18 نوفمبر 2024
الصراع السوري من جنيف إلى لوزان
هل تزيح توافقات لقاء لوزان في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري مقرّرات بيان جنيف، بحيث تصبح بمثابة المرجعية الجديدة لحل الصراع السوري؟ الفارق بين هذه وتلك، أنه في جنيف كان الطرفان المتصارعان، أي النظام والمعارضة، يتفاوضان وجهاً لوجه، بغضّ النظر عن جدّية هذه العملية أو رأينا فيها، أما في لوزان، فقد أضحينا أمام مشهدٍ مختلف تماماً، إذ اختفى، أو أزيح، الطرفان المعنيّان، وأصبحت الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، والموجودة على الأرض، تتفاوض مع بعضها مباشرة، بدلاً من أدواتها، لأول مرة منذ بداية الصراع السوري، وهذا ما توفّر بجلوس كل من وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا، مع وزراء خارجية إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر والأردن والعراق، وفي غياب الدول الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا).
هذه نقلة كبيرة في مسار الصراع السوري، على الرغم من معرفتنا أن القضية السورية خرجت من أيدي السوريين، نظاما ومعارضة، منذ زمن، إذ أضحى الأمر، هذه المرة، بيد الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وتوابعهما، من الناحية العملية وعلى المكشوف، كأن أصحاب القضية باتوا مجرد أدواتٍ تنفيذية لهم، وذلك نتيجة هيمنة القوى الخارجية على الطرفين المتصارعين، لتغدو هذه القوى كأنها العامل الداخلي، نتيجة ارتهان النظام لحليفيه الإيراني ثم الروسي، ونتيجة اعتمادية فصائل المعارضة على القوى الخارجية.
على ذلك، هل تحلّ توافقات لوزان محل مقرّرات جنيف، أو مفاوضات لوزان غير المعلنة محل مفاوضات جنيف العلنية؟ في الإجابة على تساؤلٍ كهذا، ربما يمكن القول بإمكان حصول ذلك، بحسب ما تفيد مجمل التسريبات والوقائع، إذ هذه المرة ثمّة توافقاتٌ يجري ترجمتها من الناحية الفعلية على الأرض، وعلى جبهات القتال، وفي الفصل بين المتحاربين، وفرض خطوط تماس، إضافة إلى حديثٍ عن العودة إلى مسار تفاوضي، لكن على أساس الاتفاق الأميركي الروسي الذي جرى في 9 سبتمبر/ أيلول الماضي، وثمة خبراء روس وأميركيون يجتمعون بشكل منتظم في جنيف، في ما يشبه ورشة عمل جماعية، مع خرائط وتفصيلات، بل ومع توجيهات وأوامر للنظام والمعارضة.
ما كان يمكن الوصول إلى هذا الوضع، لولا إخفاق المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن
الدولي، في فرض صيغةٍ لاتفاق ما يضمن وقف إطلاق النار، ووقف القصف الجوي وتأمين المساعدات الإغاثية للمناطق المحاصرة، واستئناف عملية جنيف؛ هذا أولاً. ثانياً، يبدو أن إطلاق عملية لوزان تم برغبة روسيا، لتأمين ما يشبه سلّماً للنزول لها، بعد أن شعرت موسكو بعزلتها في مجلس الأمن الدولي، وبعد أن تبيّن أن لعبها بالورقة السورية لن يجدي نفعاً في دفع الغرب إلى تقديم تنازلات لها في الملفات الأخرى (أوكرانيا، الدرع الصاروخي، رفع أسعار النفط، رفع الحظر التكنولوجي). ثالثا، تحاول روسيا، ومعها الولايات المتحدة، فتح مسارٍ يجمعها وروسيا بالدول الأخرى التي تعتبر منخرطةً بالصراع السوري، ولا سيما إيران وتركيا والسعودية وقطر والأردن، مع استبعاد الدول الأوروبية التي بات موقفها ينحو نحو التشدّد وفرض مزيد من العقوبات على روسيا بدلاً من رفعها؛ وهذا ما تمخضت عنه قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرانسوا هولاند ومستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل في برلين أخيراً.
بالنسبة للمعارضة السورية، من الواضح أنها تفتقد للخيارات المناسبة، السياسية أو العسكرية، لمواجهة الحل المطروح، بمعنى أنها غير مخيّرة، وليس لها إلا القبول، بحكم اعتماديتها على الدعم الخارجي، وأيضاً بسبب تشتّت قدراتها وفصائليتها وتعدّد مرجعياتها، وضعف إمكاناتها، وأخيراً بسبب الكارثة المحدقة بالسوريين، في ظل واقع اللجوء والحصار والتشرد.
