عندما أعلنت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن، مطلع العام 2017، عن تصنيع طائرات من دون طيار، وأقامت عرضاً لها في صنعاء، استقبل أغلب المتابعين ومؤيدي الحكومة والتحالف السعودي الإماراتي، الخطوة بالتقليل من أهميتها، بل والسخرية منها. لكن كيف باتت هذه الطائرات السلاح الاستراتيجي الأخطر لدى الحوثيين، كما أوضحت تطورات الشهور الأخيرة، وصولاً إلى استهداف محطتي ضخ لخط أنابيب نفطية في السعودية، ما أدى إلى توقفه؟
وفي الساعات الأولى لانطلاق عملية "عاصفة الحزم"، في 26 مارس/آذار 2015، أعلن التحالف أنه تمكن من تدمير القوة الجوية الخاضعة للحوثيين، بعدما استخدمت الجماعة وحلفاؤها المقاتلات الحربية لاستهداف القصر الرئاسي بعدن أثناء تواجد الرئيس عبدربه منصور هادي فيه، قبل أن يغدو من شبه المستحيل إقلاع أي طائرة حربية في مناطق الحوثيين، خصوصاً مع الغارات الجوية التي قصفت مختلف القواعد الجوية. وبينما سعى الحوثيون أكثر من مرة، لتفعيل أنظمة الدفاع الجوي المعطلة، والتي كانت بحوزة الجيش اليمني، تؤكد مصادر في قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية، لـ"العربي الجديد"، أن استخدام الحوثيين طائرات استطلاع مسيرة بدأ ميدانياً منذ مطلع العام 2016، على الأقل، حين أعلنت القوات الحكومية إسقاط أكثر من طائرة استطلاعية للحوثيين، في مأرب ومديرية ميدي في محافظة حجة الحدودية مع السعودية. لكن حتى ذلك الحين، لم تكن الطائرات تبتعد كثيراً عن تلك التي تحمل كاميرات التصوير ويمكن امتلاكها بأسعار زهيدة.
وفي 10 فبراير/شباط 2017، ظهر زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في خطاب متلفز، أعلن فيه بدء جماعته عملية تصنيع للطائرات المسيرة (درونز). وفي أواخر الشهر نفسه، نظمت الجماعة في صنعاء معرضاً لطائرات هجومية واستطلاعية، هي "الهدهد" و"راصد" و"رقيب" و"قاصف 1". وعلى الرغم من محدودية العمليات التي نفذتها الجماعة باستخدام هذه الطائرات خلال العام 2017، إلا أنها استحوذت على نصيب في تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي عن اليمن للعام نفسه، إذ استنتج الفريق أن الطائرة "قاصف 1" متوسطة الحجم تتطابق تقريباً في التصميم والأبعاد مع طائرة "أبابيل تي" التي تصنعها شركة إيران لتصنيع الطائرات.
عقب ذلك، شهد العام 2018 تصعيداً نوعياً من قبل الحوثيين تجاه السعودية. واعتباراً من مارس/آذار 2018، أعلنوا إطلاق عدد كبير من الصواريخ الباليستية باتجاه السعودية، أغلبها قصيرة المدى باتجاه المناطق الحدودية. كما دخلت الطائرات المسيرة على الخط، من خلال إعلان الجماعة عن تنفيذ عمليات مشتركة للقوة الصاروخية و"سلاح الجو المسيّر"، وأعلنت عن استهداف مطار أبها الإقليمي بالسعودية، فيما أكد التحالف تدمير طائرة من دون طيار كانت تستهدف المطار في 11 إبريل/نيسان 2018. واعتباراً من يونيو/حزيران الماضي أوقف الحوثيون صواريخهم الباليستية باتجاه السعودية إلى حد كبير، وبدأت الجماعة تبرز أكثر فأكثر في مجال الطائرات من دون طيار، إذ أعلنت في يوليو/تموز 2018 استهداف مطار أبو ظبي، وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه تم استهداف مطار دبي بطائرة مسيرة أطلقت عليها اسم "صماد 3" تيمناً باسم القيادي البارز في الجماعة صالح الصماد، والذي قتل بغارة جوية للتحالف في إبريل العام الماضي.
وجاء مطلع العام 2019 بتحول نوعي للطائرات المسيرة التابعة للحوثيين، إذ استطاعت طائرة مفخخة اختراق قاعدة "العند" الجوية (أكبر قاعدة عسكرية في اليمن) بمحافظة لحج جنوبي اليمن، أثناء تنظيم القوات الحكومية استعراضاً لتدشين العام الجديد، بحضور عدد من القادة العسكريين والمسؤولين، بما فيهم رئيس هيئة الأركان العامة اللواء عبد الله النخعي. وأسفر الهجوم عن إصابة العديد من القيادات، توفي على أثرها مسؤولون، أبرزهم رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية اللواء محمد صالح طماح ونائب رئيس الأركان اللواء صالح الزنداني. وهذه كانت المرة الأولى التي تتمكن فيها الطائرات الحوثية المسيرة، من اختراق قاعدة عسكرية على درجة كبيرة من الأهمية، وتصل إلى قيادات رفيعة المستوى في الجيش. وأعلن الناطق العسكري للقوات الموالية للحوثيين يحيى سريع، في يناير/كانون الثاني الماضي، عن تحقيقهم قفزات نوعية في "مجال تصنيع الطيران المسير"، معتبراً أن 2019 سيكون "عام الطيران المسير"، وأنهم قادرون على "إنتاج طائرة مسيرة كل يوم".
وفي أعقاب ذلك، تحولت الطائرات من دون طيار إلى أبرز هدف، أو مبرر، يقدمه التحالف لغاراته الجوية، إذ نفذ عدداً كبيراً من الضربات في صنعاء ومحافظات أخرى، أعلن خلالها عن تدمير شبكات التحكم والتوجيه والإطلاق الخاصة بالطائرات المسيرة. لكن الجماعة عادت لتنفذ ضربات خطيرة، في إبريل الماضي، من خلال محاولة استهداف مواقع في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت، أثناء التحضير لانعقاد البرلمان، للمرة الأولى، وبعد أن أحضرت القوات السعودية بطارية "باتريوت" للدفاع الجوي، تحسباً لأي هجوم جوي أو صاروخي أو بطائرات مسيرة من قبل الحوثيين. الجدير بالذكر، أن تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن حول العام 2018، أفرد صفحات تفصيلية للتقصي بالتطور الحاصل في مجال الطائرات المسيرة للحوثيين، وأشار إلى أنه ابتداءً من أغسطس/آب 2018، بدأ يلاحظ انتشار طائرات مسيرة من دون طيار طويلة المدى ما يسمح لقوات الحوثيين بضرب أهداف في عمق السعودية والإمارات، موضحاً أنه "استناداً إلى الأدلة المتاحة، لاحظ الفريق أنه خلافاً لما حصل في عامي 2015 و2016 عندما استخدمت قوات الحوثيين منظومات أسلحة كاملة، أو مجمّعة تجميعاً جزئياً مورّدة من الخارج، مثل القذائف التسيارية (الباليستية) قصيرة المدى المعدلة لإطالة مداها، فهي تعتمد حالياً بصورة متزايدة على استيراد مكونات عالية القيمة تُدمَج بعد ذلك في منظومات أسلحة مجمعة محلياً، مثل الطائرات المسيرة من دون طيار طويلة المدى".