الصندوق... (قصة قصيرة)
تعب من الجري، اقترب من حائط متسخ وجلس هناك، تظاهر بالنوم، لكنه لم يتظاهر بأنه يرتجف من شدة البرد القارس في هذه الليلة من ليالي يناير/ كانون الثاني. قطرات من المطر الرقيق بدأت تطرق رأسه وعينيه، لكنه استمر في التظاهر بالنوم، لعل ذلك أفضل من عدم النوم بتاتا.
صمت رهيب.. صمت رهيب..
ماء بارد على وجهه البريء، وظلام دامس يغطي عينيه الناعستين. هناك تحت الحائط، رأى من بعيد امرأة عجوزا تحمل صندوقا آتية نحوه بسرعة، كان قد رأى هذه العجوز من قبل لكنه لم يتذكر أين أو متى، لكنه التقاها من قبل، كان متأكدا من ذلك حتما.
ظلت العجوز تحدق فيه لمدة طويلة وهي تحمل ذلك الصندوق الخشبي بين يديها الخشنتين. انحنت العجوز الغريبة على ركبتيها لتواجهه ثم فتحت فمها لكنها لم تستطع التحدث ثم اقتربت منه أكثر، تحدثت بهدوء تام:
- هل تتذكرني؟
لم يُرد الشاب الذي يرتجف من شدة البرد أن يقول الحقيقة، فطيلة حياته وهو يكذب على الجميع، حتى على نفسه، فهو يكره الحقيقة.
- لا، لم أرك من قبل أبدا.
ابتسمت العجوز ابتسامة مخيفة، كانت أسنانها بيضاء وسوداء وكبيرة الحجم، كانت تبدو في ذلك الظلام كوحش أسطوري. وضعت الصندوق الخشبي على الأرض المبتلة، وأخرجت مفتاحا ذهبيا من جيبها بسرعة، كان المفتاح صغيرا جدا ويحمل بعض الرموز الغريبة على رأسه ثم فتحت الصندوق بهدوء شديد. قامت هذه العجوز الغريبة بإشارة إلى الشاب معناها أن ينظر إلى الداخل، ارتجف الشاب ولكن هذه المرة من شدة الخوف، لم يكن يريد أن ينظر أو حتى أن يعرف ما بداخل الصندوق، رفع يده مشيرا للغريبة أن تتوقف، ثم قال لها بغضب:
- لا أريد أن أرى! لا أريد أن أرى! أبعدي هذا الصندوق عن ناظري! أرجوك.
لكن الصندوق ما زال يقترب بسرعة، حتى وصل بالقرب من وجه الشاب، الذي أغمض عينيه ووضع يديه على أذنيه، وبدأ بالبكاء. قطرات من الدموع الغليظة بدأت تسيل على وجنتيه، كان يتوسل أن يُشعَل ضوء ما في الشارع، أو أن تشرق الشمس من جديد، ليتمكن من الهرب مرة أخرى من هذه الأمور التي تحدث له. تذكر الآن، تذكر الآن أن العجوز الغريبة كانت تأتيه في منامه، وتحمل صندوقا خشبيا كل مرة، لكنه كان يستيقظ من أحلامه أو بالأحرى كوابيسه قبل أن يكتشف ما بداخل الصندوق. فتح عينيه، فلم يجد الغريبة هناك، فقط الكتلة الخشبية على الأرض وبجانبها المفتاح ذو الرموز الغريبة. حمل المفتاح، ووضعه بين يديه، كان أمرا عجيبا أنه يستطيع الرؤية في تلك الظلمة الحالكة، فجأة، أُشعل ضوء إنارة كان فوقه مباشرة، ضوء أصفر باهت لكنه يفي بالغرض ليبصر ما بداخل الصندوق. وضع المفتاح في ثقب الصندوق وفتحه.
كانت نسخة صغيرة منه داخل الصندوق نائمة، أو تتظاهر بالنوم كما يفعل دائما. حملق في نفسه ثم حدق في النسخة المصغرة من العجوز الغريبة وهي آتية نحو نسخته المصغرة داخل الصندوق بصندوق مصغر خشبي. "هذا ليس حلما"، هكذا ردد بشرود، "هذا ليس حلما بالتأكيد".