شهد السودان تطوراً تصعيدياً من المعارضة، مع عودة المشهد السياسي في البلاد إلى مربع الدعوة لإسقاط النظام عبر انتفاضة شعبية. فقد أعلنت قوى "نداء السودان" ممثّلة في "الحركة الشعبية قطاع الشمال" والحركات المسلحة الدارفورية وحزب "الأمة" المعارض بقيادة الصادق المهدي وقوى تحالف المعارضة في الداخل، أن الحكومة في الخرطوم دفعتها نحو خيار إسقاط النظام، بعد أن كانت تلك القوى جادة فيما يتصل بالاتفاق على حلول سلمية لحل الأزمة السودانية، وإنهاء الحروب الأهلية التي ضربت أجزاء واسعة من غرب وجنوب البلاد.
وتأتي الخطوة بعد رفض الحكومة السودانية المشاركة في المؤتمر التحضيري الخاص بالحوار، الذي دعت له الوساطة الأفريقية برئاسة ثامبو أمبيكي الحكومة في الخرطوم وقوى "نداء السودان"، فضلاً عن لجنة السبعة الخاصة بالحوار والتي تضم أحزاب الحكومة والمعارضة الموافقة على الحوار، بينهم المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي. وكان المؤتمر التحضيري مخصصاً للاتفاق على إطار شامل لإدارة عملية الحوار الوطني، وفقاً للمبادرة الألمانية التي جمعت المعارضتين السلمية والمسلّحة الرافضة للحوار في برلين الشهر الماضي، لإقناعهم بضرورة الخطوة؛ وهو ما نجحت فيه بالفعل.
ووقتها أعلنت الحكومة في الخرطوم موافقتها على إعلان برلين الذي خرج عن اجتماعات المعارضة وأقر ضمن بنوده المؤتمر التحضيري، وأبدت الحكومة موافقة مبدئية للمشاركة فيه، إلا أنها قبيل انعقاد المؤتمر في أديس أبابا نهاية الشهر الماضي، رفضت المشاركة متحججة بانشغالها بالعملية الانتخابية التي ستنطلق في الثالث عشر من أبريل/نيسان الحالي، وعمدت إلى وصف المؤتمر بالفخ، إذ رأت فيه محاولة للضغط عليها وثنيها عن إجراء الانتخابات في وقتها، وهو الأمر الذي يستحيل أن تخضع له باعتبار أن الانتخابات من شأنها أن تقوّي موقفها التفاوضي.
أما قوى "نداء السودان" فأقرت في بيانها الذي أصدرته ليلة ذكرى انتفاضة أبريل/نيسان 1985 التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل محمد جعفر النميري العسكري، خيار إسقاط النظام عبر الانتفاضة. وفي البيان الذي حمل توقيع الصادق المهدي ورئيس الجبهة الثورية التي تضم الحركات المتمردة مالك عقار، فضلاً عن زعيم الحزب الشيوعي مختار الخطيب ممثلاً لقوى الإجماع وبابكر محمد الحسن عن منظمات المجتمع المدني، قالت المعارضة "إن المؤتمر الوطني عمد إلى إفشال المؤتمر التحضيري والمبادرة الألمانية، والتي كانت بمثابة الفرصة الأخيرة لإنهاء الحرب، وتحقيق الديمقراطية والحل السياسي الشامل فضلاً عن الإجماع الوطني، وتمسّك بإجراء الانتخابات ليؤكد بذلك رفضه الحل السياسي، الأمر الذي لم يترك معه خياراً للقوى السياسية سوى المواجهة عن طريق الانتفاضة السلمية".
وطالبت المعارضة في بيانها الشعب السوداني بتصعيد المقاومة ضد الانتخابات، وعدم الاعتراف بنتائجها، إضافة إلى الاستمرار في حملات إسقاط النظام، وأكدت "أن الشعب على موعد مع صبح الخلاص باقتلاع النظام بانتفاضة لا تُبقي إلا ما ينفع الشعب ويخدم مصالحه".
