في كل مكان بقرية جبل المكبر، وفي أي مبادرة بمدينة القدس المحتلة، توجد للشهيد الفلسطيني بهاء عليان (22 عاماً) بصمة لا يمحوها الزمان، فهو الشاب المثقف الذي حمل في جعبته كثيراً من الأشياء التي يصعب نسيانها.
وعلى الرغم من عمله البطولي عندما نفذ عملية فدائية في إحدى حافلات المستوطنين، بمستوطنة "أرمون نتسيف" المقامة على أراضي بلدته في جنوب شرقي القدس المحتلة، إلا أن واقع الصدمة حل على الكثير من أهالي القرية والمئات من أصدقائه، فبهاء عرف عنه الحضور الثقافي والاجتماعي في كل مكان.
دخل الناشط المقدسي موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية من أوسع أبوابها، فهو المبادر في العام الماضي إلى عمل أطول سلسلة قراءة بشرية حول أسوار القدس العتيقة، بمشاركة الآلاف من أبناء مدينة القدس والداخل المحتل عام 1948، ومن استطاع الدخول من أبناء الضفة الغربية المحتلة.
ويحمل بهاء رتبة قائد فرقة كشفية في الكشافة الفلسطينية، وكان مدرباً لفرقة الكشافة في جبل المكبر، ومؤسساً لمبادرة "شباب البلد" ذات الطابع الثقافي والاجتماعي من خلال فعاليات مختلفة تنفذ في القرية، كما أسس شبكة المكبر الإعلامية عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ليصبح صحافياً بالفطرة يطلع الناس على أحداث قريته خاصة، والأخبار الفلسطينية عامة.
وللشهيد حضور لن يزول، فهو من افتتح أول مكتبة عامة في قرية جبل المكبر، لتشجيع الشباب على القراءة والمطالعة، مستثمراً الكتب التي تبرع بها الفلسطينيون الشباب في حملة أطول سلسلة قراءة حول مدينة القدس.
وبهاء المبادر دائماً، شارك في حملات شبابية فلسطينية كثيرة، منها حملة قوارب لمساعدة أهالي قطاع غزة في حربهم الأخيرة، وتنظيم زيارات لجرحاهم في مستشفيات القدس، وحملة بصمة لجمع التواقيع على خارطة فلسطين، إضافة إلى العديد من الأنشطة والمبادرات في شهر رمضان المبارك والأعياد.
هو المثقف والقارئ والمحبوب، هو المحب لكل شيء، الذي يملك مطبعة خاصة وشركة للدعاية والإعلان، هو الذي كان يبادر إلى طباعة بوسترات وملصقات الشهداء والأسرى مجاناً، ويملك رسالة وحضوراً وطنياً مع كل حدث يمس القضية الفلسطينية.
ولم تغب اعتداءات المستوطنين وجنود الاحتلال على المسجد الأقصى المبارك، فهو الفاعل والمتضامن دوماً، إضافة إلى أنه صاحب مبادرات فعالة لتحسين وضع التعليم في قرية جبل المكبر ومدينة القدس، عدا أنه راسم للبسمة على وجوه أطفال المدينة من خلال فرقة المهرجين المشترك بها.
رحل بهاء، وترك خلفه مخططات الزواج، والكثير من أفكار المبادرات الشبابية، فيما ترك الكثير من الفراغ لأشقائه خليل وحسام وأنغام، بينما ستتذكر الأم كثيراً آخر عبارات الوداع التي قالها بهاء: "زبطيلي القميص منيح بدي أروح على عرس".
ستنشغل العائلة مجتمعة بتنفيذ وصاياه العشر التي تركها قبل عام عبر "فيسبوك"، والتي قال فيها إنه لا يريد أن تتبناه الفصائل، ولا أن توضع له بوسترات، وعدم الظهور على الإعلام كي لا ترهق أمه، وعدم البحث عن ما كتبه عبر "فيسبوك"، وعدم الحزن عليه، وختم بأن لا يتم التعامل معه كرقم من الأرقام يُعدّ اليوم ويُنسى غداً.
اقرأ أيضا:جبل المكبر... الحي المقدسي الذي فشل الاحتلال في سحقه