لجأ اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والقوى الإقليمية المساندة له، إلى تكتيك جديد في الحرب على بنغازي في محاولة لدخولها، بعد أن عجز عن ذلك منذ انطلاق "عملية الكرامة" في 16 مايو/أيار الماضي.
يتمحور تكتيك حفتر حول خلق جيوب داخلية في أحياء بنغازي، خصوصاً تلك التي تسكن فيها طبقات شعبية فقيرة، مساندة له، تعمل على تفكيك دفاعات "مجلس شورى ثوار بنغازي"، والضغط عليه من داخل المدينة.
وجاءت هذه الفكرة بعد أن استطاع "المجلس" ضرب أغلب المعسكرات الموالية لحفتر داخل بنغازي، وطردها وهدم مقارّها، عدا "الكتيبة 204 دبابات"، والتي كانت حتى وقت قريب تقف موقفاً محايداً تقريباً، والذي خلعته عن نفسها منذ يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ودخلت رسمياً في حرب "المجلس".
كما لم تهدم قوات "المجلس" مقرّ "الكتيبة 21 مشاة صاعقة"، والتي كانت تحت عين ومراقبة "كتيبة 17 فبراير"، إحدى كتائب "المجلس"، بحكم قرب الموقع الجغرافي. ويقول المراقبون إن "الصحوات الجديدة، وهي تسمية أطلقها المجلس، هم بالأساس جزء من بقايا قوات الصاعقة، التي ضرب مجلس شورى الثوار معسكراتها في بنغازي، وبقايا المنتسبين لقوات الجيش، إلا أنها تعتمد بشكل رئيسي على مجموعات شبابية من ذوي السجلات الإجرامية المعروفة، في مجال الاتجار بالمخدرات والسرقة والعاطلين عن العمل".
وأفادت مصادر متطابقة، أن "عدداً من الشباب المشاركين بالانتفاضة المسلّحة في بنغازي (الصحوات حالياً) إلى جانب قوات حفتر، قد تلقوا تدريبات على حرب الشوارع ومكافحة الإرهاب في دول أوروبية، أبرزها بلغاريا، تحت إشراف ضباط من الولايات المتحدة".
وكشفت المصادر أن "التدريبات جرت وفقاً لطلب كان قد قدمه رئيس الحكومة السابق علي زيدان، لمجموعة الدول الثماني في يونيو/حزيران 2013، من أجل دعم وتأسيس قوة مسلّحة تحت مسمى قوة الأغراض العامة".
وبدأت الولايات المتحدة تدريب هذه القوة، على أن تتكفّل ليبيا بمصاريف تدريبها، والذي بدأ في ربيع 2014 في بلغاريا، بحسب تقرير صادر عن لجنة الشؤون الخارجية التابعة للكونغرس.
وهو ما يعيد إلى الذاكرة، الفكرة التي تمّ تطبيقها على يد قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال ديفيد بتريوس، الذي جيء به بعد إقالة سلفه، خصيصاً، لانتشال الجيش الأميركي من المستنقع العراقي، ومبادرته بإنشاء "الصحوات"، عبر إغراء زعماء العشائر بالمال حيناً وبالسلطة حيناً آخر، بحسب مراقبين ليبيين.
وروّجت وسائل إعلام محلية وإقليمية موالية لحفتر، أن يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان موعد تفجر الانتفاضة المسلّحة ضد "المجلس" الذي يضمّ في صفوفه تنظيم "أنصار الشريعة"، والذي تنظر إليه أغلب القوى العالمية والإقليمية على أنه "منظمة إرهابية".
ونُسبت إلى الإسلاميين المتشددين منهم، والمعتدلين، بحسب محللين، كل جرائم القتل والاغتيال التي وقعت في بنغازي طيلة فترة ثورة فبراير/شباط 2011، دون أن تُجري أي مؤسسة رسمية حكومية محلية أو دولية، تحقيقاً يكشف الجناة وتقدمهم لمحاكمات محلية.
كما ذكرت الرسائل الإعلامية المتكررة أن "العدو الأول لثورة فبراير/شباط، ولقيام دولة مدنية ديمقراطية ليس الثورة المضادة، أو قواها المحلية والإقليمية، بل التيارات الإسلامية، المعتدلة منها والمتطرفة". وربطت بعض الوسائل الإعلامية الإسلاميين ببعضهم بعضا، ضمن حزمة واحدة.
تحركت "الصحوات" أو "الانتفاضة المسلحة" في بنغازي، في 15 أكتوبر، وأغلقت مداخل بعض أحياء المدينة بسواتر ترابية، وأحرق المسلّحون الإطارات، وبدأوا يستهدفون عائلات كل من يُشك بانتمائه إلى "المجلس".
وتمّ اختيار العائلات المستهدفة بعناية، كعائلة الصويد والكرشيني واكريم، وهي كلها من أصول مصراتية، في رغبة لتأجيج الصراع داخل المدينة، لمحاولة لخلق نزاعات داخل "المجلس"، بين أولئك الذين ينتمون لأصول ترجع إلى غرب ليبيا، وأولئك الذين ينتمون لشرقها، ومن جانب آخر، بث روح الكراهية داخل بنغازي بين المكونات الاجتماعية.
وتعامل أفراد الصحوات ببنغازي بقسوة مع هذا العائلات، فقتلت الذكور من عائلة الصويد وحرقت منازلهم، وكذلك فعلوا مع عائلة الكرشيني وعائلة اكريم، وهو أسلوب في القتل والسحل بحسب شهود عيان ومحللين أمنيين يدل على تلقي تدريبات على هذا النوع من التعامل الأمني.
في يوم استقلال الجزائر، في الثامن عشر من مارس/آذار عام 1962 وصف الجنرال الفرنسي شارل ديغول "الحركيين" الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا، بأنهم " لعبة التاريخ، مجرد لعبة". وهذا وصف يرتضيه ويقبله كل المعارضين للواء المتقاعد خليفة حفتر على "الصحوات الجديدة في ليبيا".