه الدول، مثل الصومال والسودان، علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وكذلك تأييد إثيوبيا عملية عاصفة الحزم في اليمن.
وفي هذا السياق، يمكن فهم أسباب الحرص السعودي على عقد قمة جدة، فهي تأتي تجسيداً لهذه الأهمية والأهداف. ولكن يمكن إيراد ملاحظتين أساسيتين قد تفيدان في الإجابة عن السؤال الرئيسي: هل أضافت القمة جديداً على الأرض فيما يتعلق بعمليات التسوية في القرن الأفريقي؟.
الملاحظة الأولى، أن الاتفاق الإثيوبي الإريتري الإضافي في جدة، لم يضف جديداً عن
اتفاق أسمرة الأول (يوليو/ تموز الماضي)، على الرغم من أن غالبية وسائل الإعلام السعودية أفادت بأن هناك اتفاقاً تاريخياً سيوقع بإشراف أممي وأفريقي خاص بترسيم الحدود، وستوضع وثائقه لدى المنظمتين الدولية والأفريقية، وربما هذا هو سبب حضور غوتيريس وفكي. لكن الواقع لم يسفر عن جديد، لأن الطرفين لم يدخلا في تفاصيل هذه النقطة الحسّاسة التي تحتاج مزيداً من الوقت، لذا فضّلا إرجاءها والبدء بالنقاط الإيجابية الأخرى، مثل إعادة التطبيع وفتح السفارات، والحدود البرّية، ووقف دعم المعارضة، الأمر الذي يثير تساؤلاً عن الفائدة من القمة والجديد الذي قدمته، اللهم إلا إذا كان الهدف إظهار الوساطة السعودية بشكل علني في ترتيبات المصالحة.
الثانية: عدم إتمام اللقاء الأهم بين إريتريا وجيبوتي، والذي يُفترض أيضاً أن يتحدّث عن تفاصيل التطبيع، سيما ترسيم الحدود، خصوصا أن إعلان التطبيع بينهما الشهر الماضي لم يتضمّن اجتماع قمة بين الرئيسين، أسياس أفورقي وعمر جيلة، أو حتى الحديث عن أية تفاصيل عكس قمة أسمرة. وبالتالي ربما كان متوقعاً من قمّة جدة عقدها فحسب، والحديث في تفاصيل التطبيع. لكن يبدو أنّ الرياض التي تتمتع بعلاقة وطيدة بكلتيهما لم تفلح في تحقيق طلب جيبوتي، ضرورة انسحاب قوات إريتريا من منطقة وجزيرة الدميرة الاستراتيجية على باب المندب، إذ يبدو أن هناك رفضاً من أسمرة التي غادر رئيسها قبل إتمام القمة، معلناً فعلياً فشلها. والسؤال هنا: هل فعلاً لا تملك السعودية القدرة على الضغط على إريتريا؟ ولماذا لم تستغل وجود الشريك الإماراتي، صاحب القاعدة العسكرية الكبرى في إريتريا، في هذا الشأن؟ أم أن الشريك الإماراتي يرفض ممارسة هذه الضغوط عقاباً لجيبوتي التي فسخت قبل أشهر عقد "موانئ دبي" بخصوص استغلال ميناء دوراليه، كما يرغب أيضاً في السيطرة على الضفة الغربية من باب المندب، بعد إحكام سيطرته على عدن في الضفة الشرقية، وهو ما يطرح سؤالاً أخيراً عن طبيعة العلاقات بين أبوظبي والرياض في دوائر خارجية عديدة، ومنها الدائرة الأفريقية. فهل فعلاً هذه العلاقة تكاملية أم تنافسية؟
يدفع هذا إلى محاولة تفسير ما حدث في جدة، وما هي الإضافة التي تمت مقارنة مثلاً باتفاق أسمرة للمصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا في يوليو/ تموز الماضي. وما هي الأهداف السعودية من هذا الاهتمام بالقرن الأفريقي؟.
