تعدّ ظاهرة العنف ضد الأطفال في عدد من مدارس مصر مشكلة اجتماعيّة وحقوقيّة، تضاف إلى الأزمات السياسيّة والأمنيّة والاقتصادية في البلاد، والتي ساهمت في تراجع مستوى التعليم، وتسّرب أطفال من المدارس، خصوصاً في المرحلة الابتدائية، ليكون الشارع هو البديل.
وتعرب منظّمات حكوميّة وغير حكومية معنية بحقوق الإنسان عن قلقها بسبب تزايد العنف المدرسي، لما له من آثار نفسيّة وسلوكية سلبية على الأطفال. هؤلاء قد يصيرون أكثر عنفاً، أو يعانون من مشاكل نفسية، وقد يفضّلون ترك المدرسة.
وتختلف أساليب العنف في المدارس المصريّة بحق الأطفال، خصوصاً في المرحلة الابتدائية، بين الضرب المبرح أو الفلقة أو الركل بالأرجل أو إجبارهم على تنظيف المدرسة أو الاحتجاز في الفصل لساعات، عدا عن العنف اللفظي مثل الشتائم أو نعت التلميذ بصفات مؤذية أو عدم الاحترام وتقدير الجهود. وشهدت بعض المدارس جرائم اغتصاب.
ومع بداية العام الدراسي الحالي، لوحظ ازدياد نسبة العنف بحق التلاميذ، ترجمت إلى بلاغات في النيابة العامة وأقسام الشرطة ووزارة التربية والتعليم ومديريات التعليم المنتشرة في المحافظات. ويؤكّد المجلس القومي للطفولة والأمومة أن النسبة الأكبر من العنف بحق الأطفال تحصل في المدارس الحكومية بصفة خاصة. وبحسب بيانات المجلس، يوجد أكثر من 340 بلاغاً يتعلق بانتهاكات بحق الأطفال خلال الفصل الدراسي الأول، عدا عن تلك التي تحصل في القرى والأرياف ولم يبلّغ عنها.
في مدرسة عمر مكرم الابتدائية في مركز الخصوص التابع لمحافظة القليوبية، لم يتردّد مدرّس اللغة الإنكليزية بضرب طفل يدعى محمد ح. في الصف الثالث الابتدائي، وركله على كل أنحاء جسده. ووصل به الأمر إلى ضربه على رأسه بقطعة خشبية أفقدته الوعي، وذلك بسبب رفضه حضور الدرس، بحسب والده. هذه الحادثة أرعبت تلاميذ آخرين، حتى أن بعضهم ترك المدرسة. ويقول الوالد إنه أنفق مالاً كثيراً خلال عرض ابنه على عدد من الأطباء النفسيين، من دون نتيجة.
حادثة أخرى شهدتها مدرسة بلال الابتدائية في الشرابية في القاهرة. فقد ربط تلميذ يدعى وائل ذ. في الصف السادس الابتدائي بجذع شجرة في المدرسة مدة ثلاث ساعات، لرفضه تنظيف فناء المدرسة. ولم ينقذ التلميذ سوى والدته، التي أبلغها أحد العمال بما حدث، فاقتحم الأهالي المدرسة وضربوا الأستاذ.
أما في مدرسة "بشتيل" الابتدائية في محافظة الجيزة، فيقول الوالد محمود عامر إن ولديه يعنّفان من المدرسين. حتى أنّ أحد المدرّسين طلب منه المال لضمان نجاحهما. وقد تقدّم بشكوى إلى إدارة المدرسة بسبب "اضطهاد المدرس الخاص بالفصل لإبني خلال الدروس الخصوصية، من دون أن يستجيب أحد". يضيف أنه في أحد الأيام، "منع المدرس ابني من الذهاب إلى دورة المياه، ما جعله يتبوّل في ملابسه".
إلى ذلك، يقول الخبير التربوي وأستاذ المناهج في جامعة عين شمس، حسن شحاتة، "إننا أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد قطاع التعليم في مصر"، مؤكداً أنها تتفاقم، ما يؤدي إلى تسرّب كثيرين، ليكون الشارع بديلاً. ويرى أن سبب العنف في المدارس يرتبط بالدروس الخصوصية، لافتاً إلى أن معاناة أولياء الأمور تتضاعف مع بداية كل عام دراسي، والنتيجة هي تدني مستوى التعليم. يضيف أن هذه الدروس تعد عائقاً أمام الأسر المصرية في ظل الظروف الراهنة. ويلفت إلى أسباب أخرى، منها تكدس التلاميذ في الفصول، و"الحشو" في الكتاب المدرسي، فضلاً عن عدم وجود معايير صحيحة لاختيار المدرسين أو تغيّب كثيرين، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على التواصل مع الأطفال بالشكل اللازم واحتوائهم.
من جهته، يقول أستاذ علم النفس في جامعة حلوان، رشاد عبد اللطيف، إن العنف بين التلاميذ في المدارس يؤثّر على ثقتهم في أنفسهم، ويؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية بشكل عام. ويشير إلى ضرورة تضافر جهود الدولة والمدراس والأسر ووسائل الإعلام ورجال الدين للحد من المشكلة، والاستعانة بمتخصصين اجتماعيين ونفسيين في المدارس.
وينتقد عبد اللطيف المنظومة التعليمية في مصر، لافتاً إلى أنها لا تشجّع على حماية حقوق الطفل. ويلفت إلى أن أكثر من 70 في المائة من الطلاب يميلون إلى العنف، نتيجة التنشئة الخاطئة منذ طفولتهم، أي في المرحلة الابتدائية. وهذا العنف على المدى البعيد يعدّ خطيراً، خصوصاً أنه سيمتد. وتكرار العنف المدرسي قد يقود الأطفال إلى الانعزال ورفض الذهاب إلى المدرسة.