بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من تفجّر قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، ترفض الخارجية الجزائرية الإدلاء بأي تصريحات، ولم تعلن عن أي موقف يخص القضية أو تداعياتها على العلاقات الإقليمية والمنطقة العربية، بخلاف مواقف أخيرة مثّلت تحوّلاً لافتاً في المواقف الجزائرية إزاء عدد من القضايا الإقليمية التي تمثّل فيها الرياض نقطة مركزية.
فقبل أسابيع، سارعت الخارجية الجزائرية إلى إصدار بيان ينتقد مواقف كندا من السعودية في قضية معتقلي الرأي وحقوق الإنسان، وسبق ذلك مسارعة الجزائر إلى إدانة إطلاق الحوثيين لصواريخ على الرياض ومدن سعودية، وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017 فضّلت الجزائر استرضاء السعودية، إذ لم تعترض على القرار العربي بتصنيف "حزب الله" كتنظيم إرهابي وبإدانة تدخّل إيران في الشؤون العربية. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قدّمت الجزائر اعتذاراً رسمياً للرياض بشأن لافتة رفعتها جماهير كرة القدم في ملعب عين مليلة شرقي الجزائر تُظهر وجهاً نصفه للرئيس الأميركي دونالد ترامب ونصفه الآخر للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. كما أوفد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ إبريل/نيسان 2016 ثلاثة من كبار المسؤولين لمقابلة الملك سلمان، هم مستشاره الخاص الطيب بلعيز، ورئيس الحكومة السابق عبد المالك سلال، ووزير العدل الطيب لوح.
وتعليقاً على هذا الموضوع، رأى القيادي السابق في حركة "مجتمع السلم" (إخوان الجزائر) عبد الرحمن سعيدي، أن عدم تفاعل الجزائر مع تطورات قضية خاشقجي، يرتبط بحسابات سياسية داخلية وخارجية، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "السياسة الخارجية المنتهجة تحسب أن الموضوع صراع دولي بغطاء جريمة، والتحقيق فيها دولي لا صلة للجزائر بها، كما أن الجزائر تبدو منغمسة ومنشغلة بوضعها الداخلي من البرلمان إلى رئاسيات 2019". وأضاف سعيدي إلى ذلك عاملاً خارجياً، فـ"الجزائر وجدت نفسها وحيدة في الجامعة العربية عندما كانت تعترض على قرارات محركها سعودي بالأساس، ولذلك سعت إلى أن تخفض منسوب الاعتراض إلى الامتناع والتحفّظ، وهو ما مكّن الجزائر من أخذ موافقة السعودية على وضع سقف لأسعار النفط وإنجاح دورتي أوبك في الجزائر، وهذا أمر مهم بالنسبة للجزائر".
اقــرأ أيضاً
وفي محاولة فهم الموقف الجزائري، ليس من قضية خاشقجي، ولكن أيضاً من مجمل التداعيات المرتبطة بها على صعيد العلاقات الدولية والدور السعودي في المنطقة العربية، فإن الكثير من المحللين والمتابعين لسياسات الخارجية الجزائرية يؤكدون أنها ما زالت محكومة في تفاعلها بضوابط تحد من قدرتها على التفاعل السياسي وبطيئة في إصدار مواقف تجاه مختلف التطورات الدولية. ولا يجد المحلل السياسي أحسن خلاص أي غرابة في غياب الموقف الجزائري من لائحة المواقف الدولية في قضية خاشقجي، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنه "ليس من عادة الجزائر إبداء موقف من هذه القضايا، لا سيما أن الرواية الرسمية المتعلقة بمصير خاشقجي جاءت من السعودية التي أقرت أن المسألة داخلية ومعزولة تتعلق بعراك داخل قنصليتها في إسطنبول أدى إلى وفاة".
وأضاف أن "القضية بالنسبة للأعراف الدبلوماسية الجزائرية لا تتعلق بنزاع بين بلدين أو بعملية إرهابية، وإنما بمواطن سعودي مات داخل قنصلية بلده، وبما أن الجزائر لم يُطلب منها التدخّل أو المشاركة في أي تحقيق في هذا الشأن، فهي في موقع المتابع باهتمام لتطورات الوضع ولا ترى أي مصلحة لها في إبداء موقف".
وإذا كانت السلطة الجزائرية محكومة بضوابط في السياسة الخارجية، وفضّلت عدم التعاطي مع قضية اغتيال خاشقجي، فإن اللافت أن الصمت نفسه ساد الأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب المعارضة، والمؤسسات المهنية للصحافيين، باستثناء بيان يتيم لمبادرة "كرامة الصحفي" (هيئة غير معتمدة). ولفت المحلل السياسي سمير ادريسي، إلى أنه ليست المؤسسة الرسمية في الجزائر وحدها من لم تتفاعل مع هذه القضية الدولية، قائلاً إن "الجزائر كدولة تتمسك بشدة بسياسة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتعتبر أن هذه القضية داخلية بالنسبة للسعودية لأنها تخص مواطناً سعودياً، ولتركيا لأنها حادثة وقعت على أراضيها، لكن اللافت أيضاً أن مواقف نقابة الصحافيين والمجتمع المدني والأحزاب السياسية تماهت مع الموقف الرسمي".
