في المقابل، كان موقف قطاع عريض من الشباب، سواء المنتمون لحركات ثورية أو غيرهم، هو عدم التعاطي مع النظام الحالي، فضلاً عن مقاطعة الاستفتاء على الدستور المعدّل بعد الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي. بيد أن الضربة القوية التي تلقاها السيسي، تجلّت في مقاطعة الشباب لانتخابات الرئاسة العام الماضي، ثم انتخابات مجلس النواب في العام الحالي التي انتهت، إلا في بعض الدوائر التي تم بطلان النتائج فيها.
وعلى الرغم من دعوات عدد من الأحزاب والشخصيات العامة، بضرورة احتواء السيسي للشباب، وإنهاء حالة العداء بين الطرفين، التي تشكّلت بعد إجراءات تعسفية ضدهم، مثل إصدار "قانون التظاهر" واعتقال العشرات، بل المئات من النشطاء في مختلف المحافظات، والتنكيل بهم، إلا أن الرجل تجاهل تماماً كل هذه الحقائق والخلاف الشديد. الآن بدأ السيسي يشعر بالقلق بفعل دعوات التظاهر في 25 يناير، مع تراجع الأوضاع اقتصادياً وسياسياً، وتزايد التنكيل والقمع والانتهاكات من قبل وزارة الداخلية، حتى وصل الأمر إلى مقتل نحو 9 أشخاص داخل أماكن الاحتجاز بسبب التعذيب، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحسب بعض التقديرات من منظمات حقوقية. ومع لجوء السيسي إلى احتواء حالة الغضب المنتشرة في أوساط الشباب، بالدعوة إلى حوار مع شباب الحركات الثورية، إلا أن المعنيين بهذه الدعوة رفضوا تلبيتها بشكل قاطع.
وفي السياق نفسه، فضّلت مؤسسة الرئاسة تسريب خبر دعوة السيسي لحوار مع شباب الثورة، عبر إحدى الصحف الخاصة، في محاولة لجسّ النبض باعتبارها بالون اختبار، حتى لا تتم الدعوة رسمياً، وتُرفض بما يُمثّل إحراجاً للسيسي. ولا تتضمّن دعوة السيسي أيّاً من مطالب القوى الشبابية والثورية، لناحية إلغاء قانون التظاهر والإفراج عن المعتقلين ووقف الممارسات السيئة والانتهاكات من قبل وزارة الداخلية، بل جاءت في صورة إشراكهم وتعيين بعضهم في مجلس النواب المقبل. ولكن القوى الثورية الرئيسية، أعلنت رفضها مبادرة السيسي للحوار، لأنها مبادرة من طرف واحد، بشروط محدّدة سلفاً.
اقرأ أيضاً برلمان السيسي: أدوار مرسومة سلفاً ومعارضة من داخل النظام
ويقول الناشط في "جبهة طريق الثورة"، رامي شعث، إن "دعوة السيسي مرفوضة قبل أن تنطلق رسمياً، وهو أمر مفروغ منه ولا يحتاج لتفكير". ويضيف شعث، في حديثٍ مع"العربي الجديد"، أن "مسألة تلبية الدعوة حال توجيهها رسمياً غير مطروح لدى القوى الثورية الرئيسية والنشطاء، وهذا أمر متفق عليه فيما بينهم". ويشير إلى "عدم التواصل مع الحركات أو النشطاء خلال الفترة الماضية حول هذا الأمر"، متوقعاً أن "يكون الحوار عبارة عن دعوة الشباب المقرّبين من النظام الحالي، مثل طارق الخولي ومحمود بدر وآخرين، لتجميل صورة النظام".
ويؤكد أن "شروط الحوار التي نُشرت، مرفوضة تماماً أيضاً، خصوصاً أنها لا تتضمن مطالب الثورة والشباب الحقيقية، ولكنها تأتي على هوى النظام الحالي والسيسي فقط، من دون الاهتمام بمطالب الشباب". ويشدد على أن "النظام لجأ إلى هذه الدعوة والحوار فقط، لتخوّفه من الحراك ضده قبل 25 يناير، في ظل الأوضاع المتردية في كل المجالات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً". ويلفت إلى أن "المطالبات بضرورة إدماج واحتواء الشباب خرجت، قبل تولّي الرجل الحكم، ولكنه تجاهل كل هذه الدعوات تماماً، وكل يوم كانت تتسع الهوة بينه وبين الشباب". ويستطرد: "مسألة التعيين في مجلس النواب أمر مرفوض أيضاً، نظراً لأن عمر هذا المجلس قصير جداً ولن يطول في ظل إرهاصات الثورة المقبلة، والتي يقودنا النظام الحالي إليها". ويضيف أن "النظام الحالي يقود الشباب إلى مواجهة بشكل سريع للغاية، وكأن السيسي لم يتعلم من تجارب سابقيه، وآخرهم محمد مرسي".
واتفق مع شعث ناشط في "حركة 6 أبريل"، حول رفض دعوات السيسي للحوار مع شباب الثورة، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنه "لا مجال عن الحديث حول حوار، وهناك المئات بل الآلاف في السجون من دون أدنى ذنب". ويتابع أن "توقيت الدعوة للحوار محاولة لاحتواء حالة الغضب في صفوف الشباب، والتي بدت واضحة تماماً خلال الأشهر القليلة الماضية، مع انتظار الشباب ما ينجزه السيسي". ويلفت إلى أن "توقيت الدعوة مرتبط بدعوات التظاهر في ذكرى الثورة ومخاوف السيسي من إسقاطه مثل مرسي و(المخلوع حسني) مبارك، ولكن هذه المحاولات جاءت متأخرة". ويؤكد أنه "حين طالبت بعض القوى والحركات بضرورة الحوار واحتواء الشباب، تنكر الرجل للأمر ولم يلتفت إلى تلك الدعوات في الأساس، فبأي منطق يتم قبول تلك الدعوات؟". ويلفت إلى أنه "لا بديل عن الإفراج عن كل المعتقلين ووقف انتهاكات الشرطة، ومحاسبة كل من أخطأ. وهو أمر لن يتحقق بصيغة الخبر المنشور، بالتالي لا مجال للحوار أصلاً".
من جانبه، يؤكد أحد شباب "حركة الاشتراكيين الثوريين"، محمد الشافعي، أنه "لم يتواصل معهم أحد من مؤسسة الرئاسة حول الدعوة لحوار شامل مع الشباب". ويقول الشافعي لـ"العربي الجديد"، إن "الدعوة في الأساس مرفوضة، ولكن على حسب بنود هذا الحوار سيكون الردّ مناسباً على الدعوة". ويضيف "من المستبعد أن يكون السيسي جادّاً في مثل هذا الحوار، لأنه يعلم أن تكلفته كبيرة عليه، فكل الحركات التي ستحضر في حالة الموافقة على الدعوة، ستطالب بكل ما يقرّه السيسي في سياساته، مثل إلغاء قانون التظاهر، والإفراج عن المعتقلين". ويؤكد أن "السيسي يحاول فقط إظهار نفسه بالاهتمام بالشباب، ولكن في الحقيقة هو يحاول احتواء حالة الغضب في أوساط الشباب، الذين يستطيعون إسقاطه". ويُبدي الشافعي تعجّبه من "عدم إصدار مثل هذه الدعوات قبل أشهر حينما كانت الفرصة مناسبة، ولا يهم الحوار بقدر عدم التنكيل بالنشطاء والاعتقالات والتعذيب والأحكام الجائرة ضد معتقلي الرأي".
اقرأ أيضاً الانتخابات المصرية: الإحباط يخيّم على النظام والمرشحين