ساهمت مشاريع نفطية أميركية متطورة في استخلاص النفط من وسائل غير تقليدية، كالرمال النفطية والصخور الزيتية ومن تحت المياه العميقة، في تخمة المعروض العالمي من النفط ساعدت على تدهور أسعاره. فقد زاد إنتاج الولايات المتحدة وكندا من النفط عبر وسائل غير تقليدية بواقع خمسة ملايين برميل يومياً بين يناير/ كانون الثاني من عام 2010 وأكتوبر/ تشرين أول من عام 2015.
كانت التقنية الجديدة لاستخلاص النفط أكثر كلفة من مثيلتها غير التقليدية، ولكن ما إن تجاوز سعر النفط مستوى التسعين دولاراً للبرميل، في أواخر عام 2010، واصلت الأسعار ارتفاعها فوق هذا المستوى خلال السنوات الأربع التالية، حيث اعتبر ذلك "نجاحاً باهراً" من قبل المنتجين وأسواق الائتمان على حد سواء. فقد ساد الاعتقاد لدى الكثير من المتعاملين في أسواق الطاقة بأن يوماً ما ستتمكن التكنولوجيا من جعل كل شيء ممكناً، بما في ذلك تحويل مورد محدود، مثل النفط، إلى مورد متجدد ومصدر طاقة لا ينضب.
في الواقع، تسمح هذه التقنية باستخراج النفط بتكلفة تمثل نحو ثلاثة أضعاف تكلفة استخراج النفط التقليدي من خزانات تحت الأرض ذات جودة عالية. لكن هذه الخزانات ستنضب مع مرور الوقت وتصبح غير كافية لسد احتياجات الطلب العالمي المتنامي على النفط. ومن أجل الحفاظ على وتيرة إنتاج مرتفعة في موازاة تنامي الاستهلاك العالمي فإن ذلك سيتطلب المزيد من الأموال.
أظهر المستثمرون قدراً كبيراً من الحماسة للحصول على عائدات أكبر من تلك التي تقدمها الاستثمارات التقليدية، مثل سندات الخزينة وحسابات الادخار، والتي لا تزال عوائدها أقل من 2% في ظل معدل فائدة عالمي قريب من الصفر المائوي. وطالما بقيت أسعار النفط مرتفعة فإن هامش الربح لمشاريع استخلاص النفط من مصادر غير تقليدية سيبقى مجدياً من الناحية الاقتصادية، وسيعمل، كذلك، على خفض مخاطر الاستثمار وزيادة تدفق رؤوس الأموال.
لم يستمر هذا الوضع طويلاً. بعد مرور عامين من انهيار أسعار النفط، أصبح تدفق رأس المال أضيق نطاقاً مع تردي أوضاع المصارف وتخلف العديد من المستثمرين عن السداد. رغم ذلك، يستمر المنتجون "بكلفة عالية" التأكيد على أن تكاليف الإنتاج ستتراجع وأن الأداء سوف يتحسن، في حين تُظهر ميزانياتهم العامة عكس ذلك تماماً.
في عام 1997، تنبأ مستثمر أميركي بارز في الصناعات النفطية غير التقليدية، أوبري ماكليندون، أنه نتيجة التطورات المتلاحقة في تكنولوجيا الحفر الأفقي، فإن شركته ابتكرت وسيلة "قد تكون أكبر الوسائل في البلاد لاستخراج النفط ليس فقط في حجم الاحتياطيات المحتملة من النفط ولكن أيضاًَ في النطاق المساحي". هذه الوسيلة "الخارقة" قد ألحقت، اليوم، فشلاً ذريعاً بشركة أوبري، "ماكليندن تشيسابيك للطاقة"، والتي هي على حافة الإفلاس للمرة الثانية. فالناس يريدون أن يصدقوا أن الأمور آخذة في التحسن وأنهم غير مضطرين إلى تغيير معتقداتهم حتى عندما تتحدى هذه المعتقدات المنطق وقوانين الطبيعة.
