أخيرا، تنحني أسوار القصر الملكي في الرباط، ويطل المغاربة من الباب الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي، على أدق التفاصيل الخاصة بالعائلة الملكية، أولا بأول، بعد أن كان ذلك مستحيلا في العقود الماضية، وبالأخص في فترات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أيام حكم الملك الراحل الحسن الثاني.
المناسبة، حفل زفاف الأمير مولاي رشيد. فقد سبق التحضيرات للحفل حديث متواصل في وسائل الإعلام المغربية ومواقع التواصل، عن المناسبة السعيدة المنتظرة.
كان إعلان زواج الأمير، شقيق الملك محمد السادس حدثا في ذاته، بسبب عزوبية الأمير التي طالت، وأيضا في ظل التكهنات التي لاحقته، فمن تكون سعيدة الحظ تلك، التي استوت على عرش قلب الأمير؟
لم يكن هناك حرج، وربما، لأول مرة، في تناول الحياة الخاصة، لأمير له مكانته الخاصة في البلاد، كما أنه جرى التعامل بنوع من الليونة مع وسائل الإعلام في الموضوع، وفهم ذلك على أنه نوع من السماح بتتبع ومتابعة الحدث السعيد، من دون أن يحدث الأمر أي إزعاج في أوساط "التشريفات"، الجهة التي تشرف بروتوكوليا على كل ما يتعلق بحياة العائلة الملكية.
وهذا أمر، كما يعرف المغاربة، نادرا ما يحدث، فالكل يعرف، وبالأخص الجسم الصحافي في البلاد، أن وزارة التشريفات والقصور والأوسمة، كائن غير ناطق، وأن البيانات التي تقدم على تدبيجها في المناسبات الوطنية والخاصة، تتسم في الغالب، بلغتها الصارمة، التي لا تتيح أي إمكانية للتأويل.
وفي الفترات السابقة، التي سبقت انفتاح القصر الملكي على الرأي العام، كانت هذه الوزارة التي ترأسها عتاة السياسيين ومستشاري الملك الحسن الثاني، من أمثال اكديرة وبنسودة، شبه منغلقة على الرأي العام، ولا تتيح لوسائل الإعلام الوطنية الاقتراب من حياة العائلة الملكية.
لكن مجيء الملك محمد السادس إلى الحكم، سيغير من قواعد اللعب الإعلامي، وسيدفع قدما باتجاه التطبيع مع الحياة الخاصة داخل القصر. كانت الطفرة المعلوماتية ووسائل الاتصال الحديثة قد فرضت الأمر الواقع، ولم يعد ممكنا، التعاطي مع الحياة الجديدة في عالم، هو قرية صغيرة، بنفس العقلية القديمة.
كان المغاربة في السابق، يستقون أخبار من يحكمهم، عن طريق وسائل الإعلام الأجنبية، الفرنسية منها على وجه الخصوص. ولم يكن متاحا معرفة ما يجري في القصور، بسبب القبضة الحديدية لوزارة التشريفات والأوسمة، التي كانت الجدار الفاصل بين محيط الملك والأحزاب والنقابات والجمعيات، وعموم الناس.
الأسلوب الجديد للملك محمد السادس، حتّم على إدارة القصور أن تغير دورها، وربما سار بعيدا في اتجاه تحديثها وتهميش دورها القديم.
ولهذا الغرض، جيء برجال تواصل جدد من خريجي المعاهد العليا في علوم الاتصال، وأصبح العمل في مجال تسويق صورة الملك ومحيطه يتم على أساس الدراسات التواصلية التي تعي التحولات التي حصلت في عالمي الاتصال والميديا.
ففي السابق، كان الملك الراحل الحسن الثاني، بكاريزميته، يذهب إلى التلفزيون ليتحدث إلى المغاربة، كان أسلوبه المفضل، الحديث المباشر، ولا يقرأ خطبه من ورقة، بل كان يمسك في يده قلما ذهبيا، يمرر من يد ليد، أو يدير خاتمه في أصبعه. يتحدث مباشرة إلى الكاميرا، أو يرتجل أمام الحضور، من وزراء وشخصيات أو كفاءات علمية أو أكاديمية.
وعندما جاء الملك محمد السادس، غير هذا الأسلوب، كان يريد أن يعطي لعهده لمسته الخاصة، وفي هذا الإطار، انفتح على ما جادت به "قريحة" التكنولوجيا.
