وقال السيسي، أخيراً، إنّ "موقف مصر ثابت من الوضع في سورية، وهو ضد التدخل العسكري، ويدعم الحلول السياسية للأزمة". وتوضح المصادر الدبلوماسية المصرية لـ"العربي الجديد"، أنّ رفض السيسي لهذا التدخل سبقه موقف مماثل إزاء مساعدة روسيا عسكرياً في حربها السورية. وأعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري، أخيراً، أنّ مصر لن تنضم إلى أي تدخل عسكري في سورية، وأن السعودية اتخذت قراراً منفرداً بذلك، وهو غير ملزم لباقي دول التحالف الإسلامي الذي أعلنته الشهر الماضي، والذي يضم مصر.
وتؤكد هذه المصادر أنّ "هذا الموقف وإنْ كان يؤدي إلى تصفير دور مصر السياسي والعسكري في أزمة من المتوقع تفاقمها وقد تؤثر نتائجها على خريطة القوى الإقليمية، فإنّ السيسي يعتبره ضمانة لاستمرار المساعدات الاقتصادية من السعودية، وعدم خسارة المساعدات العسكرية والاستراتيجية الروسية". وفي الوقت ذاته، فإن السيسي لم يغلق الباب أمام أي تعاون استخباراتي أو أمني مع جميع الأطراف الفاعلة في الحرب على المجموعات المسلّحة أو داعش، إذ تمّ تشكيل غرفة عمليات استخباراتية مصرية روسية رفيعة المستوى في هذا السياق، كما أنّ تعاون القاهرة مع الرياض قائم في هذا المجال منذ سنوات عدّة، وفقاً للمصادر الدبلوماسية.
وعن الفارق بين الموقف القديم ــ الجديد وسلوك القاهرة إزاء الملف اليمني، بعدما روّج الإعلام الموالي للسلطات المصرية أنّ السيسي وضع جيشه تحت تصرف السعودية وبين الموقف في سورية، تقول المصادر إن "الأمر ﻻ يتعلق بالمبادئ بل بالمصالح. حتى إذا اعتبرنا أن الحوثيين في اليمن يشكلون خطراً على السعودية وأن السيسي يحاول مساعدة السعوديين، فإن داعش في سورية تمثل خطراً على الدول العربية بأسرها. لكن ما يميز الحالة الثانية وجود روسيا كطرف مقابل يصعب إرضاؤه والسعوديين في وقت واحد".
وتشير المصادر إلى أن "السيسي تلقّى تقارير موقف من جهة سيادية مصرية تؤكد استحالة استمرار التفاهمات بين المعسكر الدولي المؤيد لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد والمعسكر الآخر الرافض لوجوده، طالما دخلت الحرب في نفق الحلول العسكرية. وتلفت هذه التقارير إلى أنّ مصر إذا اختارت خوض غمار الحرب فستكون يوماً مطالبة بتحديد الطرف الذي تحارب معه أو ضده، ما قد يؤثر سلباً على علاقتها بدول عربية أو روسيا أو أميركا".
اقرأ أيضاً السيسي: لن نتدخل بسورية وسندافع عن الخليج
وهذا الموقف ﻻ يلغي أن السيسي سيحاول استضافة أطراف سياسية أو المساعدة في الإعداد لجولات تفاوض مقبلة على أن يكون نظام الأسد طرفاً فيها، إذ ليس خافياً موقف السيسي الإيجابي تجاه نظام الأسد وذلك خلافاً لموقف الرئيس المعزول محمد مرسي الذي لم يكن يرى الأسد جزءاً من معادلة المستقبل، بحسب المصادر أنفسها.
وعن الموقف المحتمل في ليبيا، خصوصاً في ظل تعليق الاتصالات المصرية الإيطالية بشأن التعاون الاستخباراتي والأمني والعسكري على خلفية مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريغيني، توضح المصادر الدبلوماسية أنّ السيسي تحدث خلال لقائه بوزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، منذ 3 أيام، عن أن "مصر لن تشارك في التدخل العسكري، إلا بموافقة الليبيين أنفسهم". وبرأي المصادر أنفسها، تحمل هذه العبارة عدداً من الألغاز. يعرف السيسي أن الليبيين الآن ليسوا على قلب رجل واحد، وموقفهم من التدخل العسكري الذي تروّج له إيطاليا ليس موحداً. وفي الوقت عينه، فإن هذا التدخل العسكري حمال أوجه بالنسبة للوضع في مصر.
