السفن الأجنبية تنهب الثروة السمكية في تونس

04 سبتمبر 2016
السوق المحلية تعتمد على منتجات صغار الصيادين (فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي تركن فيه قوارب الصيد للراحة بالشواطئ التونسية، بهدف تمكين البحر من استعادة عافيته وتجدد الثروة السمكية، تستغل سفن الصيد الأجنبية هذه الفرصة للدخول للمياه الإقليمية وتحصيل أكبر قدر ممكن من الأسماك.
وتفرض وزارة الزراعة والصيد البحري على الصيادين سنوياً راحة لمدة ثلاثة أشهر خالصة الأجر للصيادين، تحت عنوان الراحة البيولوجية للبحر، تمتد من 15 يوليو/تموز إلى 15 أكتوبر/ تشرين الأول، وذلك للحد من استنزاف ثروات البحر، لا سيما أن 90% من أنشطة الصيد تتم خارج المياه العميقة، مما بات يهدد الثروة البحرية بالاندثار من سنة إلى أخرى.

ويشتكي الصيادون مما وصفوه بـ "ظلم القوانين" المحلية، معتبرين أن الدولة لا تبذل المجهود الكافي لحماية الصيادين، وتطوير هذا النشاط الذي يوفر نحو 180 مليون دولار من العملة الصعبة سنوياً، حيث تحتل منتجات الصيد البحري المرتبة الثانية في صادرات تونس الزراعية بعد زيت الزيتون.
ويطالب البحارة بسن قوانين جديدة تسمح لهم بالصيد في المياه الاقتصادية الخالصة خارج فترة الراحة البيولوجية للبحر، وهي المياه التي يتجاوز مداها 12 ميلا (المسموح بها للبحارة المحليين)، مؤكدين أن العديد من السفن الأجنبية تستغل الإمكانيات المتاحة في هذه المناطق، التي تشترك فيها دول البحر المتوسط، وهو ما يقلص من حظوظ البحارة التونسيين من الحصول على نصيبهم من هذه الثروات المشتركة، فضلا عن الاستنزاف الذي تخلفه هذه السفن لثروات المنطقة البحرية القريبة من السواحل التونسية.




ويقول نور الدين بن عياد، عضو منظمة الفلاحين المكلف بالصيد البحري، إن الراحة البيولوجية للبحر لا معنى لها في ظل تواجد سفن صيد أجنبية تستنزف ثروات البحر على حدود المياه الإقليمية التونسية. ويضيف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "السلطات التونسية لا تبدي أي استعداد للدفاع عن حق الصيادين التونسيين في الحصول على نصيبهم من ثروات المنطقة البحرية المشتركة، أو ما يسمى بالمنطقة الاقتصادية الخالصة".
ويشير إلى أهمية تطوير التشريعات لتمكين الصيادين بشكل أكبر، لافتا إلى أن القوانين الحالية تخدم مصالح السفن الأجنبية، فيما يعاني الصيادون المحليون من تراجع عائداتهم من سنة إلى أخرى بسبب ضعف الاستثمارات المخصصة للقطاع ومحدودية قدرة أكثر من 80% من أسطول المراكب على الغوص في المياه العميقة، التي تستفيد منها المراكب الأجنبية.

وبحسب عضو منظمة الفلاحين المكلف بالصيد البحري، تقبل الأسواق الأجنبية بشكل كبير على منتجات الصيد البحري التونسية، التي تصنف من أجود أنواع السمك والقشريات في المنطقة، مشيرا إلى أن منتجات بلاده تجد رواجاً في دول المتوسط على غرار السوق اليونانية والإسبانية، وأيضا البلدان الآسيوية على غرار اليابان، فيما عبرت السوق الروسية مؤخراً عن رغبتها في الاستيراد من تونس.

ومقابل إقبال الأسواق الأجنبية على منتجات الصيد البحري التونسية، تشتكي السوق المحلية عموما من نقص المعروض، بسبب توجيه القسط الأكبر نحو التصدير، فيما يخصص جزء ضئيل للسوق المحلية بأسعار مرتفعة، وفق تجار.

