وكان السيسي يتحاشى إصدار القانون خشية تعرضه لضغوط دولية وانتقادات لاذعة، بسبب خطورة المواد التي تحيل أمر إدارة المجتمع المدني إلى الأجهزة الأمنية، إذ أمر رئيس البرلمان بأن يؤخر إرسال قانون تنظيم الجمعيات، وذلك دون طرح تعديل عليه، ثم أمره مؤخرا بالاستمرار في تأجيل الإرسال إلى ما بعد زيارته إلى واشنطن، وزيارة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، للقاهرة، خلال الشهرين الماضيين، وذلك بحسب ما ذكره مصدر مطلع بوزارة التضامن لـ"العربي الجديد" في فبراير/ شباط الماضي.
وأوضحت المصادر الحكومية لـ"العربي الجديد" أنه بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية ساحقة على هذا القانون، وجه عدد من السفارات الأجنبية إنذارات للحكومة، ممثلة في وزارتي الخارجية والتضامن، تحذر من مغبة إصداره، بما سينعكس بالسلب على أنشطة منظمات المجتمع المدني الأجنبية، أو المدعومة من حكومات أوروبية، مما قد يؤثر على المساعدات الاجتماعية والثقافية من بعض هذه الدول إلى مصر.
وأضافت المصادر أن سفارات هولندا وألمانيا والسويد وبلجيكا وسويسرا نقلت إلى مصر قلق حكوماتها من قرب صدور القانون، بعد موجة المعارضة الواسعة التي قامت بها المنظمات الحقوقية المصرية، وبعض الأحزاب السياسية.
وأوضحت المصادر أن بعض السفارات هددت بوقف دعمها المجتمع المدني المصري بمختلف صوره، سواء في المجالات التنموية أو الحقوقية، في حالة صدور القانون، أو إعادة النظر فيه، مشيرة إلى أنها كانت تعترض على المشروع الذي أعدته وزارة التضامن، ولم تكن تتخيل أن يكون المشروع المعد في البرلمان أكثر سوءا.
وأشارت المصادر إلى أن دعم الدول الأجنبية للمجتمع المدني لا يقتصر، بطييعة الحال، على الجمعيات أو المنظمات المصرية والأجنبية الناشطة في المجال السياسي، والتي لا يريد نظام السيسي استمرارها، بل يشمل الدعم أيضا، الجمعيات التابعة للحكومة، وتلك المرخصة من قبلها، والعاملة في مجالات التعليم والتدريب المهني والتوعية النسائية، وهي أنشطة ترغب الحكومة في استمرار الدعم الأجنبي لها لتغطيته عجزا ماليا محليا كبيرا.
واعترضت معظم الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المعارضة على مشروع القانون، ووصفته بأنه "أشد قمعاً من المشروع الذي أعدته وزارة التضامن"، إلى الحد الذي دفع بعض الحقوقيين ومديري الجمعيات للمطالبة بتمرير مشروع الحكومة بدلاً من المشروع الجديد الذي وافق عليه البرلمان، ثم مجلس الدولة، ووصفه حقوقيون بأنه يهدف لإحكام السيطرة على المجتمع المدني.
وقالت أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي والتحالف الشعبي الاشتراكي والدستور ومصر الحرية والعيش والحرية والتيار الشعبي، و22 منظمة، في بيان مشترك لها، إن "القانون المزمع إصداره سيكون سبباً في مذبحة مؤكدة للجمعيات الأهلية العاملة في مجال التنمية والخدمات الاجتماعية المشهرة بالفعل. إذ يتعين عليها –بموجب القانون- توفيق أوضاعهم وفقاً لنصوصه، التي تتضمن شروطا فضفاضة للتسجيل، منها عدم ممارسة نشاط يتعارض مع الأمن القومي والنظام العام، بل ويفترض أن تبت الحكومة، في ما إذا كان نشاط الجمعية يتوافق واحتياجات المجتمع وخطط الدولة في التنمية من عدمه، وهو الشرط الذي يمثل عودة صريحة لقانون الجمعيات الأسبق رقم 32 لسنة 1964".
وينص المشروع على "تشكيل جهاز للتحكم في المنظمات الأجنبية غير الحكومية، على غرار مجلس الأمن القومي الذي يترأسه رئيس الجمهورية، حيث يتكون من ممثلي 3 جهات أمنية، بالإضافة لممثلي وزارات الخارجية، والعدل، والتعاون الدولي، والوزارة المختصة بالجمعيات، وممثل للبنك المركزي، وآخر عن وحدة مكافحة غسل الأموال، وعن هيئة الرقابة الإدارية، ويصدر بتشكيله قرار من رئيس الجمهورية".
وبحسب القانون المزمع إصداره، يختص هذا الجهاز بالبت في شؤون المنظمات الدولية غير الحكومية، وتمويل وأوجه التعاون بين الجمعيات المصرية وأي جهة أجنبية.
كما يتضمن المشروع عقوبات سالبة للحرية، مناقضاً بذلك توصيات الأمم المتحدة بشأن التعامل مع المجتمع المدني، حيث تصل العقوبات للحبس خمس سنوات، وغرامات مالية تصل إلى مليون جنيه، حال أجرت الجمعية استطلاعات رأي أو بحوثاً ميدانية، أو مارست العمل الأهلي دون التسجيل وفقًا للقانون، أو تعاونت بأي شكل مع أي منظمة دولية، بما في ذلك أجهزة الأمم المتحدة، دون الحصول على الموافقة اللازمة لذلك.
يذكر أن ملف التعامل مع المجتمع المدني كان يمثل نقطة خلاف دائمة بين إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ونظام السيسي، ووجه وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، انتقادات متكررة للقاهرة بسبب تضييقها على عمل المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية، خاصة بالتزامن مع إعادة إحياء قضية التمويل الأجنبي للمنظمات، والتي تم على إثر تفجيرها عام 2011 إغلاق فروع عدد من المنظمات الأجنبية، الأميركية والألمانية تحديداً، في القاهرة.