وبحسب مراقبين سياسيين، فإن مصر ستكون أكبر الخاسرين من أي تدخل عسكري يحصل في ليبيا من دون التنسيق معها، لأن الوضع الإنساني والميداني في مناطق شرق ليبيا، وهي الأكثر سخونة من الآن، سينعكس أمنياً وسياسياً على الداخل المصري، باعتبار أن الحدود المصرية أقرب لبعض المدن الليبية من تلك المصرية ذاتها. أما إذا شاركت مصر في هذا التدخل عسكرياً أو استخباراتياً أو أمنياً، فستحظى مصر بمكان على مائدة مفاوضات ما بعد التدخل، وستملك أوراقاً أكثر تمكنها من التعامل مع الأوروبيين والولايات المتحدة، وقد تستعيد موقعها الإقليمي المميز سياسياً، وفقاً لهؤلاء المراقبين. في المقابل، قد تكون المشاركة مقدمة لفخ لن تستطيع الدول المتحالفة الهروب منه، أو حافزاً لمزيد من الفوضى التي ستتضرر مصر منها أكثر من غيرها بحكم الجغرافيا والعلاقات الممتدة سكانياً بين مصر وليبيا.
وتؤكد المصادر الدبلوماسية أن موقف السيسي من التدخل العسكري في ليبيا لم يتحدد بعد، بناء على هذه المعطيات والسيناريوهات المتشابكة. كما أنّ الرئيس المصري يراهن على انشغال القوى الكبرى بأولوية الوضع في سورية لكسب مزيد من الوقت، وتعميق التفاهمات مع إيطاليا، باعتبارهما الدولتين الأكثر إيلاء للاهتمام بليبيا، على حدّ تعبير هذه المصادر.
اقرأ أيضاً: السيسي يستعجل إنهاء صراعات الأجهزة المصرية حول ليبيا وسيناء
في المقابل، تشير مصادر عسكرية مصرية خاصة لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ حقيقة تصريحات السيسي وموقف القيادة العسكرية من مسألة إرسال قوات مصرية إلى الخارج، تأتي في إطار مقولة "مسافة السكة". وتقول المصادر إنه "لا نية لدى الجيش المصري في إرسال قوات برية خارج الحدود خلال الفترة المقبلة"، مضيفة أنّ "تصريحات السيسي المتتالية حول التدخل لدعم دول الخليج حال التعرض لاعتداء، أثارت نوعاً من اللغط والتساؤلات الكبيرة داخل صفوف الجيش المصري". وتوضح المصادر العسكرية، أن "القيادات الوسطى والأقل في الجيش المصري تساءلت حول إمكانية إرسال قوات لدول الخليج. وكان الرد من القيادة العليا أنه لا نية لإرسال قوات للخارج في مهمات قتالية، وإن كان وارداً في إطار المناورات العسكرية في منطقة الخليج".
وتشير المصادر نفسها، إلى أنّ رد القيادة العليا في الجيش، المتمثلة بالمجلس العسكري، كان في سياق طمأنة القوات المسلحة، خصوصاً مع تزايد الضغوط على دول الخليج والدخول في حرب اليمن، والحديث عن تدخل في سورية، وتصاعد دور إيران في المنطقة. وتشدد هذه المصادر على أن تصريحات السيسي محاولة لطمأنة دول الخليج ونوع من رد الجميل، وبخلاف هذا فهو غير وارد، خصوصاً أنّ الرجل تحدث بشكل دقيق وبدأ يركز عليها حول اشتراط هذا الدعم حال "الاعتداء المباشر" فقط. وتوضح المصادر أن الاعتداء المباشر يعني العدوان على دول الخليج، وهو أمر مستبعد، خصوصاً أن مثل هذه الخطوة لا يمكن أن تقدم عليها إيران، لأن أميركا تقف مع دول الخليج ولن تسمح بذلك، وفقاً للمصادر.
من جانبه، يقول الخبير العسكري يسري قنديل، إن تصريحات السيسي تعتبر رسائل لدول في المنطقة وخارجها بأن أمن الخليج جزء من الأمن القومي المصري. ويضيف قنديل لـ "العربي الجديد"، أن مصر وقفت من قبل مع الأشقاء في الكويت ضد الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، خلال الغزو العراقي. ويستبعد الخبير العسكري إرسال قوات برية للمشاركة في عمليات خارج حدود مصر، "لكن يمكن إرسال قيادات عسكرية مصرية للمشاركة في وضع الخطط أو دراسة المواقف لمساعدة دول الخليج".
اقرأ أيضاً الخيار العسكري التركي السعودي: السيناريو اليمني أم الروسي الإيراني؟