وبالبدء بالنقطة الأخيرة، الخاصة بالأهداف التي تبتغيها السعودية من هذه المنطقة القريبة جداً من حدودها، والتي لا يفصلها عنها سوى بعض الموانع البحرية كالبحر الأحمر (إريتريا)،
أما الأهداف الدينية للسعودية، فتتمثل في مواجهة انتشار التشيع في دول عديدة مجاورة لهذه الدول، خصوصاً كينيا وتنزانيا، بما يهدد المكانة الدينية للسعودية التي ترى نفسها قبلة للعالم السني. وفي هذا الإطار، يمكن فهم التحرّكات السعودية السابقة واللاحقة أيضاً في المنطقة، ومنها زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كينيا وتنزانيا في فبراير/ شباط 2016، وتركيز الرياض على جيبوتي تحديداً، للحيلولة دون هيمنة إيران على ضفتي باب المندب، حيث تسعى إلى إقامة قاعدة عسكرية فيها، وتسيير خطوط ملاحية بين موانئ جيبوتي وجدة وجازان، وكذلك تشكيل لجنة عسكرية مشتركة عقب انطلاق عملية عاصفة الحزم العسكرية عام 2015 لاستعادة الشرعية في اليمن. وبالنسبة لإريتريا، أبرمت السعودية اتفاقاً عسكرياً معها في إبريل/ نيسان 2015، في مجال محاربة الإرهاب والقرصنة في البحر الأحمر. وربما يفسر هذا الاهتمام أسباب قطع بعض هذه الدول، مثل الصومال والسودان، علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وكذلك تأييد إثيوبيا عملية عاصفة الحزم في اليمن.
وفي هذا السياق، يمكن فهم أسباب الحرص السعودي على عقد قمة جدة، فهي تأتي تجسيداً لهذه الأهمية والأهداف. ولكن يمكن إيراد ملاحظتين أساسيتين قد تفيدان في الإجابة عن السؤال الرئيسي: هل أضافت القمة جديداً على الأرض فيما يتعلق بعمليات التسوية في القرن الأفريقي؟.
الملاحظة الأولى، أن الاتفاق الإثيوبي الإريتري الإضافي في جدة، لم يضف جديداً عن
الثانية: عدم إتمام اللقاء الأهم بين إريتريا وجيبوتي، والذي يُفترض أيضاً أن يتحدّث عن تفاصيل التطبيع، سيما ترسيم الحدود، خصوصا أن إعلان التطبيع بينهما الشهر الماضي لم يتضمّن اجتماع قمة بين الرئيسين، أسياس أفورقي وعمر جيلة، أو حتى الحديث عن أية تفاصيل عكس قمة أسمرة. وبالتالي ربما كان متوقعاً من قمّة جدة عقدها فحسب، والحديث في تفاصيل التطبيع. لكن يبدو أنّ الرياض التي تتمتع بعلاقة وطيدة بكلتيهما لم تفلح في تحقيق طلب جيبوتي، ضرورة انسحاب قوات إريتريا من منطقة وجزيرة الدميرة الاستراتيجية على باب المندب، إذ يبدو أن هناك رفضاً من أسمرة التي غادر رئيسها قبل إتمام القمة، معلناً فعلياً فشلها. والسؤال هنا: هل فعلاً لا تملك السعودية القدرة على الضغط على إريتريا؟ ولماذا لم تستغل وجود الشريك الإماراتي، صاحب القاعدة العسكرية الكبرى في إريتريا، في هذا الشأن؟ أم أن الشريك الإماراتي يرفض ممارسة هذه الضغوط عقاباً لجيبوتي التي فسخت قبل أشهر عقد "موانئ دبي" بخصوص استغلال ميناء دوراليه، كما يرغب أيضاً في السيطرة على الضفة الغربية من باب المندب، بعد إحكام سيطرته على عدن في الضفة الشرقية، وهو ما يطرح سؤالاً أخيراً عن طبيعة العلاقات بين أبوظبي والرياض في دوائر خارجية عديدة، ومنها الدائرة الأفريقية. فهل فعلاً هذه العلاقة تكاملية أم تنافسية؟