يختلف الانهيار الأخير لأسعار النفط عن الانهيارات السابقة التي حدثت في العقود الماضية. فهو مرتبط، على نحو كبير، بعوامل اقتصادية أساسية أرهقت الاقتصاد العالمي والمتمثلة في السياسات النقدية التي ارتبطت بالأزمة المالية العالمية عام 2008، والتكلفة المتراكمة لما يقرب من أربعة عقود من النمو في التمويل الائتماني، والارتفاع الصاروخي لأسعار النفط مطلع العقد الحالي. فمعظم هذه الديون هي ديون غير منتجة، وأسعار الفائدة الحالية لا يمكن رفعها بأي حال من الأحوال، وأسعار النفط الحالية، رغم تراجعها الحاد، لا تزال أعلى بواقع الثلث من مستوياتها خلال حقبة التسعينيات.
المنتجون وشركات الخدمات النفطية بحاجة ماسة للإنعاش، إذ إن ثلث شركات النفط الأميركية تخلفت عن السداد بشكل كامل. رغم ذلك، لا يزال بعض المحللين يردد باستمرار أن سعر التعادل هو أقل من أربعين دولاراً للبرميل، وأن أعمال هذه الشركات سوف تعود للتحسن الشديد حالما تتجاوز أسعار النفط مستوى الخمسين دولاراً للبرميل.
وبالمثل، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أنه بحلول عام 2027 سيتجاوز إنتاج النفط الخام الأميركي ذروته السنوية، البالغة 9.7 ملايين برميل يومياً، والذي حققه في عام 1970، وأن النفط المستخرج عبر وسائل تقنية سوف يمثل نحو ثلثي هذا الإنتاج. في الواقع، تبدو هذه التوقعات مفرطة في التفاؤل وتعكس ما هو ممكن من الناحية الفنية وليس ما هو ممكن اقتصادياً.
من الصعب بالنسبة لمعظم الناس الاستمرار في العيش في ظل اقتصاد عالمي يعاني من مصاعب كبيرة، وهذا هو السبب، تحديداً، والذي أدى إلى وجود اضطرابات سياسية في بريطانيا والولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم. قطاع الصناعات النفطية يعاني بشدة، وارتفاع الأسعار لن يساعد في إصلاح الأضرار لأن الاقتصاد العالمي، ببساطة، لا يمكنه تحمل تبعاته.
ولا يمكن إغفال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي سيضيف عنصراً إضافياً من المخاطر بالنسبة للمستثمرين. إذ إن نقص الاستثمار سيؤدي، حتماً، إلى انخفاض الإنتاج، وعجز في الإمدادات، وارتفاع الأسعار، ما يُلحق المزيد من الأضرار بالاقتصاد العالمي.
(محلل اقتصادي أردني)
كانت التقنية الجديدة لاستخلاص النفط أكثر كلفة من مثيلتها غير التقليدية، ولكن ما إن تجاوز سعر النفط مستوى التسعين دولاراً للبرميل، في أواخر عام 2010، واصلت الأسعار ارتفاعها فوق هذا المستوى خلال السنوات الأربع التالية، حيث اعتبر ذلك "نجاحاً باهراً" من قبل المنتجين وأسواق الائتمان على حد سواء. فقد ساد الاعتقاد لدى الكثير من المتعاملين في أسواق الطاقة بأن يوماً ما ستتمكن التكنولوجيا من جعل كل شيء ممكناً، بما في ذلك تحويل مورد محدود، مثل النفط، إلى مورد متجدد ومصدر طاقة لا ينضب.
في الواقع، تسمح هذه التقنية باستخراج النفط بتكلفة تمثل نحو ثلاثة أضعاف تكلفة استخراج النفط التقليدي من خزانات تحت الأرض ذات جودة عالية. لكن هذه الخزانات ستنضب مع مرور الوقت وتصبح غير كافية لسد احتياجات الطلب العالمي المتنامي على النفط. ومن أجل الحفاظ على وتيرة إنتاج مرتفعة في موازاة تنامي الاستهلاك العالمي فإن ذلك سيتطلب المزيد من الأموال.
أظهر المستثمرون قدراً كبيراً من الحماسة للحصول على عائدات أكبر من تلك التي تقدمها الاستثمارات التقليدية، مثل سندات الخزينة وحسابات الادخار، والتي لا تزال عوائدها أقل من 2% في ظل معدل فائدة عالمي قريب من الصفر المائوي. وطالما بقيت أسعار النفط مرتفعة فإن هامش الربح لمشاريع استخلاص النفط من مصادر غير تقليدية سيبقى مجدياً من الناحية الاقتصادية، وسيعمل، كذلك، على خفض مخاطر الاستثمار وزيادة تدفق رؤوس الأموال.