لقد استطاع، أن يجعل حياة القصر جزءا من يوميات المغاربة، ولأول مرة، ستعرض صور الملك وعائلته، في الشارع العام، في معارض مفتوحة لباعة جائلين، وفي جميع المدن المغربية.
صور الملك خارج البروتوكول، بـ "تيشرت" وملابس رياضية، وقمصان ملونة، وبلا حراسة، في الغابة أو باحة القصر أو مع عقيلته الأميرة لالة سلمى أو مع ولي عهده الأمير مولاي الحسن، أو في صور عائلية أخرى، صورة الأب، صورة الرياضي، وهو يمارس رياضته المفضلة "الجيت سكي" على حصانه البحري.
وسوف يذهب الحس التواصلي أبعد من ذلك، عندما سيجعل الملك محمد السادس، أسفاره الخاصة شأنا عاما، من خلال الإضاءة على بعض لحظاتها. وهكذا انتشرت صوره في مواقع التواصل في لمح البصر، مع أشخاص في مراكز تجارية في أوروبا، أو في زياراته بلداناً عربية، مثلما حدث أخيراً في تونس، حيث تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صوره، وهو يتجول في أحياء العاصمة التونسية ويلتقي الناس ويتحدث إليهم، من غير تكلف، ولا بروتوكول وبحراسة مخففة للغاية.
كان من عادة الملوك العلويين أن لا يظهروا زوجاتهم إلى الرأي العام، لكن مع محمد السادس، كسرت هذه القاعدة، وقبله تعرف المغاربة أيام محمد الخامس على أخوات الملك الحسن الثاني في المنفى، وبعد الاستقلال، تحرر الملك الحسن الثاني، وأظهر بناته، وقدمهن نموذجاً للمرأة المغربية المنفتحة على عصرها، وجاء محمد السادس، وأصبحت عقيلته جزءا من الحياة الاجتماعية، تتحرك وتمثل المغرب وتشرف على الأنشطة الاجتماعية.
يعتقد العديد من المحللين السياسيين أن انفتاح القصر الملكي، هو قرار سياسي، يراد منه جعل الملكية تتكيف مع مستجدات عصرها، ويعتقد هؤلاء أن هذا، ربما يقود، أو يسهل، في المستقبل الإقدام على إحداث خطوات إصلاحية كبيرة في تدبير الحكم.
فخلال خمسين سنة، لبست الملكية في المغرب، لبوس الحداثة وتكيفت مع المستجدات وتطور نظام حكمها.
ومحمد السادس، نفسه، يعبر أكثر من مرة، في خطبه، عن أن خيار الإصلاح لا محيد عنه. وربما في المستقبل سيعرف المغاربة شكل ملكية مختلفا، قد يتجاوز نقاش "ملكية دستورية" أم "ملكية برلمانية"؟
وليست التغطية الكبيرة التي حظي بها عرس الأمير مولاي رشيد، حادثا عارضا، بل هو أمر مفكر فيه بعناية، والأكيد أن خلية التواصل التي أشرفت على "تسريب" الفيديوهات والصور، كانت في غاية الذكاء، وهي تحوّل شأنا خاصا مثل الزواج، إلى شأن عام، بل وإلى نقاش ثقافي حول تقاليد الأعراس داخل البلاط الملكي.
فأكيد أن المغاربة يقيمون أعراسهم ويفرحون، لكنّ للعرس الملكي طعما خاصا وطقوسا، وله تقاليد "مرعيّة" عمرها قرون، ثم إن كشف الفضاء الملكي أمام الناس، يعد في حد ذاته حدثا كبيرا، من خلال الانتشار الكاسح على مواقع التواصل الاجتماعي خلال أكثر من ثلاثة أيام، وما يزال إلى اللحظة يشكل مادة دسمة في وسائل الإعلام المكتوب والإعلام الجديد.
حتى اللغة الحشرية لم تعدمها تلك المواقع، حول من حضر ومن لم يحضر، وأين كان يجلس الوزير الفلاني والشخصية العلانية، والحضور المنتقى في المائدة الملكية، وأشكال اللباس والأزياء ونوعية كؤوس "البلار"، حتى المطر نفسه لم ينج من التعليقات، حين طالب بعض رواد المواقع بأن يكف المطر قليلا، حتى يمر العرس الأميري على أكمل وجه.
