المشهد الأميركي المضطرب حالياً فيه أكثر من جبهة مشتعلة. واحدة منها الحرب بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والصحافة، أو بالأحرى حربه عليها. في آخر تغريدة له، حمّلها مسؤولية حالة "النقمة والكراهية السائدة اليوم في أميركا"، بسبب تغطيتها "التي طالما سميتها بالأخبار المزيفة" كما قال. معزوفة كرّرها منذ بداية رئاسته وفي شتى المناسبات، وهي مشتقة عن نظرته للصحافة بأنها "عدو الشعب"، كما عرّفها في بدايات حملته الانتخابية للرئاسة في عام 2016. ومنذ ذلك الحين تواصل التراشق بينهما.
وسط هذا التنافر المتبادل، وعشية انتخابات نصفية ساخنة وفاصلة للكونغرس في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، جاءت قضية الطرود المفخخة لتفاقم العلاقة وتشحن الأجواء بمزيد من التأزم، إذ إنها استهدفت 13 شخصية حتى الآن، من خصوم الرئيس. الأمر الذي أدّى إلى تعميق الهوة وشبه استحالة ردمها بين الطرفين. ترامب يتهم وسائل الإعلام بتأجيج الأوضاع عن سابق تصوّر وتصميم، لإلحاق الأذى برئاسته، وهي تحمّل ترامب مسؤولية تشجيع التطرف الذي كانت عملية الطرود المشبوهة آخر منتجاته. تطور ارتبط بهذه الأجواء، وأثار مخاوف حقيقية من احتمال حصول تدهور يخرج عن السيطرة، في ظل واقع أصبحت أميركا معه تبدو وكأنها "بلدان وشعبان"، على حد تعبير الكاتب والسياسي المحافظ باتريك بيوكانن، أو كأنها مهددة "بالتمزق"، كما قال مرة السناتور جاف فلاك.
الثابت الذي لا جدال فيه أن ترامب والصحافة لا يتعايشان. فهو لا يطيق دورها الكاشف، ولا يتحمل رقابتها ولا يتقبل مطاردتها للفوضى والتخبط في إدارته، وهي لن تتخلّى عن دورها ومبرر وجودها، الذي يكفله الدستور. وبذلك لم يعد سراً أنه مناوئ للصحافة والصحافيين الذين طالما حرّض أنصاره عليهم، خلال مهرجاناته الانتخابية. هذا النفور من الصحافة لعب دوره في فتور موقفه من مقتل الكاتب والصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول. منذ البداية كان تعاطفه مع المغدور على درجة كبيرة من الالتباس والضبابية. لم يتحدث بلغة قوية عن المحاسبة في هذه الجريمة، وعمل على شراء الوقت، كما على ترويج فكرة "القتلة المارقين". وإذ أعرب ترامب، تحت ضغوط الإعلام والكونغرس، عن استيائه من التخريجة السعودية، إلا أنه في الوقت ذاته دفع باتجاه منح الرياض فرصة شهر "للتحقيق" في القضية وملابساتها.