السلطة الفلسطينية وأحلامها السياسية
دخل علينا عام 2015، بكل ثقله، بعد يوم أخير من العام الذي مضى، شهد إخفاقاً عربياً وفلسطينياً، في مجلس الأمن الدولي، في تمرير مشروع قرار يطالب الامم المتحدة بتحديد تاريخ معيّن لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967. بعد ذلك، تحمست السلطة الفلسطينية، وتقدمت بطلب الانضمام إلى منظمات دولية، على رأسها محكمة الجنايات الدولية، فثارت ثائرة إسرائيل والإدارة الأميركية وهددوا السلطة "الغلبانة"، وتوعدوها بالويل والثبور، إن استمرت في طلب العضوية لتلك المنظمات الدولية.
في 10/11/2014، كتبت مقالاً بعنوان "مجلس الأمن والقضية الفلسطينية"، إثر تهديد محمود عباس باللجوء إلى مجلس الأمن شاكياً إسرائيل على ممارساتها في الضفة الغربية والقدس، ومنع المصلين من دخول المسجد الأقصى وانتهاكات المستوطنين الأماكن الإسلامية المقدسة، تحت حراسه الأمن والجيش الإسرائيلي، وقلت في المقال إن الذهاب إلى مجلس الأمن أمر غير مجد، ولن يكون له أثر على إسرائيل، وبدلاً من ذلك، لا بد من ردع إسرائيل على الأرض بكل الوسائل.
منذ توقيع اتفاقية أوسلو 1993، وإسرائيل تزداد شراسة ضد الشعب الفلسطيني، على الرغم من كل التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية لإسرائيل، بما في ذلك حماية المدن والمستوطنات الإسرائيلية، بموجب اتفاق التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، من أي عمل يقوم به مواطن فلسطيني، دفاعاً عن أرضه أو بيته أو مزرعته. ولدى السلطة الفلسطينية ما يزيد عن 180 ألف عنصر أمن وموظف، كلهم جندوا لحماية إسرائيل من أي مقاومة فلسطينية. في الضفة الغربية، قتل الوزير الفلسطيني، زياد أبو عين، في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2014، واستشهد أكثر من 60 مواطناً. وفي مطلع هذا العام، دهست مستوطنة إسرائيلية بسيارتها طفلاً فلسطينياً في الضفة الغربية، واعتقلت قوى الأمن الإسرائيلية طلبة مدارس. وفي 31 ديسمبر، اعتدى مستوطنون إسرائيليون على فلسطينيين في الضفة الغربية. والخميس الماضي في شمال رام الله، اعتدى مستوطنون على حقول زراعية وجرّفوها واقتلعوا ما يزيد عن خمسة آلاف شجرة زيتون، ودمروا حقولاً زراعية مساحتها 300 دونم (الدونم 1000 متر مربع).
كل هذه الأعمال الوحشية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية والقدس، ناهيك عن قطاع غزة، ولم تحرك السلطة الفلسطينية، وكوادرها البالغ تعدادهم 180 ألف عنصر، ساكناً تجاه إسرائيل غير الاحتجاجات الكلامية.
هذا الصمت الرهيب من سلطة محمود عباس تجاه الممارسات الإسرائيلية جعل الحكومات الإسرائيلية المتتابعة لا ترى ضرورة للوصول إلى اتفاق نهائي مع الفلسطينيين، طالما أن سكان المدن الإسرائيلية والمستوطنات يتمتعون بالأمن والاستقرار. وفي الجانب الدولي، هم محميون
بالنفوذ الأميركي، سواء في مجلس الأمن أو المنظمات الدولية. وفي هذه الظروف، تفيد المعلومات الصادرة من إسرائيل بأن المهاجرين اليهود زادوا عدداً في العام الماضي، نتيجة استقرار الأمن في الجانب الإسرائيلي، نتيجة التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، علماً أن هناك هجرة معاكسة متزايدة، كما تقول المصادر الإسرائيلية.
تقودني هذه المعلومات إلى القول إن على السلطة الفلسطينية أن تعمل على تحقيق الوحدة الوطنية بين الضفة الغربية وقطاع غزة في أسرع وقت، ولا تلتفت إلى التهديدات الإسرائيلية والأميركية بشأن حركة حماس. وقد صرح عباس أمام زعيم دولة عربية، في أغسطس/ آب الماضي، "إن المفاوضات مع إسرائيل فشلت، وإن 20 سنة من المفاوضات على حدود 67 لم تتقدم خطوة واحدة".
يعيش محمود عباس في بحر من الشكوك والأوهام نتيجة معلومات إسرائيلية وفلسطينية كاذبة، يقول إن لديه معلومات من الجهات الإسرائيلية تفيد بأنهم قبضوا على 93 عنصراً من حركة حماس، أعدوا لانقلاب على السلطة في الضفة الغربية. إنه يصر أن حماس ومحمد دحلان يتآمرون عليه، وإنهم، أي حماس، يتلقون دعماً مالياً من دحلان لإنجاز مشاريع في غزة. والسؤال، كما يقول عباس، لماذا التعاون مع محمد دحلان؟ في اعتقاد الكاتب أن حماس ليست على وفاق مع دحلان في أي شأن من شؤون فلسطين، لكن خلاف عباس مع دحلان يجعله شكاكاً تجاه أي تحرك يقوم به الأخير، حتى ولو كان عملاً خيرياً.
آخر القول: إذا أراد عباس أن يحقق انتصاراً حقيقياً للشعب الفلسطيني، عليه أن ينهي اتفاق التنسيق الأمني مع إسرائيل، الأمر الثاني أن يجعل الحرب التي خاضتها حماس، في العام الماضي مع إسرائيل، عملاً وطنياً يجب أن تصطفّ إلى جانبه حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأن تعمل على إنهاء الحصار عن قطاع غزة، بالاتفاق مع الحكومة المصرية، وأن يبتعد محمود عباس عن مدرسة الشك والمشككين في حركتي حماس والجهاد، لأنهما خاضتا معركة كانت من أشرس المعارك التي خاضها الشعب الفلسطيني في غزة. ولا بديل للسيد محمود عباس عن إنهاء الخلافات مع غزة، ليتمكن من جرّ المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته تجاه حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.