لا تنتهي معاناة الشباب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 عند تخرجه من جامعات الاحتلال الإسرائيلي. فبعد معركة طويلة من أجل الحصول على الشهادة، وكسر حاجز اللغة والعيش في بيئة معادية اجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا في الأكاديميا الصهيونية، يتخرج الشاب والشابة الفلسطينيين ليجدا أن إمكانيات العمل والتقدم محدودة. فتبدأ معركة جديدة من معارك الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة والتي سترافقهم لوقت طويل، وهي المعركة في سوق العمل.
أثبت بحث أجرته جمعية الشباب العرب "بلدنا" أن إحدى الصعوبات التي يواجهها الشباب هي عدم امتلاك الوعي الكافي حول سوق العمل الإسرائيلي؛ بسبب الواقع المفروض على الشباب الفلسطيني، إذ إنه مضطر إلى إيجاد فرص العمل في الحيز العام الإسرائيلي، لأن الفرص في السوق المحلية محدودة.
يمكن القول إن الفلسطيني يجد نفسه مرة أخرى في الحيز الإسرائيلي مجبرًا على مواجهة التحديات العديدة داخله. فإضافة إلى العنصرية المستشرية في سوق العمل، فإن عدداً كبيراً من الحاصلين على شهادات جامعية لا يتم استيعابهم في العديد من اماكن العمل الإسرائيلية، حتى الحاصلين على الألقاب العليا والأكاديميين.
وما يصعب الأمر هوعدم وجود نقابة عمال فلسطينية يمكنها ان تحمي حقوقهم. بالإضافة الى ذلك، بفعل الواقع الاجتماعي والسياسي المركب الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني، يضطر العديد من الفلسطينيين والفلسطينيات لأن يعملوا تحت سيطرة شركات توظيف، التي تشغل العديد من العمال والعاملات لكن بظروف عمل قاسية واجور متدنية، ولا تقدم هذه الشركات الحماية لهم، ولا يملك العمال والعاملات من يساندهم ويحارب معهم من أجل حقوقهم.
يزداد اضطهاد العمال والعاملات في فترات الحرب والهبات الشعبية، كالعدوان على غزة في سبيل المثال، حيث يتم طرد العمال من شغلهم أو معاقبتهم بشتى الطرق. خلال العدوان الأخير على غزة (صيف 2014) طُرد العديد من العمال العرب بسبب تعبير عن مواقف سياسية حول الوضع القائم في صفحات التواصل أو غيرها، إضافة إلى تحمل نظرات الاستحقار والتعابير العنصرية من قبل العمال الإسرائيليين، الزبائن والمشتغلين، على الرغم من وجود قانون يمنع إقالة عمال بسبب خلفيتهم القومية او مواقفهم سياسية، إلا أن "الدولة" الصهيونية لا تعوّل على القانون، إذ يتم انتهاك حقوق المواطنين الفلسطينيين يوميًا.
يؤدي كل هذا الوضع إلى ارتفاع نسبة البطالة والفقر في المجتمع الفلسطيني، وهي بازدياد دائم في السنوات الأخيرة. بالطبع، إن هذه السياسة هي سياسة ممنهجة، فلا تملك المؤسسة الصهيونية أي مصلحة بتحسين وضع الفلسطينيين، خصوصًا أنها فرضت عليهم هذا الواقع القاسي.
من أكثر الفئات تأثّرًا في سوق العمل هي المرأة الفلسطينية؛ فهي تعاني، في كافة مجالات الحياة، من اضطهاد مزدوج، الأول كونها امرأة والثاني كونها في فلسطينية تعيش تحت نظام استعماري.
تجد الشابة نفسها غير قادرة على إيجاد فرص عمل كافية تستوعبها وتهتم باحتياجاتها، إضافة إلى التمييز بالأجور بين الرجال والنساء، والإمكانيات المحدودة للتقدم مقابل إمكانيات الرجل. ويدور الحديث هنا عن المشغلين العرب والإسرائيليين على حد سواء.
عدا عن ذلك، النظام الاقتصادي نفسه يتّخذ طابعًا ذكوريًا، والمستحوذ عليه هو الرجل الإسرائيلي. لكن القضية أكبر من الحالات الشخصية الفردية، فالشخصي هو سياسي، ومتعلق بالاقتصادي، وهذا الواقع الاقتصادي مرتبط بالضرورة بالأيديلوجية الصهيونية.
بالتالي، في حديثنا عن وضع العاملات والعمال لا يمكن الحديث فقط عن الاجتماعي دون تفكيك كافة البنى المسيطرة، ومنها الاقتصادية. وهذا ينقلنا الى السؤال الجوهري: من يملك السيطرة الآن ومن يملك الأرض؟
قضية التمييز والاضطهاد في سوق العمل متعلقة بقضية أعمق بكثير، وهي فقداننا للأرض والسيطرة. هذا الفقدان هو الذي يؤثر على حياتنا السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والشخصية، وهو الذي يمنع الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة من العيش حياة طبيعية كريمة، لأن المسيطر الان على كافة الموارد، وأهمها الأرض، هو المستعمِر. ومن هنا يمكن أن نفهم الواقع الاقتصادي، ومسؤوليتنا نحو السعي إلى تفكيك الكيان وإيجاد الحل الجذري، لكن دون أن ننسى أن أهمية التعامل مع هموم المجتمع الاجتماعية اليومية، وجميعها تتطلب نضال سياسي واضح وليس نضال إصلاحي.
(فلسطين)