ويقول أحد تجار الأسماك في السوق المركزية بالعاصمة تونس، لـ"العربي الجديد"، إن كبار الصيادين يتعمدون تصدير منتجاتهم للخارج، بينما يتم تزويد السوق المحلية بما تجود به شباك صغار الصيادين.
ويضيف أن تقادم كل مرافئ الصيد وعدم قدرتها على استقبال السفن الكبيرة، جعل العديد من المراكب الأجنبية تتجاسر على دخول المياه الإقليمية التونسية للصيد فيها، أو استغلال صغار البحارة لشراء منتجاتهم في عرض البحر بأثمان زهيدة، الأمر الذي أثر سلباً على تزويد السوق المحلية وارتفاع أسعار الأسماك.

ويجد التونسيون البديل في الأسماك، التي يتم تربيتها في الأقفاص العائمة، حيث يشهد هذا الصنف من الاستثمارات تطوراً، لتوفير الاكتفاء للسوق المحلية، ولا سيما المطاعم والمنشآت السياحية.
وبالرغم من وفرة أصناف كثيرة من الأسماك، التي تسمّن في الأقفاص أو ما يعرف بـ"الحوت المربي"، إلا أن التونسيين يجنحون عموما إلى الأصناف البحرية بسبب الفرق الكبير في الطعم، حيث غالبا ما تجعل الأعلاف المقدمة لأسماك الأقفاص طعم السمك أقرب إلى الدجاج منه إلى السمك نتيجة الشحوم التي تتراكم فيه، وفق مواطنين.

وفي السنوات العشر الأخيرة، تزايدت في تونس الاستثمارات الموجهة إلى قطاع تربية الأسماك، خاصة بعد أن بات من الممكن تربية الأسماك في الأقفاص العائمة، التي تكون تكلفتها أقل من تربيتها في المياه العذبة، ليصل عدد المشاريع المنتشرة على سواحل البلاد إلى نحو 27 مشروعا يقترب مجمل إنتاجها من 15 ألف طن سنويا، وفق بيانات لوزارة الزراعة.
وتعد تونس التي تمتد سواحلها على طول 1300 كيلومتر من البلدان المنتجة للأسماك، حيث يعد هذا النشاط ذا أهمية كبرى ويمثل 8% من قيمة الإنتاج الفلاحي و1.1% من إجمالي الناتج المحلي.

ويمثل نشاط الصيد التقليدي باستعمال وسائل صيد غير ضارة نسبة 90% من جملة وحدات الصيد التونسية، كما يحتوي الشريط الساحلي على 41 ميناء صيد بحري (بمعدل ميناء كل 30 كيلومتراً)، في حين يتكون أسطول الصيد البحري من أكثر من 10 آلاف قارب صيد ساحلي، نصفها مجهزة بمحركات منها 1000 مركب صيد في الأعماق.
وتتكون اليد العاملة في قطاع الصيد البحري من حوالي 60 ألف ناشط، في حين يقدر الإنتاج بحوالي 105 آلاف طن سنوياً، وفق البيانات الرسمية.

ويجمع العاملون في الصيد البحري بجميع حلقاته، على أن تطوير القطاع وزيادة قدرته التشغيلية، لا يمكن أن يتحقق في غياب الحد الأدنى، مما يحتاجه أهل المهنة من بحارة ومستثمرين ووسطاء وباعة أسماك.
ويشكو القطاع العديد من الصعوبات، التي تعيق تطوير الإنتاج على غرار تقادم البنية الأساسية، وتراجع الخدمات في المرافئ، خاصة أنه مر على أغلب التجهيزات أكثر من ثلاثين سنة، وفق مسؤول بارز في وكالة الموانئ وتجهيزات الصيد البحري.

وسبق أن تقدم الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، بمقترحات منتصف العام الماضي 2015، إلى وزارة الفلاحة التونسية تتعلق بآليات مواجهة الصعوبات التي تواجه المنتجين.
ومن هذه المقترحات ما ذكره نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، نور الدين بن عياد، لـ "العربي الجديد"، عن ترشيد الاستغلال ودعم إجراءات حماية الثروات السمكية، ووضع خطة عمل لتحسين شفافية طرق توزيع منتجات الصيد والمصادر المائية.