الطرود المشبوهة تجدد حرب ترامب على الصحافة

28 أكتوبر 2018
الثابت أن ترامب والصحافة لا يتعايشان (بيتي موروفيتش/ Getty)
+ الخط -
المشهد الأميركي المضطرب حالياً فيه أكثر من جبهة مشتعلة. واحدة منها الحرب بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والصحافة، أو بالأحرى حربه عليها. في آخر تغريدة له، حمّلها مسؤولية حالة "النقمة والكراهية السائدة اليوم في أميركا"، بسبب تغطيتها "التي طالما سميتها بالأخبار المزيفة" كما قال. معزوفة كرّرها منذ بداية رئاسته وفي شتى المناسبات، وهي مشتقة عن نظرته للصحافة بأنها "عدو الشعب"، كما عرّفها في بدايات حملته الانتخابية للرئاسة في عام 2016. ومنذ ذلك الحين تواصل التراشق بينهما.

وسط هذا التنافر المتبادل، وعشية انتخابات نصفية ساخنة وفاصلة للكونغرس في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، جاءت قضية الطرود المفخخة لتفاقم العلاقة وتشحن الأجواء بمزيد من التأزم، إذ إنها استهدفت 13 شخصية حتى الآن، من خصوم الرئيس. الأمر الذي أدّى إلى تعميق الهوة وشبه استحالة ردمها بين الطرفين. ترامب يتهم وسائل الإعلام بتأجيج الأوضاع عن سابق تصوّر وتصميم، لإلحاق الأذى برئاسته، وهي تحمّل ترامب مسؤولية تشجيع التطرف الذي كانت عملية الطرود المشبوهة آخر منتجاته. تطور ارتبط بهذه الأجواء، وأثار مخاوف حقيقية من احتمال حصول تدهور يخرج عن السيطرة، في ظل واقع أصبحت أميركا معه تبدو وكأنها "بلدان وشعبان"، على حد تعبير الكاتب والسياسي المحافظ باتريك بيوكانن، أو كأنها مهددة "بالتمزق"، كما قال مرة السناتور جاف فلاك.

ووصف ترامب، خلال مشاركته في تجمّع انتخابي في ولاية كارولاينا الشمالية، الطرود المفخّخة التي أُرسلت إلى عدد من معارضيه بأنّها "عمل إرهابي" يستحقّ "أقصى عقوبة ينصّ عليها القانون". وقال إنّ "العنف السياسي يجب ألا يُسمح به أبداً في أميركا، وسأبذل قصارى جهدي لوقفه". وفيما أعلنت وزارة العدل الأميركية توقيف سيزار سايوك (56 عاماً) بتهمة إرسال الطرود المفخخة، أفادت وسائل إعلام عديدة بأنّه راقص تعرٍّ سابق، وذو سوابق قضائية كثيرة، وأنّه من أنصار ترامب المتشدّدين للغاية.

الثابت الذي لا جدال فيه أن ترامب والصحافة لا يتعايشان. فهو لا يطيق دورها الكاشف، ولا يتحمل رقابتها ولا يتقبل مطاردتها للفوضى والتخبط في إدارته، وهي لن تتخلّى عن دورها ومبرر وجودها، الذي يكفله الدستور. وبذلك لم يعد سراً أنه مناوئ للصحافة والصحافيين الذين طالما حرّض أنصاره عليهم، خلال مهرجاناته الانتخابية. هذا النفور من الصحافة لعب دوره في فتور موقفه من مقتل الكاتب والصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول. منذ البداية كان تعاطفه مع المغدور على درجة كبيرة من الالتباس والضبابية. لم يتحدث بلغة قوية عن المحاسبة في هذه الجريمة، وعمل على شراء الوقت، كما على ترويج فكرة "القتلة المارقين". وإذ أعرب ترامب، تحت ضغوط الإعلام والكونغرس، عن استيائه من التخريجة السعودية، إلا أنه في الوقت ذاته دفع باتجاه منح الرياض فرصة شهر "للتحقيق" في القضية وملابساتها.

وثمة قاسم مشترك بين ترامب وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في علاقتهما بالصحافة. كلاهما ينبذها ويعاديها. الفارق أن الرئيس الأميركي ينتقد، فيما ولي العهد السعودي ينتقم. وحتى الانتقاد هدأ نسبياً في الأيام الأخيرة. قصة الطرود واقتراب استحقاق الانتخابات خففا الضغوط عن الإدارة، لكن سيرة الجريمة ما زالت تحتفظ بحضور عنيد في الصحافة الأميركية، وحتى في الكونغرس، حيث جرى طرح مشروع قانون في مجلس النواب لوقف بيع الأسلحة للسعودية. وإذا كان من غير المتوقع أن يتم تغييب هذه القضية وراء غبار التطورات السياسية والأمنية الجارية، إلا أن هناك بوادر تحرك لإعادة "التطبيع" من خلال التشديد على ضرورة تقديم "حماية العلاقات" مع المملكة على قضية المحاسبة في جريمة خاشقجي. ويتبدّى ذلك عبر تداول بدائل من نوع "تجميد الاتصالات الرسمية رفيعة المستوى" مع الرياض و"تعليق الدعم للحملة الجوية السعودية في حرب اليمن"، فضلاً عن "تجميد الأصول وبيع الأسلحة وحظر السفر"، كخطوات يمكن تقديمها "كعقوبة" على مقتل خاشقجي.

المساهمون