يستنتج من ذلك أنه لا يوجد لدينا في الساحة الآن سوى الاتفاق الأميركي ـ الروسي، وعملية لوزان، بغض النظر عن رأينا في هذا وذاك، ولا يوجد لدينا، ولو مضطرين، إلا الوصفة الأميركية للحل السياسي القائمة على الحفاظ على رسم خطوط فصل بين الأطراف المتحاربة في سورية، وإنهاء القصف الجوي (من روسيا والنظام) وإغاثة المناطق المحاصرة، والتوجه نحو محاربة الإرهاب (داعش وجبهة النصرة)، ثم الانتقال إلى عمليةٍ سياسيةٍ لا تتطرّق إلى مصير الأسد، أو لا تشترط رحيله، في المرحلة الانتقالية، مع إقامة حكومة انتقالية بالتفويض بصلاحيات غير واضحة حتى الآن، بالشراكة بين النظام والمعارضة.
هذه هي الوصفة الأميركية للحل، ولا يبدو أن ثمة قدرة لأحد على مقاومتها، لا من النظام ولا من المعارضة، بل إن جلب الأطراف المعنية (تركيا وإيران وقطر والسعودية) إلى لوزان كان بهدف وضع هذه الدول أمام مسؤولياتها (إلى جانب روسيا)، كي تأتي الخطوة التالية، وهي جلب الفصائل السورية المقاتلة، لتضع توقيعاتها على هذه الوصفة، وإلا اعتبرت ضمن الجماعات الإرهابية، وجرت مقاتلتها.
عموماً، تم التمهيد لذلك، بإعلان تركيا والمملكة العربية السعودية باعتبار جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) تنظيماً إرهابياً حسب السعودية، ويجب أن تخرج من حلب حسب تركيا، ودعوة الفصائل العسكرية إلى فصل مواقعها عن تلك الجبهة، والتحريض على التبرؤ منها، وإخراجها إلى إدلب، وتبدو قطر ملتزمة بهذا التوجه بحضورها اجتماع لوزان.
لعل هذا كله يؤكد أننا إزاء مسارٍ جديد في مسيرة الصراع السوري على مختلف الأصعدة، أي
على صعيد مواقف الدول الكبرى، الولايات المتحدة وروسيا، ومواقف الدول الإقليمية المشاركة في الصراع (إيران وتركيا والسعودية وقطر)، كما على صعيد الموقف من جبهة النصرة، ولا سيما أن هذه لا تعتبر نفسها محسوبةً على الثورة السورية، بل إنها تناهض أهدافها، وحتى إنها لعبت دوراً رئيساً في إزاحة الجيش الحر من المشهد، بل وسهّلت استعداءها برفضها التخلي عن منهجها المرتبط بالقاعدة.
قد يشمل التغير الحاصل في مشهد الصراع السوري أيضاً تجميد قواعد الاشتباك السائدة، والدخول في عمليةٍ سياسية، وما يرجح ذلك تصاعد التبرم الأوروبي من روسيا، والتغير الآتي في الإدارة الأميركية، ووصول الأطراف المتصارعة في سورية إلى مرحلةٍ كبيرةٍ من الإنهاك والاستنزاف.
في كل الأحوال، نحن أمام واقعٍ يلغي تماماً النظام كرأي مستقل، ويضيق خيارات المعارضة، حتى لتغدو صفراً، إذ لا خيارات بديلة، أو أنها غير قادرة على اجتراح خياراتٍ بديلةٍ، في حال بقيت تدور في واقعها الحالي، بعيداً عن متابعة خطواتها الإصلاحية التي أعلنت عنها، بدءاً من إنهاء حالة الفصلنة العسكرية، مرورا بتوسيع دائرة التمثيل والمشاركة بصناعة القرار السياسي.
هذه نقلة كبيرة في مسار الصراع السوري، على الرغم من معرفتنا أن القضية السورية خرجت من أيدي السوريين، نظاما ومعارضة، منذ زمن، إذ أضحى الأمر، هذه المرة، بيد الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وتوابعهما، من الناحية العملية وعلى المكشوف، كأن أصحاب القضية باتوا مجرد أدواتٍ تنفيذية لهم، وذلك نتيجة هيمنة القوى الخارجية على الطرفين المتصارعين، لتغدو هذه القوى كأنها العامل الداخلي، نتيجة ارتهان النظام لحليفيه الإيراني ثم الروسي، ونتيجة اعتمادية فصائل المعارضة على القوى الخارجية.
