يُفضّل العديد من العائلات النازحة من الشمال السوري نحو المدن والبلدات التركية، المكوث في مدينة أنطاكيا، نظراً لقربها من الحدود السورية، وسهولة العيش فيها نسبياً، إضافة إلى كون الغالبية التركية ناطقة باللغة العربية. تسهيلاتٌ لا تنفي وجود بعض المشاكل الأساسية، منها صعوبة انخراط الأطفال في المدارس.
تضم أنطاكيا مجموعة من المدراس الناطقة باللغة العربية، التي تعتمد مناهج سورية معدلة وتستعين بأساتذة ومدراء سوريين أيضاً. تُوفّر هذه المدارس مجانية التسجيل، إضافة إلى كل مستلزمات الطالب من كتب ودفاتر وقرطاسية وحقائب مدرسية، تاركة للأهل التكفل فقط بمصاريف النقل التي لا تتعدى الثلاثين ليرة تركية للطالب.
لكن هنادي، وهي أم لخمسة أطفال، امتنعت عن ارسالهم إلى المدارس لعدم قدرتها على تأمين مصاريف النقل. وفي السياق، يقول أحد كوادر مدرسة "محمد الفاتح" في أنطاكيا، سراج دحو، إنه "لا وجود لجهات داعمة تتكفل بتغطية كلفة النقل"، مشيراً إلى أن "إدارة المدرسة تواجه مشاكل مادية، لناحية تأمين بدل إيجار مبنى المدرسة، ورواتب الأساتذة، والمقاعد الدراسية والكتب والقرطاسية والدفاتر".
تضم أنطاكيا والقرى المحيطة بها حوالى عشر مدارس سورية، تستقبل بغالبيتها الطلاب من الصفوف الابتدائية وحتى الثالث ثانوي. تستوعب ما لا يزيد عن عشرين ألف طالب، وهو أقل من ربع عدد الطلاب الموجودين في أنطاكيا.
وتجدر الإشارة إلى أن افتتاح مدرسة في تركيا منوط بعدد من الشروط والتراخيص القانونية، التي تمنحها الحكومة التركية لمدراء المدارس. لكن اليوم، تفتتح المدارس من خلال اتفاقيات شفهية بين الحكومة التركية و"الائتلاف السوري المعارض"، من دون تدقيق في مدى صلاحيتها.
فور وصوله إلى أنطاكيا، سارع فادي إلى إيجاد مدرسة لبناته الثلاث، حتى قبل تأمين مسكن للعائلة. لكن بعد مرور عشرة أيام على التحاقهن بالمدرسة، قرر التوقف عن تعليمهن بسبب "انتشار القمل والأمراض المعدية بين التلاميذ، عدا عن عدم كفاءة المدرسين".
في المقابل، يضطر بعض الأطفال إلى العمل لإعالة عائلاتهم، بسبب الظروف المعيشية الصعبة. على سبيل المثال، رفضت والدة نبيلة (13 عاماً) إرسالها إلى المدرسة لعجزها عن تأمين مصاريف النقل. وتبحث لها اليوم عن عمل يساعدها على تأمين متطلبات الحياة الأساسية، لافتة إلى أن التعليم لم يعد أولوية في ظروف كهذه.