نفد النقد من الكثير من ماكينات الصرف الآلي في العاصمة السودانية الخرطوم، في الوقت الذي تسعى الحكومة لتفادي انهيار اقتصادي من خلال خفض حاد في قيمة العملة وإجراءات تقشف عاجلة.
وارتفع الطلب على السيولة النقدية بسبب التضخم، وضعف الثقة في النظام المصرفي، وسياسة البنك المركزي في تقييد المعروض النقدي لحماية الجنيه. وهذا ما أنتج أزمة سيولة تفاقمت في الأيام العشرة الماضية انتظاراً لتسليمات جديدة من أوراق النقد.
وتأتي أزمة السيولة النقدية بعد شهر من سماح السلطات للعملة المحلية بالتراجع إلى 47.5 جنيهاً للدولار من 29 جنيهاً، وإعلانها إجراءات لتقليص الإنفاق.
أحمد عبدالله (42 عاما)، وهو موظف حكومي، قال: "أتنقل من مكان إلى آخر حتى أجد صرافاً فيه أموال، لأن عدداً كبيراً من الماكينات ليس فيه أموال... لماذا نعاني هكذا للحصول على أموالنا؟".
ويعاني السودان من شح العملة الأجنبية منذ أن فقد 3 أرباع إنتاجه النفطي، حينما انفصل الجنوب في عام 2011. كما لم يُفلح رفع عقوبات أميركية دامت 20 عاماً في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، في إحياء الأمل بالتعافي.
ودفع التضخم المرتفع وتقييد حدود السحب وأزمة العملة، باقتصاد السودان فعلاً إلى السقوط في براثن أزمة صعبة قبل الشح الأخير في السيولة.
واتخذ الرئيس عمر البشير سلسلة إجراءات لمعالجة الأزمة الاقتصادية في الأسابيع الماضية، كما غيّر محافظ البنك المركزي الجديد نظام تحديد سعر صرف العملة، وأعلن رئيس الوزراء الجديد خطة إصلاح اقتصادي تستغرق 15 شهرا.
ارتفاع الأسعار
لكن على الرغم من هدوء الشوارع بعد احتجاجات نادرة عمّت أرجاء البلاد وحفزتها أسعار الخبز في وقت سابق من هذا العام، شهدت الأسعار مزيداً من الارتفاع منذ تخفيض قيمة العملة الشهر الماضي، وهو ما أثار الاستياء مجدداً.
وأظهرت حملات التفتيش المفاجئ على التجار والبائعين في السوق أنه على مدى الشهر الماضي، ارتفعت تكلفة الكيلوغرام من الطحين (الدقيق) 20 % ولحوم الأبقار 30% والبطاطا 50%، فيما تجاوز التضخم 68% في سبتمبر/ أيلول، وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم.
وفي بداية الشهر الحالي، زادت الحكومة دعم الطحين، في محاولة لاحتواء الأثر الناتج على تكاليف الخبز.
وقبل أسبوع، قال رئيس الوزراء في تغريدة، إنه اجتمع مع محافظ البنك المركزي لمعالجة مشكلة ماكينات الصرف الآلي، وتلقى تطمينات حول إمدادات أوراق النقد. لكن مسؤولا في بنك تجاري في الخرطوم قال إن "المركزي" لم يضخ كميات كافية جديدة من العملة، وهو ما أثار أزمة سيولة وتسبب في اصطفاف طوابير طويلة أمام الصرافات الآلية.
مصدر في وزارة المالية قال إن السودان استورد شحنة واحدة من أوراق النقد الجديدة الشهر الماضي، ومن المنتظر وصول 3 شحنات أخرى قريبا، إلا أنه لم يذكر مزيداً من التفاصيل.
وعلى رغم خفض قيمته الشهر الماضي، لا يزال الجنيه يواجه ضغوطاً، بينما تتسع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسعر في السوق السوداء. فقد بلغ سعر الدولار 52 جنيها في المعاملات النقدية في السوق السوداء، فيما بلغ 58 جنيها في التعاملات بشيكات مصرفية.
وقال تاجر عملة في السوق السوداء لـ"رويترز": "نتوقع استمرار ارتفاع سعر الدولار في السوق لشح العملات الأجنبية. التعامل بسعر الشيك أصبح تجارة رائجة مع أزمة السيولة من النقد السوداني في البنوك والصرافات".
وتقوم لجنة من بنوك وشركات صرافة منذ الشهر الماضي بتحديد سعر صرف رسمي للعملة يومياً، ورفعت اللجنة سعر الجنيه إلى 46.95 جنيهاً مقابل الدولار بعد أيام من خفض قيمته، لكنها سرعان ما أعادته إلى 47.5 جنيهاً.
محمد الجاك، الأستاذ في جامعة الخرطوم، قال إن "سعر الصرف الحقيقي هو السعر في السوق الموازية. يجب أن تعمل آلية سعر الصرف بناء على العرض والطلب حتى تتوصل إلى سعر حقيقي وواقعي يتماشى مع التحرير الاقتصادي".
(رويترز)