والصفقات لم تعد أيضاً ممكنة بالنسبة للعقود القائمة، بعدما أعطتها وزارة الخزانة الأميركية فترة انتقالية ولن تتردد لاحقا بمعاقبتها، ما اعتبر سياسة ضغط تمارسها الولايات المتحدة على الحلفاء، مثل ألمانيا وشركاتها، مثل "سيمنز" و"بنز"، وفرنسا التي تلتزم شركات مصنعي الطائرات فيها، "أيرباص" و"إي تي آر" بعقود بمليارت اليوروات.
أمام هذا الواقع، يكمن القلق في وضع الاقتصاد الألماني في مأزق بعد تهديد الشركات بالغرامات إذا ما استمرت بالتعامل مع طهران، ما سيؤثر في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بعدما بدأت إيران بالتعافي جزئيا بعد تعليق العقوبات على رغم استمرار المعاناة في القطاع المصرفي، لكونها بالكاد قادرة على تمويل مشاريع يملكها الأجانب على نطاق واسع، وبينها على سبيل المثال في مجالات الطاقة المتجددة.
والآن عادت لتزيد المخاوف من أن تؤثر العقوبات المستقبلية في الأعمال، بعدما أمل القطاع الصناعي والتجاري الألماني بالعودة المحمودة إلى الأسواق الإيرانية ومباشرة الشركات بإبرام اتفاقات وصفقات تجارية، وأبرزها "سيمنز"، التي تطمح لأن تكون إيران أحد أهم الأسواق التجارية الجديدة الشريكة لألمانيا.
هذا ما أعلن عنه من ميونخ، أمس الأربعاء، المدير المالي رالف توماس، موضحا أن أكبر شركة في أوروبا بمجال الهندسة الكهربائية والإلكترونية الحديثة كانت رفعت توقعات أرباحها للسنة المالية الحالية بعدما حققت العام الماضي مكسبا بقيمة 130 مليون يورو. أما الآن، فهي بفعل الشكوك الجيوسياسية وتأثير القيود التجارية سلبا في الاستثمار، أصبحت في طور تحليل العواقب، وهو الموقف الذي أعلنته أيضاً "فولكسفاغن" للسيارات و"هينكل" للسلع الاستهلاكية.
التطورات دفعت بعدد من روابط واتحادات القطاعات الصناعات والتجارية، إلى مطالبة الاتحاد الأوروبي والحكومة الاتحادية بمساندتها بعد قرار أميركا فرض عقوبات على إيران لأنه يهدد بضرب الاقتصاد الألماني بقوة، وفقاً لتحذير أطلقه رئيس غرفة التجارة والصناعة الألمانية إريك شفايتسر.
بدوره، دعا متحدث باسم الرابطة الألمانية لصناعة السيارات، الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف واضح يحمي الأعمال التجارية الألمانية- الإيرانية، إلى جانب السياسة الخارجية والأمنية واستعادة الثقة المفقودة.
ولقيت تلك التحذيرات تأييد اقتصاديين طالبوا الأوروبيين بخلق مساحة قانونية آمنة للشركات الأوروبية العاملة في إيران كي تتجرأ على مواصلة نشاطها هناك.
يأتي ذلك بعدما أعلن المتحدث باسم الحكومة شتيفان زايبرت، أن الحكومة الاتحادية تريد دراسة العواقب الاقتصادية المحتملة على الاقتصاد الألماني بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي والتوجه إلى إعادة فرض عقوبات على إيران، فيما أعلنت متحدثة باسم وزارة الاقتصاد أن العمل يجري على دراسة الآثار على عمل البنوك بعدما نشرت وزارة الخزانة الأميركية أحكاماً تنفيذية واسعة النطاق، والعمل الآن جار على تحليلها.
أما عن مدى أهمية السوق الإيراني بالنسبة إلى الشركات الألمانية، فتبيّن التقارير الاقتصادية أن لنحو 10 آلاف شركة ألمانية تعاملات تجارية مع إيران، بينها 120 شركة لها مقرات وموظفون.
وبالنسبة إلى الشراكة التجارية، فهي ضعيفة نسبيا في مجال الاستيراد، حيث أنفقت ألمانيا 400 مليون يورو عام 2017 على جميع الواردات والسلع التي يتم شحنها، وشملت المواد الغذائية والفواكه المجففة وغيرها.
وارتفعت الصادرات الألمانية إلى إيران العام الماضي، وكسبت الشركات الألمانية حوالي 3 مليارات يورو، بزيادة قدرها 400 مليون يورو، علماً أن برلين تعد واحدة من أهم الشركاء التجاريين لطهران بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، وتصدر إليها الآلات والمعدات الصناعية والمنتجات الصيدلانية واللوازم الطبية.