09 نوفمبر 2024
الصين في عام 2019
نظرياً، يبدو عام 2019 ذا طبيعة رمزية خاصة في تاريخ الصين المعاصرة؛ ففيه تبلغ الجمهورية الشعبية التي تأسست في أكتوبر/ تشرين الأول 1949 عامها السبعين، بالتزامن مع مرور ثلاثين سنة كاملة على أخطر احتجاجاتٍ واجهها الحزب الشيوعي خلال حكمه البلاد، متمثلة في مظاهرات ميدان تيان آن مين الطالبية الشهيرة عام 1989. لكن أي مطّلع على أحوال الصين من الداخل يدرك ببساطة أن هذه الأرقام، على الرغم من رمزيتها، ليس لها صدى كبير في تسيير أحوال الجمهورية هذه الأيام، وهي الماضية عاماً بعد عام نحو آفاق متجدّدة في تمتين قدراتها الاقتصادية والعسكرية سواء بسواء، من دون كثير التفات نحو الماضي، ولا تمسك به.
وبينما يستذكر بعض الإعلام الغربي أحداث تيان آن مين، تحضيراً لذكراها الثلاثين، متوقعاً حدوث اضطرابات طالبية مماثلة، كما فعلت مجلة إيكونوميست البريطانية، فإن أي مراقبٍ موضوعيٍّ لأحوال البلاد في العقود الثلاثة الماضية، يمكنه القول، بارتياح شديد، إن تلك الأحداث لم يعد لها أثر اليوم، لا في بكين العاصمة، حيث وقعت الاحتجاجات، ولا في أي من المدن الصينية الكبرى، ولا في غيرها.
والسبب ببساطة أن أحوال التنمية تغيّرت كثيراً في الصين عبر هذه العقود، وتحوّل الصينيون من شعبٍ فقيرٍ إلى شعبٍ يعيش نتائج التنمية، وينعم بثمارها. وثمّة فارق كبير بين الوضع الراهن وما كانت عليه الأحوال، يوم اعتصم آلافٌ من طلبة الجامعات في ميدان تيان آن مين، الواقع في مركز العاصمة، عند بوابة القصر الإمبراطوري القديم، رافعين شعاراتٍ إصلاحيةً تتعلق بمكافحة الفساد، ووقف امتيازات أبناء المسؤولين، وإتاحة حرية التجمع، وصولاً إلى إضراب مئاتٍ منهم عن الطعام في الميدان نفسه، حتى تدخل الجيش وقمع الاحتجاجات بالقوة، فيومها لم تكن سياسة الإصلاح والانفتاح قد آتت أُكلها بعد، ولم يكن رائد النهضة الصينية، الزعيم دينغ شياو بينغ، قد برّ بتعهده الذي قال فيه: "اتركوا السياسة لي، وأنا أقودكم إلى النهضة".
أما اليوم، فالصين في حال آخر، ولو كان الأمر غير ذلك، لما صمت الصينيون على تغيير الدستور الصيني، قبل نحو عام، ليُتاح للرئيس الحالي البقاء في الحكم مدى الحياة، لكن الصينيين لم يعترضوا على ذلك، فما يهمهم هو التحسّن المضطرد في أحوال المعيشة الذي يلمسونه فعلياً، لا من يتولى مقعد الرئاسة، وقد كان الاعتراض على تغيير الدستور أولى من إحياء ذكرى احتجاجات الميدان!
ولكن الإعلام الغربي، ومن دون تعميم بالطبع، يستطيب التباكي على حقوق الإنسان الصيني، وتصويرها قضية القضايا لدى الصينيين. ومن الموضوعي القول إن الصين لا توفر "حقوق الإنسان" بحسب مفهومها الغربي، وثمّة ملاحظات عديدة في هذا المجال، لكن ذلك لا يجوز أن يعمي المراقبين عن ارتفاع متوسط دخل الفرد الصيني من 5160 يوانا في عام 1997 إلى 13786 يوانا في عام 2007، ثم إلى 25974 يوانا (أي 4033 دولارا أميركيا) في عام 2017، مع ما تنطوي عليه هذه المسألة من أهميةٍ بالنسبة لدولةٍ ناميةٍ عاشت الاحتلال والفقر، قبل أن تصبح اليوم صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتسعى إلى التربع على عرش الاقتصاد العالمي خلال العقود الثلاثة المقبلة. ولو قيّض لأي من دول العالم الثالث أن تنجز ما أنجزته الصين من تنميةٍ ينعم بها الشعب، ولا تختصّ بها الحكومة، لما عرفت تلك البلاد احتجاجاً من أي نوع!