اقرأ أيضاً: "الوساطة الأفريقية" تتجاهل الحكومة وتبدأ مشاوراتها مع المعارضة السودانية
لكنّ محللين يرون أن إعلان المعارضة يدخل في إطار تحسين المواقف التفاوضية وحفظ ماء الوجه ليس أكثر، باعتبار أن الأخيرة كانت تراهن على إجبار النظام في الخرطوم على تغيير نفسه، فضلاً عن أن مقومات نجاح انتفاضة شعبية في السودان لم تنجح بعد، إلى جانب العوامل الإقليمية والدولية؛ والتي تشكّل متاريس أمام أي تحرك من جانب المعارضة في ذلك الاتجاه، وخصوصاً أن تلك القوى لا تريد للسودان أن ينزلق على الأقل في الوقت الراهن لمربع ثورات الربيع العربي. كما أن تمدّد المجموعات المتطرفة في أفريقيا والدول العربية من العوامل التي تدفع لعدم الحماس الدولي لتغيير النظام السوداني، الذي لديه معلومات استخبارية جيدة عن هذه الحركات مقارنة بالدول الأخرى. ويجزم محللون أن لا خيار أمام المعارضة أو الحكومة إلا الحوار الوطني، وحل الأزمة السودانية عبر تسوية سياسية شاملة.
ويقول الخبير السياسي الطيب زين العابدين، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن خطوة المعارضة تُعتبر منطقية بالنظر إلى التسلسل الذي مرت فيه دعوة الحوار، والتي تجاوزت العام من دون أن تكون هناك خطوات حقيقية ملموسة، وأصبحت الحكومة تحرك هذا الحوار كيفما تشاء ووقتما أرادت.
إلا أن زين العابدين يؤكد أنه من الصعب أن تنجح المعارضة في قيادة انتفاضة شعبية بحجم يهدد النظام في الخرطوم، بسبب غياب التواصل بين المعارضة وقواعدها في الشارع، فضلاً عن حجب الحريات، لكنه يضيف أن "الانتفاضة ليست مستحيلة باعتبار أن الانتفاضات عموماً ليست منظّمة ويصعب التحكم فيها، وهي في العادة تحدث بقوة غير سياسية منظمة وبقوات شبابية".
ويؤكد أن الانتخابات المقبلة بمثابة اختبار سيحدد المزاج العام للشارع ضد الحكومة من خلال الإقبال على التصويت أو المقاطعة، الأمر الذي يشكّل أرضية يمكن للأحزاب بعدها العمل عليها لتشكيل عوامل الانتفاضة.
من جهته، يرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ أن خطوة المعارضة الأخيرة ناتجة عن إدراك تلك القوى للحرج السياسي الذي واجهته، بسبب فشلها في الضغط على النظام لتأجيل الانتخابات، ونجاح الأخير في استراتيجيته الخاصة بتوظيف الانتخابات ووضعها ضمن أوراقه التفاوضية التي سيستخدمها في مرحلة التفاوض، باعتبار أنه يعي تماماً أن مسألة الحوار لا هروب له منه.
ويعتبر أن "موقف المعارضة يُقرأ من باب حفظ ماء الوجه أكثر من كونه ذا فعالية على الأرض"، لافتاً إلى "أن التجارب العملية أثبتت أن المعارضة تتعرض لمشاكل بنيوية حقيقية، فضلاً عن أنها تفتقر للتنظيم، كما أن الحزب الحاكم وعلى الرغم من أنه أصبح غير مرغوب فيه وسط عدد من الشرائح السودانية، لكن موقفه الأخير من عاصفة الحزم دفع بمؤشرات حول إصلاح علاقات البلاد بمحيطه العربي والإقليمي والدولي".
ويؤكد أبو الجوخ "أنه لا توجد مقومات في الوقت الراهن على زيادة الغضب الشعبي لإسقاط النظام السوداني، وكل ما يمكن أن تفعله تلك القوى تهديد الانتخابات في بعض المناطق في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، لكن في النهاية ستجرى الانتخابات وسيتم الحوار بضغط دولي وإقليمي".
اقرأ أيضاً: الحزب الحاكم في السودان يرفض البدء بالحوار قبل الانتخابات