وبدأ تنظيم جديد خلال الأيام القليلة الماضية، بتحركات على الأرض من خلال هجمات مسلحة لعناصره، أجبرت حكومة إقليم كردستان على إعلان حالة الإنذار في مدينة السليمانية. ولم يتم حتى الآن الإعلان عن هذا التنظيم "الجهادي" الجديد، الذي اختير له أن يحمل اسم "التنظيمات الإسلامية في بلاد فارس". لكن القوات الأمنية الكردية تعلم أنها تواجه عناصر جماعة "أنصار الإسلام"، وهم القوة "الجهادية" التي تعترف الحكومة الكردية بصعوبة القضاء عليها عسكرياً، كونها تتخذ من مناطق جبلية وعرة مقرات لها، وتملك أنصاراً غير معروفين داخل مدن الإقليم.
تاريخ من الصراع
تكبّدت القوات الكردية في أوقات سابقة خسائر كبيرة في مواجهة مجموعة من الفصائل "الجهادية"، بينها جماعة "أنصار الإسلام"، التي لم توقّع على اتفاق وقف القتال المعروف بـ"اتفاقية طهران" عام 2001، بين حزب الاتحاد الوطني بقيادة الرئيس العراقي حينها جلال طالباني، والمجموعات "الجهادية".
طوال الفترة الممتدة من العام 2003، كانت تلك المجموعة تتحصن في مناطقها المكوّنة من ست قرى تقع على الحدود مع إيران، من بينها قرية بيارة. وعورة الطرق إلى تلك القرى الجبلية، ووجود غابات وكهوف فيها، عوامل تجعل من تطهير هذه القرى أمراً صعباً للغاية، مع وجود أكثر من 600 مقاتل مسلح من أبناء هذه القرى في صفوف هذه التنظيمات.
تقول مصادر كردية مطلعة، إن السكان هناك متكيّفون مع طبيعة الحياة البدائية التي يعيشونها، فهم لم يألفوا التطورات العلمية التي طرأت على وسائل الاتصالات والمواصلات، فلا وجود لأي جهاز اتصال في هذه القرى، وهو ما يحول دون التمكّن من التوصل إلى أماكنهم وقصفهم من الجو، ويتم التواصل بينهم عن طريق السير على الأقدام أو ركوب الدواب، إذ لم تصل السيارات إلى تلك القرى بسبب طرقها غير المؤهلة.
المعلومات التي تمتلكها الأجهزة الأمنية الكردية، بحسب ما يكشف مصدر أمني رفيع لـ"العربي الجديد"، تفيد بأن أربع قرى من هذه القرى الست لا يتوفر فيها التيار الكهربائي حتى الآن. ويقول المصدر إن "كل من ليس على ملّتها (التنظيمات) يدخل في دائرة العدو والكافر، ويحق لها قتاله ونهب ماله وسبي نسائه، لذلك فهي تعتبر أننا نحن الأكراد، على الرغم من أننا مسلمون ومن نفس ملّتها، كفار لأننا نخالفها الرأي، وترانا ملحدين لأن حكومة إقليم كردستان علمانية". ويوضح المصدر الأمني الكردي أن "أنصار الإسلام" هم من الذين يسكنون القرى الست المذكورة، لافتاً إلى أنهم بدأوا أخيراً بالتحرك لزعزعة الأمن في الإقليم، خصوصاً في السليمانية، نافياً علمه بالجهة الداعمة للجماعة.
مخطط إعلان الخلافة
يؤكد مصدر مقرّب من جماعة "أنصار الإسلام"، أن الأخيرة تستعد لأن تعلن عن نفسها تنظيماً جديداً. ويؤكد المصدر الذي طلب تسميته بـ"الملا أبو عبدالرحمن"، أن "التنظيمات الإسلامية في بلاد فارس ستعلن قريباً عن نفسها". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الجماعة "هي نفسها أنصار الإسلام، وهي تعتقد أن الوقت حان للإعلان عن نفسها وأحقيتها بالخلافة"، موضحاً أن "أنصار الإسلام تعتقد أنها أولى من القاعدة ومن الدولة الإسلامية (داعش) في تولي الخلافة، لأنها التنظيم الجهادي الأقدم".
يشار إلى أن "أنصار الإسلام" تنظيم سياسي كردي، يتبنى التوجّه "السلفي الجهادي". ظهر بعد انشقاقات حادة داخل التيار الإسلامي في كردستان العراق، ويسعى بحسب أدبياته إلى إقامة دولة إسلامية مصغّرة في إقليم كردستان. ظهر التيار الجهادي للمرة الأولى في إقليم كردستان شمالي العراق عام 1978، ثم في عام 1980 تكَوّنت أول مجموعة إسلامية مسلحة في جبال كردستان حملت اسم "الجيش الإسلامي الكردستاني". وفي عام 1985، تم تشكيل ما عُرف باسم "الرابطة الإسلامية الجهادية" التي تعتبر النواة الأولى لتكوين الحركة الإسلامية الحالية. وفي عام 1987 تأسست الحركة الإسلامية في كردستان العراق بزعامة عثمان بن عبد العزيز. وكانت الحركة الإسلامية هذه هي الواجهة الأولى التي انضوى تحت لوائها العديد من الجماعات الأخرى، وخرج منها أيضاً العديد من الفصائل الإسلامية المختلفة.