كل هذا لم يكن مسموحا به في السابق، لنتذكر أن صحفا تلقت تقريعا بسبب نشرها صوراً بدون موافقة مسبقة من "التشريفات"، وأن بعضهم هدد بلغة الوعد والوعيد. حتى ليمكن القول الآن: كم هي بعيدة البارحة!
المناسبة، حفل زفاف الأمير مولاي رشيد. فقد سبق التحضيرات للحفل حديث متواصل في وسائل الإعلام المغربية ومواقع التواصل، عن المناسبة السعيدة المنتظرة.
كان إعلان زواج الأمير، شقيق الملك محمد السادس حدثا في ذاته، بسبب عزوبية الأمير التي طالت، وأيضا في ظل التكهنات التي لاحقته، فمن تكون سعيدة الحظ تلك، التي استوت على عرش قلب الأمير؟
لم يكن هناك حرج، وربما، لأول مرة، في تناول الحياة الخاصة، لأمير له مكانته الخاصة في البلاد، كما أنه جرى التعامل بنوع من الليونة مع وسائل الإعلام في الموضوع، وفهم ذلك على أنه نوع من السماح بتتبع ومتابعة الحدث السعيد، من دون أن يحدث الأمر أي إزعاج في أوساط "التشريفات"، الجهة التي تشرف بروتوكوليا على كل ما يتعلق بحياة العائلة الملكية.
وهذا أمر، كما يعرف المغاربة، نادرا ما يحدث، فالكل يعرف، وبالأخص الجسم الصحافي في البلاد، أن وزارة التشريفات والقصور والأوسمة، كائن غير ناطق، وأن البيانات التي تقدم على تدبيجها في المناسبات الوطنية والخاصة، تتسم في الغالب، بلغتها الصارمة، التي لا تتيح أي إمكانية للتأويل.
وفي الفترات السابقة، التي سبقت انفتاح القصر الملكي على الرأي العام، كانت هذه الوزارة التي ترأسها عتاة السياسيين ومستشاري الملك الحسن الثاني، من أمثال اكديرة وبنسودة، شبه منغلقة على الرأي العام، ولا تتيح لوسائل الإعلام الوطنية الاقتراب من حياة العائلة الملكية.
لكن مجيء الملك محمد السادس إلى الحكم، سيغير من قواعد اللعب الإعلامي، وسيدفع قدما باتجاه التطبيع مع الحياة الخاصة داخل القصر. كانت الطفرة المعلوماتية ووسائل الاتصال الحديثة قد فرضت الأمر الواقع، ولم يعد ممكنا، التعاطي مع الحياة الجديدة في عالم، هو قرية صغيرة، بنفس العقلية القديمة.
كان المغاربة في السابق، يستقون أخبار من يحكمهم، عن طريق وسائل الإعلام الأجنبية، الفرنسية منها على وجه الخصوص. ولم يكن متاحا معرفة ما يجري في القصور، بسبب القبضة الحديدية لوزارة التشريفات والأوسمة، التي كانت الجدار الفاصل بين محيط الملك والأحزاب والنقابات والجمعيات، وعموم الناس.
الأسلوب الجديد للملك محمد السادس، حتّم على إدارة القصور أن تغير دورها، وربما سار بعيدا في اتجاه تحديثها وتهميش دورها القديم.
ولهذا الغرض، جيء برجال تواصل جدد من خريجي المعاهد العليا في علوم الاتصال، وأصبح العمل في مجال تسويق صورة الملك ومحيطه يتم على أساس الدراسات التواصلية التي تعي التحولات التي حصلت في عالمي الاتصال والميديا.
ففي السابق، كان الملك الراحل الحسن الثاني، بكاريزميته، يذهب إلى التلفزيون ليتحدث إلى المغاربة، كان أسلوبه المفضل، الحديث المباشر، ولا يقرأ خطبه من ورقة، بل كان يمسك في يده قلما ذهبيا، يمرر من يد ليد، أو يدير خاتمه في أصبعه. يتحدث مباشرة إلى الكاميرا، أو يرتجل أمام الحضور، من وزراء وشخصيات أو كفاءات علمية أو أكاديمية.
وعندما جاء الملك محمد السادس، غير هذا الأسلوب، كان يريد أن يعطي لعهده لمسته الخاصة، وفي هذا الإطار، انفتح على ما جادت به "قريحة" التكنولوجيا.
لقد استطاع، أن يجعل حياة القصر جزءا من يوميات المغاربة، ولأول مرة، ستعرض صور الملك وعائلته، في الشارع العام، في معارض مفتوحة لباعة جائلين، وفي جميع المدن المغربية.
