أفادت مصادر دبلوماسية أوروبية في القاهرة بأن الخارجية المصرية تحاول إقناع الدول الأوروبية الكبرى الداعمة للاتحاد الأفريقي بالضغط على مفوضيته لمد الفترة الانتقالية للمجلس العسكري الحاكم في السودان لأشهر أخرى، ربما تصل إلى عام كامل، في ظل تعثّر الاتفاق بين المجلس العسكري والتيارات السياسية على خارطة سياسية واضحة المعالم حتى الآن. وذكرت المصادر لـ"العربي الجديد" أن "دبلوماسيين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، فضلاً عن شخصيات سياسية مرموقة في هذه الدول، تعتمد بشكل أساسي على المعلومات المصرية لاتخاذ القرارات في الشأن السوداني، وأن الاتصالات بهذا الخصوص بدأت منذ اندلاع الثورة ضد الرئيس المخلوع عمر البشير، وتواصلت على مدار الأسابيع الستة الماضية". وكشفت أن "الخارجية المصرية طلبت أخيراً من بعض الدول التي تحظى بعلاقات خاصة مع دول الاتحاد الأفريقي والتكتلات الجغرافية الرئيسية فيه، ضرورة الضغط على تلك الدول لتمرير بقاء أكثر هدوءاً للمجلس العسكري الانتقالي، ريثما تحين الفرصة لإجراء انتخابات نيابية أو لإعداد دستور جديد، وفقاً لما تسفر عنه مفاوضات المجلس العسكري والتيارات السياسية".
وأضافت المصادر أنه "بات من الواضح الخصوصية التي ترغب مصر في إيلائها للعلاقة بالمجلس العسكري الانتقالي، لتكون القاهرة المحطة الخارجية الأولى لرئيسه عبد الفتاح برهان، وهذا مفهوم باعتبار أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ينفر بطبيعته من التحركات الشعبية المعارضة للأنظمة الحاكمة. كما يخشى وصول أي زعامات شعبية للسلطة في الخرطوم من شأنها العمل لخدمة أغراضها الخاصة أو ما يتعارض مع التوجهات المصرية في القضايا محل الاهتمام المشترك، فضلاً عن أنه يرغب في بدء عهد جديد في التعامل مع قضية سد النهضة التي كانت العلاقات بشأنها بينه وبين البشير متقلبة وغير مريحة، وإن كانت قد شهدت في فصلها الأخير انفراجة، يحاول اليوم الحفاظ عليها وتطويرها مع المجلس العسكري".
المشكلة التي تواجه مصر هي أن بعض الدول الأفريقية الكبرى وذات الدور الإقليمي البارز أو التأثير على مفوضية الاتحاد الأفريقي، ترغب في التقيد بالفترة الانتقالية التي توصلت لها جهود مصر، وهي ثلاثة أشهر فقط، بعدها يتم تجميد عضوية السودان في الاتحاد، وهو ما تسعى مصر التي ترأس الاتحاد في دورته الحالية لاحتوائه من خلال تحركاتها على المستوى الأوروبي أيضاً.
وتضم الترويكا الحالية للمنظمة الأفريقية إلى جانب مصر كلاً من رواندا، الرئيس السابق للاتحاد، والتي شهدت رئاستها دعماً فرنسياً واضحاً للمنظمة، وجنوب أفريقيا، الرئيس المقبل، والتي تحتفظ بعلاقات ودية مع دول أوروبية عديدة. وكان الحديث عن مستقبل عضوية السودان محوراً رئيسياً للنقاش الذي كان سيدور بين رئيسها سيريل رامافوزا والسيسي في الزيارة التي كانت مقررة الأسبوع الماضي للأخير إلى بريتوريا ولم تتم لأسباب أمنية، بحسب مصادر مصرية مطلعة.
وعادت المصادر الأوروبية للحديث عن أن العواصم الغربية الكبرى "لم يعد لديها نفس الاهتمام السابق بما يجري في السودان، ارتباطاً بعوامل ومتغيرات عدة، بعضها يخص شواغلها المحلية والقارية الخاصة، بالإضافة إلى تراجع وتيرة التعاطي مع الشأن المحلي العربي أيضاً كنتيجة للمشاكل التي واجهتها أوروبا بعد سنوات الربيع العربي". وأشارت إلى أن معظم العواصم الغربية تعتمد على دول أخرى من المحيط الإقليمي لتقييم الموقف السياسي داخل السودان تحديداً، خصوصاً أن القوى السياسية هناك ليست على تواصل دائم بالدوائر الغربية.
ويراهن السيسي على استغلال هذه النقطة لإحداث حلحلة لصالحه في ملف الفترة الانتقالية، وعينه أيضاً على أن إثيوبيا، مقر الاتحاد الأفريقي وصاحبة التأثير الواسع على المفوضية، والتي كانت متحمسة يوماً ما لانقلابه على سلفه محمد مرسي على خلفية تهديد الأخير لأديس أبابا بشأن سد النهضة، تقف اليوم مرتابة مما يحدث في السودان ومن تقارب السيسي مع المجلس الانتقالي، لا سيما أنها كانت قد وصلت مع البشير لمعادلة تعاون وتنسيق بصيغة معينة استمرت لعامين تقريباً. وحتى بعدما حدث التقارب بين السيسي والبشير، بقي الأخير على تقاربه مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بما يتعلق بمشروعات التعاون المشتركة والربط الكهربائي والاستفادة من الآثار التنموية للسد.
وكان السيسي وبرهان قد أصدرا بياناً مساء السبت عقب لقائهما بالقاهرة تحدثا فيه عن "التعاون المشترك لتحقيق أهداف ومصالح الشعب السوداني بعيداً عن التدخلات الخارجية" فيما بدا رسالة لبعض الأطراف الإقليمية.
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية قد ذكرت لـ"العربي الجديد" في وقت سابق هذا الشهر أن السيسي سيوفر للمجلس العسكري السوداني الدعم الاستخباراتي والإعلامي، من خلال لجنة مشتركة لنقل ما تصفه مصادر دبلوماسية مصرية بـ"الخبرة المصرية في التعامل مع التظاهرات وأحداث الشغب"، وأن مصر ستعمل بكل ما أوتيت من قوة لتعطيل نقل السلطة إلى المدنيين أو إجراء انتخابات قريبة في السودان، خشية أن تسفر عن نجاح القوى الإسلامية التي تتمتع بتواجد قوي داخل الحكومة السودانية في مختلف الوزارات وساحات العمل، وهو ما يقلق السيسي والإمارات والسعودية بشدة. كما أن السيسي، بحسب المصادر، ليس مستعداً للتعامل مع الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية، وفقاً لمعطيات استخباراتية تفيد بضعف قواعدها الشعبية، وبالتالي فإن الخيار الأمثل للسيسي هو استمرار المجلس العسكري لفترة أطول ريثما تظهر شخصية أو أكثر يمكن لمصر وحلفائها التعامل معها.