ويؤكد الملا أبو عبدالله أن مقر "التنظيمات الإسلامية في بلاد فارس" يقع في مدينة أردبيل في إيران، مشيراً إلى أن أردبيل الواقعة شمالي إيران، تحوي معسكراً لتدريب "المجاهدين"، لافتاً إلى أن "المجاهدين الذين يتدربون في معسكر أردبيل، في غالبيتهم من أكراد إيران والعراق، بالإضافة إلى مقاتلين من أذربيجان وباكستان والقوقاز".
معسكر آخر للتدريب، يقول الملا أبو عبدالله، إنه موجود في قرية بيارة، إحدى القرى الست التي تقع في جبال مدينة السليمانية على الحدود الإيرانية، ويتوافد إليه "جهاديون" من شتى بقاع العالم، وهو معسكر قديم تدرب فيه الكثير من القادة الجهاديين، منهم أبو مصعب الزرقاوي وأبو طلحة العراقي الذي اعتقل عام 2005، وغيرهما، ويسمى بـ"معسكر الفاروق". ويشير إلى أن المعسكرين، في أردبيل وبيارة، يعملان على تخريج "مجاهدين" يحملون ذات المبادئ والأفكار، إلا أن القرى الست، بحسب أبو عبدالله هي "منطلق الجهاديين للتوسع أكثر والاستحواذ على قرى ومناطق جديدة". ويعلن أن التنظيم الجديد "بدأ يتوسع، واستولى أخيراً على عدد من القرى المجاورة للقرى الست، كما بدأ ينشط في تحريك أتباعه الموجودين داخل المدن الكردية، المعروفين بأنهم خلاياه النائمة، كما يعتمد توزيع النشرة الدعوية لاستقطاب السلفيين الشباب". كذلك، والحديث لـ أبوعبدالله، فقد "وقعت اشتباكات خلال الأيام القليلة الماضية بين مقاتلين من أنصار التنظيم وقوات الأمن الكردية في محافظة السليمانية"، لكن الأخيرة تتكتم على الإفصاح عما يجري على أرض الواقع، بحسب قوله.
ويقول إن "ثلاث عمليات انتحارية وقعت خلال الأيام الأخيرة، أدت إلى مقتل عناصر في القوات الأمنية الكردية، وهو ما دفع الأخيرة إلى استنفار جهودها الأمنية ورفع حالة التأهب الأمني، والقيام بحملات مداهمة استهدفت سلفيين معروف أن لديهم اتصالا سابقا بأنصار الإسلام". ويشير إلى أنه "قبل نحو سبعة أشهر، اعتقلت قوات الأمن الكردية عناصر من أنصار الإسلام من سكان القرى الست، وذلك كونهم باشروا التثقيف الجهادي في مناطق أخرى خارج حدود قراهم، منها في قضاء سيد صادق وقضاء حلبجة".
اعتراف بالهجمات
قوات الأمن الكردية اعترفت بوقوع عمليات مسلحة، لكنها وصفت الفاعلين بأنهم "إرهابيون"، في وقت قامت فيه بعمليات اعتقال لأشخاص على علاقة بـ"أنصار الإسلام". ففي 9 أغسطس/آب الحالي، أفادت وسائل إعلام كردية نقلاً عن مصادر لم تسمها، بـ"انتشار عناصر مسلحة غير معروفة في جبال ازداخ القريبة من منطقة سنكاو التابعة لقضاء جمجمال في السليمانية، ويعتقد بأنهم ينتمون لتنظيم داعش". وفي 14 الحالي، ذكرت وسائل إعلام كردية بأن عدداً من المسلحين المجهولين وقعوا في كمين لقوات الأمن "الأسايش" في منطقة سنكاو، مما أدى إلى مقتل أربعة مسلحين وإصابة ثلاثة من القوات الأمنية.
وفي 17 الحالي، أكدت وسائل الإعلام الكردية أن "قوات الأمن (الأسايش) واجهت عناصر مسلحة، قرب جبال ازداخ القريبة من منطقة سنكاو، ما أدى إلى مقتل مسلحين اثنين، وإصابة ثلاثة عناصر من قوات الأمن". وأوضحت أن "قوات أمن جمجمال كانت قد نصبت كميناً للعناصر المسلحة"، مشيرة إلى أن "أحد المسلحين فجر نفسه أثناء الاشتباكات، فيما قتل آخر بنيران قوات الأمن الأسايش".
ويرى مراقبون أن تكتم حكومة إقليم كردستان عن الفاعل الحقيقي للعمليات التي وقعت أخيراً، ونسبها إلى الإرهابيين وتنظيم "داعش" من دون الإشارة إلى "أنصار الإسلام"، بينما تقوم أجهزة الأمن الكردية باعتقال أتباعه الأخير، إنما يأتي في إطار عدم إخافة المواطنين.