صور الملك خارج البروتوكول، بـ "تيشرت" وملابس رياضية، وقمصان ملونة، وبلا حراسة، في الغابة أو باحة القصر أو مع عقيلته الأميرة لالة سلمى أو مع ولي عهده الأمير مولاي الحسن، أو في صور عائلية أخرى، صورة الأب، صورة الرياضي، وهو يمارس رياضته المفضلة "الجيت سكي" على حصانه البحري.
وسوف يذهب الحس التواصلي أبعد من ذلك، عندما سيجعل الملك محمد السادس، أسفاره الخاصة شأنا عاما، من خلال الإضاءة على بعض لحظاتها. وهكذا انتشرت صوره في مواقع التواصل في لمح البصر، مع أشخاص في مراكز تجارية في أوروبا، أو في زياراته بلداناً عربية، مثلما حدث أخيراً في تونس، حيث تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صوره، وهو يتجول في أحياء العاصمة التونسية ويلتقي الناس ويتحدث إليهم، من غير تكلف، ولا بروتوكول وبحراسة مخففة للغاية.
كان من عادة الملوك العلويين أن لا يظهروا زوجاتهم إلى الرأي العام، لكن مع محمد السادس، كسرت هذه القاعدة، وقبله تعرف المغاربة أيام محمد الخامس على أخوات الملك الحسن الثاني في المنفى، وبعد الاستقلال، تحرر الملك الحسن الثاني، وأظهر بناته، وقدمهن نموذجاً للمرأة المغربية المنفتحة على عصرها، وجاء محمد السادس، وأصبحت عقيلته جزءا من الحياة الاجتماعية، تتحرك وتمثل المغرب وتشرف على الأنشطة الاجتماعية.
يعتقد العديد من المحللين السياسيين أن انفتاح القصر الملكي، هو قرار سياسي، يراد منه جعل الملكية تتكيف مع مستجدات عصرها، ويعتقد هؤلاء أن هذا، ربما يقود، أو يسهل، في المستقبل الإقدام على إحداث خطوات إصلاحية كبيرة في تدبير الحكم.
فخلال خمسين سنة، لبست الملكية في المغرب، لبوس الحداثة وتكيفت مع المستجدات وتطور نظام حكمها.
ومحمد السادس، نفسه، يعبر أكثر من مرة، في خطبه، عن أن خيار الإصلاح لا محيد عنه. وربما في المستقبل سيعرف المغاربة شكل ملكية مختلفا، قد يتجاوز نقاش "ملكية دستورية" أم "ملكية برلمانية"؟
وليست التغطية الكبيرة التي حظي بها عرس الأمير مولاي رشيد، حادثا عارضا، بل هو أمر مفكر فيه بعناية، والأكيد أن خلية التواصل التي أشرفت على "تسريب" الفيديوهات والصور، كانت في غاية الذكاء، وهي تحوّل شأنا خاصا مثل الزواج، إلى شأن عام، بل وإلى نقاش ثقافي حول تقاليد الأعراس داخل البلاط الملكي.
فأكيد أن المغاربة يقيمون أعراسهم ويفرحون، لكنّ للعرس الملكي طعما خاصا وطقوسا، وله تقاليد "مرعيّة" عمرها قرون، ثم إن كشف الفضاء الملكي أمام الناس، يعد في حد ذاته حدثا كبيرا، من خلال الانتشار الكاسح على مواقع التواصل الاجتماعي خلال أكثر من ثلاثة أيام، وما يزال إلى اللحظة يشكل مادة دسمة في وسائل الإعلام المكتوب والإعلام الجديد.
حتى اللغة الحشرية لم تعدمها تلك المواقع، حول من حضر ومن لم يحضر، وأين كان يجلس الوزير الفلاني والشخصية العلانية، والحضور المنتقى في المائدة الملكية، وأشكال اللباس والأزياء ونوعية كؤوس "البلار"، حتى المطر نفسه لم ينج من التعليقات، حين طالب بعض رواد المواقع بأن يكف المطر قليلا، حتى يمر العرس الأميري على أكمل وجه.
كل هذا لم يكن مسموحا به في السابق، لنتذكر أن صحفا تلقت تقريعا بسبب نشرها صوراً بدون موافقة مسبقة من "التشريفات"، وأن بعضهم هدد بلغة الوعد والوعيد. حتى ليمكن القول الآن: كم هي بعيدة البارحة!