وصل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، إلى مدينة سوتشي الروسية، في زيارة رسمية ليومين، حسبما أعلنت وكالة "إيتار تاس" الروسية. وسبق للسيسي أن زار روسيا، أيام كان وزيراً للدفاع في فبراير/شباط الماضي، لكنها زيارته الأولى إلى موسكو بصفته رئيساً، وثاني زيارة دولية له بعد السعودية، علماً بأن الرئيس، فلاديمير بوتين، كان أول رئيس يهنئ السيسي، على انتخابه رئيساً لمصر.
وخاطب السيسي، بوتين، قائلاً "أنا ممتن جداً لكم، سيادة الرئيس، فاسمحوا لي أن أشكركم لأنكم كنتم أول من هنأني بانتخابي رئيساً لمصر. وأنتم كنتم أول من دعاني لزيارة بلاده، خارج بلدان العالم العربي. وببالغ السرور، لبّيت دعوتكم، وهذه هي زيارتي الخارجية الأولى خارج العالم العربي، باستثناء زيارتي للسعودية". حسبما نقلت عنه وكالة "ريا نوفوستي".
ورأى الأستاذ المساعد في "معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية"، نيقولاي سوركوف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، في زيارة السيسي، "إمكانية أن تلعب دوراً في تقريب وجهات النظر بين البلدين، فمن الملفت أن يكون السيسي، قد زار السعودية قبل زيارته روسيا، فربما هو يلعب دور وسيط خاص بين موسكو والرياض، خصوصاً فيما يخصّ الوضع السوري، والمخاطر المترتّبة على القوى الإسلامية المتطرّفة، التي تحقق نجاحات في ليبيا والعراق وسورية، وخطرها الذي يؤثر حتى على السعودية نفسها".
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد استقبل السيسي، في مطار سوتشي. وبعد استعراض نماذج من معدات حربية روسية حديثة، تم وضعها على مدرج الطيران، ومنها العربة المدرّعة "تايغر"، ناقلة الجند الأحدث في السلاح الروسي، ودبابات وغيرها من المعدات الحربية، اتجه الرئيس المصري، إلى المنتجع الجبلي في "كراسنويا بوليانا".
واستقبل بوتين ضيفه، الذي سحرته المباني الأولمبية (استضافت سوتشي دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير/ شباط الماضي)، في مجمّع "لاورا" الأولمبي للتزلج، على ارتفاع أكثر من ألف متر فوق سطح البحر. وقد نقلت "ريا نوفوستي" عن الرئيس الروسي، قوله إنه "أراد أن يكون اللقاء الأول في جو غير رسمي، وأن يرى الضيف الإرث الذي حصلت عليه روسيا، بعد الألعاب الأولمبية". وأبدى فخره بتنظيم روسيا للألعاب الأولمبية.
مصر تسدّ الثغرة
ويُنتظر أن تظهر نتائج الزيارة في القريب العاجل، تحديداً في توزّيع منتجات غذائية مصرية على رفوف المتاجر الروسية، وبكميات كبيرة. فمصر، تُعتبر بالنسبة لروسيا واحدة من البلدان، القادرة على الحلول مكان البلدان الأوروبية، المشمولة بالحظر الروسي المفروض على الدول التي عاقبت موسكو.
وأكد المكتب الإعلامي للكرملين، صحّة التوجّهات الروسية، ولفت الى أن "قطاع الطاقة وصناعة السيارات والنقل، تُعتبر أيضاً من أبرز مجالات التعاون الواعدة بين البلدين". مع العلم أن حوالى 90 في المئة من الواردات الروسية من مصر زراعية، وتحديداً، من الحمضيات، والموالح، والبطاطا، ومنتجات زراعية أخرى.
ويتطوّر التعاون بين روسيا ومصر، هذه الأيام، وبأشكال مختلفة، فقد تشكّلت لجنة حكومية مشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والتقني ـــ العلمي، كما ذكرت وكالة "إيتار تاس"، أنه "تمّ التوصّل إلى اتفاق لاستئناف المباحثات بين مصر والبلدان الأعضاء في الاتحاد الأوراسي (روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان)، من أجل انضمام مصر إليه".
وأعلن المكتب الإعلامي للرئاسة الروسية، أن "الرئيسين سيُجريان مباحثات في مقر إقامة الرئيس الروسي بسوتشي، يناقشان خلالها العلاقات التجارية ــ الاقتصادية بين البلدين، إضافة إلى المسائل الإقليمية والدولية".
وأفاد أنه "يُنتظر أن تُناقش خلال الاجتماع، قضايا تطوير العلاقات الروسية ــ المصرية، الملحّة في مختلف المجالات". ولفت الى أن "حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ العام الماضي حوالى 3 مليارات دولار. وتضاعف أكثر من مرتين في النصف الأول من العام الجاري، ليبلغ حوالي 2.5 مليار دولار، قياساً بـ1.2 مليار دولار، في الفترة نفسها من العام 2013".
وكشف المكتب الإعلامي أن "مصر تُعدّ الشاري الأكبر للقمح الروسي، وتشتري سنوياً نحو 25 إلى 30 في المئة، من مجمل صادرات روسيا من القمح، وتُعادل حصة القمح الروسي حوالى 40 في المئة، من احتياجات مصر منها. كما تُعدّ الأخشاب الروسية سلعة تقليدية لمصر، فقد بلغ حجم الصادرات الروسية من الأخشاب إلى مصر، حوالى 1.8 مليون متر مكعب في العام 2013، بقيمة 326 مليون دولار". ولا تقتصر الأمور عند هذا الحدّ، فروسيا تزوّد مصر بكمية هامة من وقود "الديزل" أيضاً.
ومن المُرجّح التطرّق إلى الملف السياحي بين البلدين، فقد استقبلت مصر قرابة مليوني سائح روسي، العام الماضي، وعلى الرغم من تقييد السفر لفترة مؤقتة، وزارها في الربع الأول من العام الجاري 542 ألف سائح روسي، في مقابل 575 ألفاً في الفترة نفسها من العام الماضي.
وسيشكل "الفهم المشترك للقضايا الدولية والإرهاب"، أحد المواضيع المفصلية في محادثات سوتشي، فالكرملين يرى أن "هناك تقاطعاً كبيراً بين منهجي البلدين، في تسوية الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك ضرورة وقف العنف في غزة، وتسوية الأوضاع في ليبيا وسورية والعراق، وكذلك محاربة الإرهاب الدولي".
وذكرت "ريا نوفوستي" أن المناقشات ستدور حول "تطوير التنسيق بين البلدين في تلك القضايا".
وبدا لاستعراض الآليات الحربية الحديثة، في مطار سوتشي، دلالة خاصة، وعلى الرغم من مرابطة مروحيات حربية بصورة دائمة في هذا المطار، إلا أن المعروضات التي انتظرت الرئيس المصري، كانت غير ذلك. فأول ما رأى السيسي، عند نزوله من الطائرة، كان ناقلات جند مدرّعة حديثة ودبابات، وربما سيكون لهذا العتاد نصيب في المباحثات، خصوصاً وأن فهماً مشتركاً للـ"الإرهاب" قائم بين موسكو والقاهرة هذه الأيام، وربما قد يتطور إلى موقف مشترك في غزة ومنها، وضرورة تأمين سيناء والحدود مع القطاع.