04 ابريل 2021
السودان: الإنترنت حق من حقوق الإنسان
بمناسبة فك الحظر عن استخدام الإنترنت في السودان، بعد أن قام المجلس العسكري الانتقالي بحجبها عن المواطنين عقب مذبحة فض الاعتصام التي راح ضحيتها عشرات القتلى في الثالث من يونيو/ حزيران 2019، يتبادر إلى الذهن هذا السؤال القديم المتجدد: ماذا يمكن أن يحدث خلال دقيقة واحدة في عالم الإنترنت اليوم؟
حسبما جاء في موقع "فيزوال كابيتاليست" للعام 2019، هل تعلم أنه في الدقيقة الواحدة يتم تبادل 188 مليون رسالة عبر البريد الإلكتروني، وأن موقع غوغل يقوم بمعالجة 3.8 ملايين سؤال؟ وأن عدد مرات الدخول إلى منصة فيسبوك يبلغ مليون مرة؟ ويتم تبادل 18.1 مليون رسالة نصية؟ وتتم مشاهدة 4.5 ملايين مقطع فيديو عبر اليوتوب؟ كما يتم تداول 2.1 مليون صورة عبر تطبيق سناب شات ويتصفح إنستغرام عدد 347,22 ألف شخص؟ وأن حجم الأموال التي يتم إنفاقها خلال التسوق عبر الإنترنت خلال دقيقة واحدة يبلغ 996,956 ألف دولار؟
إذاً، فالإنترنت هي الوسيلة الأولى بلا منازع للحصول على المعلومة بالسرعة المطلوبة، وهي أمر ضروري للتنمية المستديمة والأمن والسلم العالميين. لكن مع ذلك، دأبت بعض الدول كتلك التي طاولها الربيع العربي مثل مصر وسورية وليبيا على التحكم في الإنترنت لقمع معارضيها، وذلك نسبة للدور الكبير الذي لعبته الإنترنت في هذه الثورات من توعية وتوجيه للرأي العام الذي أطاح أنظمة كان أبسط ما يقال عنها إنها ذات قبضة أمنية متينة.
وقد تم رصد 15 عملية إغلاق موثقة فى عام 2015، بما في ذلك في البرازيل والهند وتركيا. وفي عام 2016، توسعت قائمة عمليات الإغلاق الموثقة إلى 56 بلدا وشملت بلدانا مثل الجزائر وإثيوبيا وباكستان.
تسبب انقطاع الإنترنت في خسائر مادية ومعنوية ونفسية كبيرة لا تحصى ولا تعد- على الأقل في الوقت الحالي. فخسائر الشركات العاملة في السودان تقدر بملايين الدولارات، وهي خسائر السودانُ في غنى عنها خاصة وأن تدهور الأوضاع الاقتصادية كان المحرك المباشر للاحتجاجات الشعبية في ديسمبر/ كانون الأول 2018.
كما أدى حجب الإنترنت إلى عزل السودانيين عن العالم الخارجي، وازداد قلق وتوتر السودانيين المقيمين في الخارج على ذويهم في الداخل، خاصة بعد مجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة التي جرت أحداثها أمام أعينهم عبر الوسائط الإلكترونية قبل يوم واحد فقط من انقطاع الإنترنت.
أضحت الإنترنت من الأهمية بمكان، حيث أعلنت الأمم المتحدة في قرار لها صدر في يوليو/ تموز 2016، أن الوصول إلى الإنترنت حق من حقوق الإنسان، وأن قطع الخدمة من المشتركين يعتبر انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان ومخالفا للمادة 19 فقرة 2 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على: (لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها).
كما تبنت دول كثيرة القوانين التي تفرض ضمانات لإتاحة الوصول بشكل واسع النطاق إلى الإنترنت ومنع الدولة من فرض قيود غير مقبولة على قدرة الفرد على الوصول إلى المعلومات وشبكة الإنترنت، ومن هذه الدول فرنسا وإستونيا واليونان وإسبانيا وكوستاريكا وفنلندا التي أعطت وزارة الاتصالات فيها الحق لأي مواطن بالحصول على نطاق اتصال عريض بقدرة ميغابت واحد في الثانية منذ العام 2010، ارتفع بحلول العام 2015 إلى 100 ميغابت في الثانية.
واقع الأمر أن كل هذه التدابير والمعايير لا تكفي وحدها لمنع الحكومات من التلاعب والالتفاف حولها لتبرير قراراتها بقطع الإنترنت، متى ما رأت ذلك ضروريا لتكميم أفواه معارضيها متحججة (بتهديد الأمن الوطني) مثلما جاء على لسان الناطق الرسمي للمجلس العسكري الانتقالي شمس الدين كباشي.
لذلك، فإن حل هذه المشكلة يقع أغلبه في أيدي النشطاء أنفسهم، وذلك بتكثيف حملات التوعية الجماهيرية وشحذ الغضب العام عبر الوسائل الثورية الأخرى لممارسة الضغط على الحكومة، كالتواصل مع مجموعات محاربة انقطاع الإنترنت مثل مجوعة أكسيس ناو، وتنظيم الحملات على شاكلة حملة (كيب ات اون) التي تهدف لبناء الوعي بإغلاق الإنترنت.
كذلك استطاع ثوار السودان عبر الإعلام التقليدي البديل، كالرسائل النصية والمخاطبات المباشرة في الأحياء وتوزيع المنشورات والإعلام الشفهي، تسيير مليونية 30 يونيو/حزيران 2019 التي زلزلت أركان المجلس العسكري وأجبرته على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والوصول إلى اتفاق مع قوى الحرية والتغير.
كذلك تقع على النشطاء توعية شركات القطاع الخاص بضرورة الضغط على الحكومات لفرض احترام الحق في الإنترنت، عن طريق التهديد بسحب استثماراتهم. كما يجب أن يتمكن النشطاء من تعبئة المجتمع الدولي لإدانة سلوك الدول القمعية. ويمكن أيضا التواصل مع السفارات الأجنبية وشركات الاتصالات ومزودي خدمات الإنترنت وغيرهم من صناع القرار، من أجل استغلال نفوذهم في الضغط على الحكومات المنتهكة لحق الحصول على خدمات الإنترنت..
وأخيرا، يجب على نشطاء حقوق الإنسان والقانونيين إدراج قطع الإنترنت ضمن الجرائم التي ارتكبها المجلس العسكري الانتقالي ضد الإنسان السوداني، وتبقى مقارعة حجة المجلس القائمة على (حفظ الأمن القومي) بحجة الخسائر المادية والمعنوية والنفسية التي تسبب فيها الانقطاع.
ولا ننسى أن ذات المجلس العسكري ما زال شريكا في المرحلة الانتقالية القادمة، هذا إذا لم يكن هو الحاكم الفعلي على الأقل في النصف الأول من الفترة، وأن بإمكانه فعلها مرة أخرى إذا لم ننتبه لذلك.