الصين.. وصناعة التضليل

05 أكتوبر 2015
شكوك حول الأرقام الرسمية عن الناتج المحلي الإجمالي للصين(Getty)
+ الخط -
هناك، دائماً، مشكلة نواجهها في تصديق البيانات الاقتصادية المعلنة من الحكومات: هل يمكن أن نثق في الحكومة التي تزود هذه البيانات والإحصائيات؟ لدينا اليونان خير مثال على ذلك، فقد كان اليونانيون يؤكدون مراراً وتكراراً لدائنيهم أن أرقامهم الرسمية المعلنة كانت تفي بأهداف مبادئ "ماستريخت"، إلى أن اكتشفنا، أخيراً، أن هذه البيانات قد تم التلاعب بها سنوات من الحكومات اليونانية المتعاقبة.

وهذا يقودنا إلى الصين والإحصاءات الاقتصادية هناك، فمع بدء ظهور علامات عن تباطؤ اقتصادي سريع في الصين، دفعت أسواق المال الصينية نظيرتها العالمية إلى التراجع الحاد خلال الأسابيع الماضية، ودخل مؤشر الأسهم الأميركي "داو جونز الصناعي"، نتيجة لذلك، عملية تصحيحية عميقة للمرة الأولى منذ عام 2011. وعلى على الرغم من إعلان الحكومة الصينية عن تدابير داعمة لأسواق المال بقيمة تجاوزت تريليون دولار، إلا أن أسواق الأسهم واصلت مسارها الهبوطي الذي امتد، منذ بدء تعثرها في يونيو/حزيران الماضي. وزادت حدة التراجعات، أخيراً، عندما تم الإعلان عن بيانات أظهرت انتكاسة في الأداء التصنيعي للاقتصاد الصيني مسجلاً تراجعاً هو الأدنى في ست سنوات، ما أثار هلع المستثمرين وقلقهم.

اقرأ أيضا: جورجيا تنهض مجدداً

في الحقيقة، أن المشكلة التي تعاني منها أسواق الصين وبقية العالم لا تقتصر فقط على أن التباطؤ الاقتصادي في الصين، الذي كان من المتوقع حدوثه منذ فترة طويلة، قد بدأت معالمه بالظهور بشكل أسرع مما كان متوقعاً، بل لئلا أحد لديه أي فكرة عن حجم الأضرار التي سيتعرض لها الاقتصاد الصيني. على الرغم من ذلك، فإن متعاملي الأسواق المالية، من محللين ومستثمرين واستشاريين، باتوا متفقين أن هذا التباطؤ سيستمر أشهراً عدة، وربما سنوات.

والآن، وبعد أن وقع الفأس في الرأس، بدأ الجميع، بدون استثناء، يتلمس مأساة التقلبات الكارثية على أرض الواقع، فالصين تعاني من قلة البيانات التي يمكن الوثوق فيها دون تعرضها للتلاعب، وتاريخ طويل من انعدام الشفافية فيما يتعلق بأوضاع الشركات الكبرى، وأداء الفريق الاقتصادي الحكومي، وحجم الديون المعدومة لدى المصارف، ما يجعل هذه البيانات عرضة للتأويل والتخمين. وهذا يعني، بالضرورة، أنه لا يمكن لأحد أن يتوقع، على وجه اليقين، ما سيحدث في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ إن حالة عدم اليقين بشأن نمو الاقتصاد الصيني هي السبب الأساسي في تأرجح الأسواق العالمية. رئيس الوزراء الصيني، "لي كه تشانغ"، نفسه، كان قد صرح في السابق أن بيانات النمو الاقتصادي "من صنع الإنسان، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها".

اقرأ أيضا: لوكسمبورغ قلب أوروبا النابض

على مدى سنوات طويلة، شكك كثيرون في دقة وسلامة الأرقام الرسمية المعلنة عن الناتج المحلي الإجمالي للصين، على سبيل المثال، واعتبروها بمثابة "تمثيلية هزلية" تُدار بعناية فائقة. وهناك، أيضاً، من يعتقد أن أحجاماً ضخمة من الديون المعدومة لم يتم الإفصاح عنها من السلطات الصينية المعنية، ولا أحد، خارج البنوك نفسها، قادر على معرفة حجمها الحقيقي. وقد يكون هذا سبب ردة فعل الأسواق الحادة على البيانات "الأولية" المتعلقة بـ "مؤشر مديري المشتريات التصنيعي" الصيني، الذي يُعتبر واحداً من المؤشرات "المستقلة" القليلة التي تقيس نمو الصناعات التحويلية في الصين، حيث تُجمع البيانات من شركة "ماركيت" برعاية وسيلة الإعلام الصينية (كيزن). في الواقع، لدى الحكومة الصينية "مؤشر مديري المشتريات التصنيعي" الخاص بها، ولكن ما هو مستغرب وغير مفهوم أن هذا الرقم دائماً ما يأتي مساوياً أو أعلى من الرقم المعلن من شركة "ماركيت"!

وأخيراً، سمحت الصين لصناديق معاشات التقاعد التي تديرها حكومات محلية في البلاد بالاستثمار في بورصة الأسهم لأول مرة، واتبعتها بقرار يفضي إلى خفض جديد على أسعار الفائدة، ما قد يؤذن بتدفق مئات المليارات على البورصة المضطربة. ولكن بدلاً من أن تكون الخطوة مصدر إلهام للمستثمرين، فإنها، كغيرها من برامج تحفيز الأسواق السابقة، جعلتهم أكثر قلقاً بشأن المستقبل الاقتصادي للصين، حيث واصلت البورصة تدهورها الحاد وفقدت أكثر من 11% من قيمتها منذ اتخاذ الحكومة هذه القرارات.

اقرأ أيضا: دعائم الاقتصاد البرازيلي

ليس هناك شك في أن الاقتصاد الصيني نما بوتيرة سريعة، خلال التاريخ الحديث، على الرغم من ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة وجود اختلافات هائلة بين الإحصائيات الرسمية عند مقارنتها بنظيراتها من الخارج.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون