السياسة الخارجية الروسية 2018: توسع عربي ولا تطبيع غربياً

28 ديسمبر 2018
السياسة الخارجية الروسية 2018: المشكلات أكثر من النجاحات (Getty)
+ الخط -

تراوحت ملامح السياسة الخارجية  الروسية في العالم العربي عام 2018، بين السعي لفرض رؤيتها لتسوية الأزمة السورية عبر عقد محادثات في منتجع سوتشي، وزيادة تنسيقها مع الدول المنتجة للنفط، وفي مقدمتها السعودية، لضبط أسعار النفط، وتعزيز علاقاتها مع الدول العربية عن طريق استقبال قادتها وكبار مسؤوليها في موسكو.

في المقابل، لم يكتب النجاح لمحاولات روسيا تحسين العلاقات مع الغرب، بل ازدادت تعقيدا على خلفية اتهام موسكو بالوقوف وراء تسميم العميل المزدوج، سيرغي سكريبال، في بريطانيا في مارس/آذار الماضي، وإلغاء اللقاء بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأميركي، دونالد ترامب، على هامش قمة مجموعة الدول العشرين في الأرجنتين بسبب واقعة الاشتباك بين العسكريين الروس والأوكرانيين في مضيق كيرتش الرابط بين البحرين الأسود وآزوف في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وفي هذا الإطار، وصف الخبير في العلاقات الدولية، فلاديمير فرولوف، عام 2018 بأنه "عام الفرص الضائعة" للسياسة الخارجية الروسية، مضيفاً في مقال بعنوان "استراتيجية التأجيل. كيف كانت السياسة الخارجية الروسية هذا العام؟" أن موسكو ترى أن "مخاطر التغيير أكبر من تكلفة الوضع الراهن، ولذلك يتم تأجيل القرارات الآنية حتى اللحظة المناسبة أملا في حلولها".

أما مكاسب السياسة الخارجية الروسية عام 2018، فلخصها كاتب المقال الذي نشر بصحيفة "ريبابليك" الإلكترونية أمس الخميس، في أن "السياسة الخارجية الروسية باتت عالمية، وعادت روسيا إلى أفريقيا على مستوى الشركات العسكرية الخاصة، وحتى الغرب بات يعترف بروسيا لاعباً محورياً في قضايا مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحضرت روسيا إلى مصر بمشاريع اقتصادية كبرى يحسد عليها الاتحاد السوفييتي، وازدادت كثافة التنسيق مع السعودية في ما يتعلق بحجم تصدير النفط".

ومع ذلك، أوضح فرولوف أن أهداف روسيا من هذا التوسع لا تعود إلى مصالحها التنموية، وإنما إلى سعيها لنسف النفوذ الأميركي والتصدي لما تعتبره "السياسة الغربية للثورات الملونة والمروجة للديمقراطية بالقوة"، وذلك عن طريق الدعم الذي تقدمه موسكو للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط.

وأشار إلى أن هذا المشروع يقتصر حاليا على سورية، لكنّ هناك أفكارا لتوسيع نطاقه، ليشمل ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وحتى فنزويلا التي زارتها قاذفات "توبوليف-160" ("البجعة البيضاء") الاستراتيجية الروسية في وقت سابق من الشهر الجاري.


"القوة العظمى ذات النفوذ الأكبر
"

بدوره، اعتبر رئيس "المجلس الروسي للشؤون الدولية"، فيودور لوكيانوف، هو الآخر أن "سورية ظلت منطقة للنجاح الروسي" في العام المنتهي، مذكرا بأنه حتى الخبراء الأكثر تفاؤلا لم يكونوا يتوقعون قبل ثلاث سنوات أن روسيا سيعترف بها كـ"القوة العظمى ذات النفوذ الأكبر" في الشرق الأوسط، بعد أن "جمعت بين الحزم والمرونة، وبين استخدام القوة العسكرية والحرفية الدبلوماسية والحيلة السياسية، مع وجود هدف استراتيجي واضح، وهو الحفاظ على السلطة الحاكمة في دمشق".

ومع ذلك، ذكر لوكيانوف في مقال بعنوان "السياسة الخارجية الروسية عام 2018: المشكلات أكثر من النجاحات" نشر بمجلة "بروفايل"، أن سورية هي استثناء، معتبرا أن الوضع بالجبهات الأخرى ليس بهذا التفاؤل، بعد أن شهد العام المنتهي فشلا نهائيا لإقامة اتصالات ناجحة مع ترامب في ما عدا القمة الروسية - الأميركية في هلسنكي في الصيف الماضي.

إلا أن المحلل السياسي الروسي خلص إلى أن عدم عقد اللقاءات في حد ذاته، لم يعد يلحق ضررا كبيرا بالعلاقات في ظل غياب أي أجندة للمناقشة، إذ إن روسيا لا تؤدي دورا اقتصاديا هاما من وجهة نظر ترامب، كما أنها تحولت إلى "عامل سام" للسياسة الداخلية الأميركية بسبب مزاعم تدخلها في انتخابات الرئاسة عام 2016.  

يذكر أن العلاقات الروسية -الأميركية مرت منذ عام 2014 بمجموعة من المنعطفات، وأبرزها الأزمة الأوكرانية، والخلافات بسبب الملف السوري، واتهام روسيا بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية، مما ترجم إلى تلاشٍ سريع لآمال موسكو في تحسين العلاقات بعد تولي ترامب زمام السلطة في البيت الأبيض قبل عامين تقريبا.