لم يستمر هذا الوضع طويلاً. بعد مرور عامين من انهيار أسعار النفط، أصبح تدفق رأس المال أضيق نطاقاً مع تردي أوضاع المصارف وتخلف العديد من المستثمرين عن السداد. رغم ذلك، يستمر المنتجون "بكلفة عالية" التأكيد على أن تكاليف الإنتاج ستتراجع وأن الأداء سوف يتحسن، في حين تُظهر ميزانياتهم العامة عكس ذلك تماماً.
في عام 1997، تنبأ مستثمر أميركي بارز في الصناعات النفطية غير التقليدية، أوبري ماكليندون، أنه نتيجة التطورات المتلاحقة في تكنولوجيا الحفر الأفقي، فإن شركته ابتكرت وسيلة "قد تكون أكبر الوسائل في البلاد لاستخراج النفط ليس فقط في حجم الاحتياطيات المحتملة من النفط ولكن أيضاًَ في النطاق المساحي". هذه الوسيلة "الخارقة" قد ألحقت، اليوم، فشلاً ذريعاً بشركة أوبري، "ماكليندن تشيسابيك للطاقة"، والتي هي على حافة الإفلاس للمرة الثانية. فالناس يريدون أن يصدقوا أن الأمور آخذة في التحسن وأنهم غير مضطرين إلى تغيير معتقداتهم حتى عندما تتحدى هذه المعتقدات المنطق وقوانين الطبيعة.
يختلف الانهيار الأخير لأسعار النفط عن الانهيارات السابقة التي حدثت في العقود الماضية. فهو مرتبط، على نحو كبير، بعوامل اقتصادية أساسية أرهقت الاقتصاد العالمي والمتمثلة في السياسات النقدية التي ارتبطت بالأزمة المالية العالمية عام 2008، والتكلفة المتراكمة لما يقرب من أربعة عقود من النمو في التمويل الائتماني، والارتفاع الصاروخي لأسعار النفط مطلع العقد الحالي. فمعظم هذه الديون هي ديون غير منتجة، وأسعار الفائدة الحالية لا يمكن رفعها بأي حال من الأحوال، وأسعار النفط الحالية، رغم تراجعها الحاد، لا تزال أعلى بواقع الثلث من مستوياتها خلال حقبة التسعينيات.
المنتجون وشركات الخدمات النفطية بحاجة ماسة للإنعاش، إذ إن ثلث شركات النفط الأميركية تخلفت عن السداد بشكل كامل. رغم ذلك، لا يزال بعض المحللين يردد باستمرار أن سعر التعادل هو أقل من أربعين دولاراً للبرميل، وأن أعمال هذه الشركات سوف تعود للتحسن الشديد حالما تتجاوز أسعار النفط مستوى الخمسين دولاراً للبرميل.
وبالمثل، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أنه بحلول عام 2027 سيتجاوز إنتاج النفط الخام الأميركي ذروته السنوية، البالغة 9.7 ملايين برميل يومياً، والذي حققه في عام 1970، وأن النفط المستخرج عبر وسائل تقنية سوف يمثل نحو ثلثي هذا الإنتاج. في الواقع، تبدو هذه التوقعات مفرطة في التفاؤل وتعكس ما هو ممكن من الناحية الفنية وليس ما هو ممكن اقتصادياً.
من الصعب بالنسبة لمعظم الناس الاستمرار في العيش في ظل اقتصاد عالمي يعاني من مصاعب كبيرة، وهذا هو السبب، تحديداً، والذي أدى إلى وجود اضطرابات سياسية في بريطانيا والولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم. قطاع الصناعات النفطية يعاني بشدة، وارتفاع الأسعار لن يساعد في إصلاح الأضرار لأن الاقتصاد العالمي، ببساطة، لا يمكنه تحمل تبعاته.
ولا يمكن إغفال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي سيضيف عنصراً إضافياً من المخاطر بالنسبة للمستثمرين. إذ إن نقص الاستثمار سيؤدي، حتماً، إلى انخفاض الإنتاج، وعجز في الإمدادات، وارتفاع الأسعار، ما يُلحق المزيد من الأضرار بالاقتصاد العالمي.
(محلل اقتصادي أردني)