لبّى السيسي بارتداء الزي العسكري مطالب متزايدة من وسائل الإعلام المساندة لنظامه، والتي ناشدته أكثر من مرة بـ "الغضب، والعودة إلى العقلية العسكرية"، زاعمة أنّ السيسي لا يتعامل بـ "الحسم الكافي مع جماعة الإخوان والجماعات التكفيرية في سيناء"، بحسب تعبيرها. ولم يكد السيسي يتجاوز عامه الأول في الحكم، إلا وعاد إلى البزة العسكرية، في إشارة تفتح باباً لا يوصد من الأقاويل والتساؤلات حول مفهوم "الرئيس المدني" لدى النظام الحالي في مصر.
اختار السيسي زيارة سيناء بزي عسكري ميداني، وليس مخصصاً للتشريفات. وأظهرت الصور التي نشرتها مؤسسة الرئاسة مشاهد تهدف إلى الإيحاء بانتصار جيش السيسي على تنظيم "ولاية سيناء" في سيناء، مثل زيارته إلى بعض الكمائن (حواجز) التي تعرضت، يوم الأربعاء الماضي إلى هجوم من قبل التنظيم، واستعراضه الذخائر و"الغنائم" التي خلّفها مقاتلو التنظيم بعد مقتلهم أو انسحابهم، ومعظمها من الأسلحة الرشاشة والخفيفة والذخائر.
يكرّس نظام السيسي إعلامياً وسياسياً فكرة انتصاره على المسلحين في الأيام الأخيرة، بصورة غير مسبوقة، على مدار العامين الماضيين. فللمرة الأولى، وعلى الرغم من سقوط عدد كبير، غير معلن حتى الآن، من الجنود المصريين، إلّا أن السيسي أمر بعدم إعلان الحداد، وعدم وقف برامج التلفزيون الترفيهية في شهر رمضان، وعدم تنكيس الأعلام، في إشارات لانتصار الجيش المصري في معركة الشيخ زويد الأخيرة، مع التأكيد على تحوّل السياسة العسكرية للجيش المصري في شمال سيناء من الدفاع إلى الهجوم، واتخاذ المبادرة إزاء التكفيريين ومحاولة منعهم من الخروج في "غزوات" مستقبلية بهذه الكثافة العددية. وترجّح مصادر عسكرية، أن تنظيم "ولاية سيناء" هاجم الشيخ زويد بما لا يقل عن 400 عنصر، ما يؤكد بداية مرحلة جديدة من المواجهات بين الجانبين.
وإلى جانب محاولات السيسي بث الطمأنينة في الشارع المصري مرة أخرى بزيارة القوات في سيناء، فإن المشهد الأبرز كان غياب وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي نهائياً عن الزيارة، وعدم ظهوره في أي مرحلة من الجولة التفقدية، وذلك للمرة الأولى منذ تولي السيسي وزارة الدفاع، إذ كان صبحي يظهر إلى جانبه دائماً منذ أن كان رئيساً للأركان.
اقرأ أيضاً: السيسي يزور سيناء
غياب صبحي تزامن مع ظهور مكثف لصهر السيسي والمقرّب منه، رئيس أركان القوات المسلحة، الفريق محمود حجازي، الذي يوصف بأنه رجل السيسي الأوّل في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، متقدماً على شخصيات مثل القائد الأعلى لمنطقة سيناء، الفريق أسامة عسكر، وقائد المخابرات الحربية، اللواء محمد الشحات. وكان حجازي قد تغيّب بشكل استثنائي أيضاً عن زيارة صبحي، يوم الخميس الماضي، إلى المستشفيات التي يعالج فيها مصابو الأحداث الأخيرة، ما أثار العديد من علامات الاستفهام.
وتوضح مصادر حكومية مطلعة على الملف الأمني أنّ "السيسي أطلق العديد من التعليقات اللاذعة على أداء القوات المسلحة في اجتماعات مجلس الدفاع الوطني، ومجلس الأمن القومي خلال العام المنصرم، إلا أنها لم تصل إلى حد التلويح بإبعاد شريكه في أحداث 30 يونيو و3 يوليو 2013، صدقي صبحي عن منصب القائد العام للقوات المسلحة".
وتعتبر المصادر أن "السيسي يحاصر صبحي عملياً داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتبعية أهم عناصر المجلس له شخصياً، لكن حتى وإن أراد تهميشه أو إبعاده، فهذا الأمر يتطلب فترة طويلة من الحسابات المعقدة والمشاورات مع معظم أعضاء المجلس، نظراً لأن الدستور الحالي يشترط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إبعاد أو تعيين وزير الدفاع لمدة 8 سنوات من سريانه، تنتهي عام 2022".
وبالتوازي مع هذه الخطوات، أحال مجلس الدولة إلى مجلس الوزراء رسمياً التعديلات النهائية على مشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي أقرته الحكومة بذات الصيغة التي انفرد بها "العربي الجديد" الشهر الماضي، التي تجيز لرئيس الجمهورية اتخاذ إجراءات قريبة الشبه من حالة الطوارئ لمواجهة الأعمال الإرهابية، مثل حظر التجوّل وعزل مناطق بأكملها والسيطرة على وسائل الاتصال والنقل فيها.
ووفقاً للتعديلات الأخيرة، سيتم تشكيل محكمة خاصة للجرائم الإرهابية، لم يعرف ما إذا كانت ستتخذ دار القضاء العالي في وسط القاهرة مقراً لها، أم يتم إنشاء مكان خاص بها، أو تخصص لها قاعات معهد أمناء الشرطة وأكاديمية الشرطة، كما هي الحال مع دوائر الإرهاب الحالية التي تصدر الأحكام في قضايا الجماعات الإسلامية و"الإخوان". وذكرت مصادر قانونية أن السيسي أمر بسرعة إنهاء إجراءات إصدار هذا القانون، ليسري بأثر مباشر على جميع الأحداث التي تقع بدءا من عملية اغتيال النائب العام هشام بركات وما يليها من أحداث مقبلة.
اقرأ أيضاً: ترويج لمخطط تهجير أهالي الشيخ زويد