الصين اليوم في وادٍ آخر. هذا هو ملخص الحال. إنها اليوم تنظر خارج الحدود، وتسعى إلى التحول إلى دولة عظمى ذات حضور في العالم، ولبناء تحالفاتٍ جديدة، فضلاً عن بناء نفوذ جديد. أما في الداخل، فقد طويت صفحة الماضي: العدالة في توزيع ثمار التنمية في أفضل حالاتها منذ تحوّل البلاد إلى الإصلاح والانفتاح قبل أربعين عاماً، والفساد تجري مكافحته على قدم وساق فعلياً منذ تسلم الزعيم الكاريزمي الحالي، شي جين بينغ، مقاليد السلطة أواخر عام 2012، والصناعات الصينية ماضيةٌ في تحقيق قفزاتٍ كبرى، بعد عقود من إنتاج الصناعات المقلّدة، والأهم من ذلك كله أن "عقل الدولة" يعمل بحكمةٍ ورويةٍ تضمنان للبلاد حفاظها على نجاحاتها، وإنجاز المزيد.
والسبب ببساطة أن أحوال التنمية تغيّرت كثيراً في الصين عبر هذه العقود، وتحوّل الصينيون من شعبٍ فقيرٍ إلى شعبٍ يعيش نتائج التنمية، وينعم بثمارها. وثمّة فارق كبير بين الوضع الراهن وما كانت عليه الأحوال، يوم اعتصم آلافٌ من طلبة الجامعات في ميدان تيان آن مين، الواقع في مركز العاصمة، عند بوابة القصر الإمبراطوري القديم، رافعين شعاراتٍ إصلاحيةً تتعلق بمكافحة الفساد، ووقف امتيازات أبناء المسؤولين، وإتاحة حرية التجمع، وصولاً إلى إضراب مئاتٍ منهم عن الطعام في الميدان نفسه، حتى تدخل الجيش وقمع الاحتجاجات بالقوة، فيومها لم تكن سياسة الإصلاح والانفتاح قد آتت أُكلها بعد، ولم يكن رائد النهضة الصينية، الزعيم دينغ شياو بينغ، قد برّ بتعهده الذي قال فيه: "اتركوا السياسة لي، وأنا أقودكم إلى النهضة".
أما اليوم، فالصين في حال آخر، ولو كان الأمر غير ذلك، لما صمت الصينيون على تغيير الدستور الصيني، قبل نحو عام، ليُتاح للرئيس الحالي البقاء في الحكم مدى الحياة، لكن الصينيين لم يعترضوا على ذلك، فما يهمهم هو التحسّن المضطرد في أحوال المعيشة الذي يلمسونه فعلياً، لا من يتولى مقعد الرئاسة، وقد كان الاعتراض على تغيير الدستور أولى من إحياء ذكرى احتجاجات الميدان!
ولكن الإعلام الغربي، ومن دون تعميم بالطبع، يستطيب التباكي على حقوق الإنسان الصيني، وتصويرها قضية القضايا لدى الصينيين. ومن الموضوعي القول إن الصين لا توفر "حقوق الإنسان" بحسب مفهومها الغربي، وثمّة ملاحظات عديدة في هذا المجال، لكن ذلك لا يجوز أن يعمي المراقبين عن ارتفاع متوسط دخل الفرد الصيني من 5160 يوانا في عام 1997 إلى 13786 يوانا في عام 2007، ثم إلى 25974 يوانا (أي 4033 دولارا أميركيا) في عام 2017، مع ما تنطوي عليه هذه المسألة من أهميةٍ بالنسبة لدولةٍ ناميةٍ عاشت الاحتلال والفقر، قبل أن تصبح اليوم صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتسعى إلى التربع على عرش الاقتصاد العالمي خلال العقود الثلاثة المقبلة. ولو قيّض لأي من دول العالم الثالث أن تنجز ما أنجزته الصين من تنميةٍ ينعم بها الشعب، ولا تختصّ بها الحكومة، لما عرفت تلك البلاد احتجاجاً من أي نوع!
الصين اليوم في وادٍ آخر. هذا هو ملخص الحال. إنها اليوم تنظر خارج الحدود، وتسعى إلى التحول إلى دولة عظمى ذات حضور في العالم، ولبناء تحالفاتٍ جديدة، فضلاً عن بناء نفوذ جديد. أما في الداخل، فقد طويت صفحة الماضي: العدالة في توزيع ثمار التنمية في أفضل حالاتها منذ تحوّل البلاد إلى الإصلاح والانفتاح قبل أربعين عاماً، والفساد تجري مكافحته على قدم وساق فعلياً منذ تسلم الزعيم الكاريزمي الحالي، شي جين بينغ، مقاليد السلطة أواخر عام 2012، والصناعات الصينية ماضيةٌ في تحقيق قفزاتٍ كبرى، بعد عقود من إنتاج الصناعات المقلّدة، والأهم من ذلك كله أن "عقل الدولة" يعمل بحكمةٍ ورويةٍ تضمنان للبلاد حفاظها على نجاحاتها، وإنجاز المزيد.