السودان... بين الانقلاب والثورة

25 مايو 2019
+ الخط -
ما حدث في السودان، وتحديداً في شارع قيادة الجيش، حيث مقر الاعتصام الجماهيري، وداخل مباني تلك القيادة نفسها، هو تزامن لحدثين استثنائيين: فشارع قيادة الجيش يشهد مظاهر ثورة حقيقية في بواعثها ومسارها الشعبي وزخمها وظواهرها، ثورة وإن كانت مكتملة الشروط، فهي مغلولة اليد ومنقوصة القدرة على القرار والفعل الثوري. ومن ناحية أخرى، على بعد أمتارٍ، وداخل ثكنات الجيش، جرى انقلاب كامل الدسم، تحت قناع مجلس عسكري يساند ثورة شعبية. 

يسعى الانقلاب لإنتاج نظام جديد، هو نسخة منقحة من النظام القديم، أو على الأقلّ يسعى إلى تحويل ثورة الشعب إلى نصف ثورة، تسمح بمراعاة مصالح الأحلاف الإقليمية التي يرعاها الجنرالات في السودان، وتسمح أيضاً باستدامة نفوذ وامتيازات طبقة القادة الأمنيين والعسكريين، واستمرار سيطرتهم على مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية.

في الواقع، كانت ثورة الشعب هي المولود الذي رأى النور أولاً، بينما أفرد لاحقاً الجنرالات أشرعتهم لتلك الرياح بعد أن عجز النظام عن مجابهتها لينجزوا انقلاباً أرادوه مكتوم الصوت تحت غطاء هدير الثوار في الشوارع. وهو انقلابٌ ضد المكون المدني الأيديولوجي في نظام الإنقاذ. وهو صراع قديم بين الجناحين، كان يدور خلف الأبواب المغلقة، وتؤججه التحالفات الخارجية.

لإخفاء معالم هذا الانقلاب الذي لن يقبل به الشعب كبديل للثورة، كان على الجنرالات تقديم بعض الأضاحي، من بينها رأس النظام الرئيس البشير نفسه، وإنجاز بعض القرارات الثورية عالية الصوت في الظاهر، وطفيفة التأثير في بنية النظام القديم، لإقناع الشعب بانها مفاعيل ثورة.

ولأن سنن الواقع تقتضي أن لا يعيش التوأم "انقلاب – ثورة" معاً، وذلك لاختلاف المتطلبات الحيوية لكليهما، فسيكون الحل إما أن تقضي الثورة على الانقلاب في مسارها نحو غاياتها أو على الأقل تجبره على تحويل مساره وفق إرادة الشارع. وبالتالي، إفراغ الانقلاب من مضمونه، وتحويل مجلس الجنرالات فعلياً إلى سلطة "بوليس" تحرس الطرقات والمؤسسات حتى يكتمل الانتقال المدني. أو أن يحدث العكس، فيجهض الجنرالات الثورة، إما بالفعل الناعم بتخديرها بالمسكنات المؤقتة وانتظارها لتهدأ وتنسحب من الشوارع، وذلك عن طريق تحييد قطاعات كبيرة من الشعب، ترى أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وتفضل الاستقرار على المضي قدماً في ثورة مكلفه تزيل النظام القديم تماماً. أو أن يلجأ المجلس العسكري إلى الخيار الخشن الذي هو غير مضمون العواقب، وله أكلاف كبيرة محلية ودولية. 

70C0872B-9022-4B5D-A56A-F21F39C3A43A
يونس عوض نعيم

طبيب مهتم بقضية التنمية والقضايا الوطنية ومعركة الانتقال الديمقراطي