على ذلك، هل تحلّ توافقات لوزان محل مقرّرات جنيف، أو مفاوضات لوزان غير المعلنة محل مفاوضات جنيف العلنية؟ في الإجابة على تساؤلٍ كهذا، ربما يمكن القول بإمكان حصول ذلك، بحسب ما تفيد مجمل التسريبات والوقائع، إذ هذه المرة ثمّة توافقاتٌ يجري ترجمتها من الناحية الفعلية على الأرض، وعلى جبهات القتال، وفي الفصل بين المتحاربين، وفرض خطوط تماس، إضافة إلى حديثٍ عن العودة إلى مسار تفاوضي، لكن على أساس الاتفاق الأميركي الروسي الذي جرى في 9 سبتمبر/ أيلول الماضي، وثمة خبراء روس وأميركيون يجتمعون بشكل منتظم في جنيف، في ما يشبه ورشة عمل جماعية، مع خرائط وتفصيلات، بل ومع توجيهات وأوامر للنظام والمعارضة.
ما كان يمكن الوصول إلى هذا الوضع، لولا إخفاق المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن
بالنسبة للمعارضة السورية، من الواضح أنها تفتقد للخيارات المناسبة، السياسية أو العسكرية، لمواجهة الحل المطروح، بمعنى أنها غير مخيّرة، وليس لها إلا القبول، بحكم اعتماديتها على الدعم الخارجي، وأيضاً بسبب تشتّت قدراتها وفصائليتها وتعدّد مرجعياتها، وضعف إمكاناتها، وأخيراً بسبب الكارثة المحدقة بالسوريين، في ظل واقع اللجوء والحصار والتشرد.
يستنتج من ذلك أنه لا يوجد لدينا في الساحة الآن سوى الاتفاق الأميركي ـ الروسي، وعملية لوزان، بغض النظر عن رأينا في هذا وذاك، ولا يوجد لدينا، ولو مضطرين، إلا الوصفة الأميركية للحل السياسي القائمة على الحفاظ على رسم خطوط فصل بين الأطراف المتحاربة في سورية، وإنهاء القصف الجوي (من روسيا والنظام) وإغاثة المناطق المحاصرة، والتوجه نحو محاربة الإرهاب (داعش وجبهة النصرة)، ثم الانتقال إلى عمليةٍ سياسيةٍ لا تتطرّق إلى مصير الأسد، أو لا تشترط رحيله، في المرحلة الانتقالية، مع إقامة حكومة انتقالية بالتفويض بصلاحيات غير واضحة حتى الآن، بالشراكة بين النظام والمعارضة.
هذه هي الوصفة الأميركية للحل، ولا يبدو أن ثمة قدرة لأحد على مقاومتها، لا من النظام ولا من المعارضة، بل إن جلب الأطراف المعنية (تركيا وإيران وقطر والسعودية) إلى لوزان كان بهدف وضع هذه الدول أمام مسؤولياتها (إلى جانب روسيا)، كي تأتي الخطوة التالية، وهي جلب الفصائل السورية المقاتلة، لتضع توقيعاتها على هذه الوصفة، وإلا اعتبرت ضمن الجماعات الإرهابية، وجرت مقاتلتها.
عموماً، تم التمهيد لذلك، بإعلان تركيا والمملكة العربية السعودية باعتبار جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) تنظيماً إرهابياً حسب السعودية، ويجب أن تخرج من حلب حسب تركيا، ودعوة الفصائل العسكرية إلى فصل مواقعها عن تلك الجبهة، والتحريض على التبرؤ منها، وإخراجها إلى إدلب، وتبدو قطر ملتزمة بهذا التوجه بحضورها اجتماع لوزان.
لعل هذا كله يؤكد أننا إزاء مسارٍ جديد في مسيرة الصراع السوري على مختلف الأصعدة، أي
قد يشمل التغير الحاصل في مشهد الصراع السوري أيضاً تجميد قواعد الاشتباك السائدة، والدخول في عمليةٍ سياسية، وما يرجح ذلك تصاعد التبرم الأوروبي من روسيا، والتغير الآتي في الإدارة الأميركية، ووصول الأطراف المتصارعة في سورية إلى مرحلةٍ كبيرةٍ من الإنهاك والاستنزاف.
في كل الأحوال، نحن أمام واقعٍ يلغي تماماً النظام كرأي مستقل، ويضيق خيارات المعارضة، حتى لتغدو صفراً، إذ لا خيارات بديلة، أو أنها غير قادرة على اجتراح خياراتٍ بديلةٍ، في حال بقيت تدور في واقعها الحالي، بعيداً عن متابعة خطواتها الإصلاحية التي أعلنت عنها، بدءاً من إنهاء حالة الفصلنة العسكرية، مرورا بتوسيع دائرة التمثيل والمشاركة بصناعة القرار السياسي.