لكن مراقبين يجدون أن التعاطي الرسمي الجزائري مع تطورات قضية خاشقجي، يرتبط بمحاذير باتت تحكم المواقف الجزائرية إزاء الرياض. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر، مبروك كاحي، لـ"العربي الجديد"، إنه من الواضح أن "الجزائر تتعامل بحذر مع السعودية، والتصريحات تجاهها عادة ما تكون مدروسة على مستويات عليا"، مشيراً إلى أن "الجزائر بعد التقارب مع الرياض الذي جنت منه الأولى مكسب وضع سقف لسعر إنتاج النفط من أجل إنعاش الأسعار وتجاوز أزمتها المالية، ليست لديها الرغبة في العودة إلى التباعد مع الرياض بعد سخط سعودي من المواقف الجزائرية المعارضة لعزل سورية وحل أزمتها المناقض للطرح السعودي، ورفض الجزائر الانخراط في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وعدم الانخراط في عاصفة الحزم ضد اليمن، والموقف الجزائري من الأزمة الليبية".
اقــرأ أيضاً
فقبل أسابيع، سارعت الخارجية الجزائرية إلى إصدار بيان ينتقد مواقف كندا من السعودية في قضية معتقلي الرأي وحقوق الإنسان، وسبق ذلك مسارعة الجزائر إلى إدانة إطلاق الحوثيين لصواريخ على الرياض ومدن سعودية، وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017 فضّلت الجزائر استرضاء السعودية، إذ لم تعترض على القرار العربي بتصنيف "حزب الله" كتنظيم إرهابي وبإدانة تدخّل إيران في الشؤون العربية. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قدّمت الجزائر اعتذاراً رسمياً للرياض بشأن لافتة رفعتها جماهير كرة القدم في ملعب عين مليلة شرقي الجزائر تُظهر وجهاً نصفه للرئيس الأميركي دونالد ترامب ونصفه الآخر للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. كما أوفد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ إبريل/نيسان 2016 ثلاثة من كبار المسؤولين لمقابلة الملك سلمان، هم مستشاره الخاص الطيب بلعيز، ورئيس الحكومة السابق عبد المالك سلال، ووزير العدل الطيب لوح.
وفي محاولة فهم الموقف الجزائري، ليس من قضية خاشقجي، ولكن أيضاً من مجمل التداعيات المرتبطة بها على صعيد العلاقات الدولية والدور السعودي في المنطقة العربية، فإن الكثير من المحللين والمتابعين لسياسات الخارجية الجزائرية يؤكدون أنها ما زالت محكومة في تفاعلها بضوابط تحد من قدرتها على التفاعل السياسي وبطيئة في إصدار مواقف تجاه مختلف التطورات الدولية. ولا يجد المحلل السياسي أحسن خلاص أي غرابة في غياب الموقف الجزائري من لائحة المواقف الدولية في قضية خاشقجي، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنه "ليس من عادة الجزائر إبداء موقف من هذه القضايا، لا سيما أن الرواية الرسمية المتعلقة بمصير خاشقجي جاءت من السعودية التي أقرت أن المسألة داخلية ومعزولة تتعلق بعراك داخل قنصليتها في إسطنبول أدى إلى وفاة".
وأضاف أن "القضية بالنسبة للأعراف الدبلوماسية الجزائرية لا تتعلق بنزاع بين بلدين أو بعملية إرهابية، وإنما بمواطن سعودي مات داخل قنصلية بلده، وبما أن الجزائر لم يُطلب منها التدخّل أو المشاركة في أي تحقيق في هذا الشأن، فهي في موقع المتابع باهتمام لتطورات الوضع ولا ترى أي مصلحة لها في إبداء موقف".
لكن مراقبين يجدون أن التعاطي الرسمي الجزائري مع تطورات قضية خاشقجي، يرتبط بمحاذير باتت تحكم المواقف الجزائرية إزاء الرياض. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر، مبروك كاحي، لـ"العربي الجديد"، إنه من الواضح أن "الجزائر تتعامل بحذر مع السعودية، والتصريحات تجاهها عادة ما تكون مدروسة على مستويات عليا"، مشيراً إلى أن "الجزائر بعد التقارب مع الرياض الذي جنت منه الأولى مكسب وضع سقف لسعر إنتاج النفط من أجل إنعاش الأسعار وتجاوز أزمتها المالية، ليست لديها الرغبة في العودة إلى التباعد مع الرياض بعد سخط سعودي من المواقف الجزائرية المعارضة لعزل سورية وحل أزمتها المناقض للطرح السعودي، ورفض الجزائر الانخراط في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وعدم الانخراط في عاصفة الحزم ضد اليمن، والموقف الجزائري من الأزمة الليبية".