بينما كانت فِرق شركة الكهرباء الليبية، تعمل في منطقة سيدي منصور ببنغازي، انفجرت عبوة ناسفة محلية الصنع، ما أدى إلى قتل الفنّي خليفة البدري وإصابة اثنين من زملائه. حادثة البدري لم تكن الأولى من نوعها إذ تعرّض سبعة من زملائه، إلى حوادث مشابهة، خلال العام الجاري فقط.
منذ ثورة 17 فبراير، والقتل عبر المتفجّرات، (عبوات ناسفة، سيارات مفخخة، أحزمة ناسفة، يقضي على حياة عدد كبير من الليبيين، وبينما تغيب الإحصاءات الرسمية، فإن منظمات المجتمع المدني الليبية قدرت عدد القتلى عبر التفجيرات خلال عام 2014 في ليبيا، بـ 2800 شخص.
القتل للجميع
في بداية ديسمبر/كانون الأول الجاري وأثناء مرور العقيد علي الثمن آمر غرفة عمليات الكرامة بمحور اشتباكات سيدي فرج بضواحي بنغازي انفجرت عبوة ناسفة في موكبه، لقي الثمن حتفه على الفور، واتهمت قيادة عملية الكرامة مسلحين مناوئين في بنغازي بتدبير العملية ومثيلاتها من الاغتيالات والتفجيرات التي طاولت العسكريين والسياسيين بالمدينة منذ ثورة السابع عشر من فبراير/شباط 2011 فيما يوجه لها خصومها ذات الاتهامات.
وتعد السيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة أكثر الوسائل القاتلة انتشاراً في ليبيا، ومن بين أهم العمليات التي جرت في هذا الإطار، ما تم في 27 يناير/كانون الثاني مطلع العام الجاري عندما هاجم مسلحون ملثمون فندق كورنثيا الأكبر بالعاصمة طرابلس بسيارة مفخخة تم تفجيرها أمامه، ثم فجّر اثنان من المهاجمين نفسيهما بأحزمة ناسفة وعثر على جثة ثالث حولها حزام ناسف لم يتفجر، كما قتل في بنغازي نهاية يوليو/تموز الماضي ثلاثة جنود وجرح 12 آخرون في هجوم نفذه انتحاري وسط تجمع لقوات حفتر، وفي التاسع من يوليو/تموز الماضي لقي العقيد الطاهر الوش مساعد قائد الاستخبارات العسكرية بمصراتة مصرعه إثر استهدافه بعبوة ناسفة أمام مسجد العائب بشارع بنغازي في مصراتة.
اقرأ أيضا: أهالي سرت الليبية.. من قمع القذافي إلى جحيم داعش
من أين تأتي المتفجرات؟
الخبير العسكري ومستشار الأمن القومي السابق بالحكومة الليبية العقيد يوسف دوة أكد لـ "العربي الجديد" أن المجموعات المتطرفة والإجرامية يسهل عليها الحصول على المواد المتفجّرة في ليبيا وبتكلفة زهيدة جداً، إذ إن الحدود من الجنوب (تشاد والنيجر)، مفتوحة ومناطق مثل سبها وأوباري جنوبي ليبيا، ممرات آمنة جداً لتجار المخدرات والسلاح، الذين يقايضون السلاح والمتفجرات بالمخدرات.
بلغ من سهولة الحصول على المتفجرات في ليبيا أن صيادي الأسماك على السواحل الليبية يستخدمون المتفجّرات العسكرية المتوفرة من بقايا مخلفات الحرب، بعد إعادة تدويرها وصناعتها محلياً كديناميت، وهو ما يترتب عليه خطر كبير على الصيادين، إضافة للخسائر الكبيرة في الثروة السمكية نتيجة لاستخدام هذه المخلفات الخطيرة ذات القدرة التدميرية الكبيرة كما يقول العقيد يوسف.
وخلافاً لغالبية المدن تعد مصراتة أكثر مدن ليبيا انضباطاً في التخلص من المواد الصالحة لإعادة التدوير واستخدامها في عمليات التفجير، كما يؤكد صهيب صلاح، أحد متطوعي فريق منظمة DCA الدولية لإزالة الألغام ومخلفات الحرب في مصراتة.
يقول صلاح لـ "العربي الجديد"، إن كل القذائف والذخائر المتفجرة التي تم جمعها من قِبل المنظمات الأهلية والدولية والمتطوعين في مصراتة تم تفجيرها بواسطة متخصصين للتخلص منها أو تسليمها للسرية الهندسية التابعة لرئاسة أركان الجيش لتدخل ضمن تسليح الجيش في حال كانت القذائف والألغام جديدة وصالحة للتذخير والاستخدام، نافياً أن تكون أي جهة غير شرعية قد حصلت على تلك المتفجرات بهدف الاتجار بها أو توجيهها للجماعات المسلحة أو مهربي السلاح والمتفجرات.
وبحسب إحصاء فريق إزالة الألغام والمخلفات الحربية التابع للمنظمة الدولية للمعاقين (هاندي كاب إنترناشيونال) فقد أسفرت جهودهم في مصراتة العام الماضي عن جمع 3689 صاروخ و8523 قذيفة هاون و75369 قذائف متنوعة و82 رمانات يدوية و7521 فيوزات مختلفة ( رؤوس تفجير مختلفة لكافة أنواع الذخائر) و74 لغم و3005 ذخائر مختلطة ووفقاً لما نشرته المنظمة، فقد اعتمدت المنظمة في عملها على شباب متخصصين من مدينة مصراتة لجمع المخلفات الحربية والأجسام المتفجرة من كافة المناطق حفاظا علي أرواح سكان المدينة وتفادياً لوقوع هذه الذخائر في أيدي العابثين.
ومنذ شباط/ فبراير 2013 أزالت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام 561818 جسما من مخلفات الحرب في ليبيا، من المتفجرات وذخائر الأسلحة الصغيرة يبلغ مجموع وزنها 132 طناً مترياً بحسب موقعها الإلكتروني.
اقرأ أيضا: صراع "داعش" و"القاعدة" ينتقل إلى ليبيا
اللغم الصيني
يؤكد أعضاء فريق منظمة DCA، أن اللغم الصيني من أكثر الأنواع المتفجرة انتشاراً وأخطرها في ليبيا، لتركيبته وآلية تشغيله المعقدة جداً، وينتشر اللغم بحسب شهادة الفريق، في منطقة الدافنية، غربي مصراتة، بأعداد كبيرة نظراً لاستخدام قوات القذافي له بكثرة إبان الثورة، ولم تنفجر أعداد كبيرة منه بقيت متاحة للجميع.
واللغم الصيني 84 مضاد للدبابات والمدرعات ويتكون من جسم أسطواني ذي ثلاث أرجل قصيرة يهبط بواسطتها محمولاً على مظلة صغيرة تضعه ببطء على الأرض، بعد إطلاقه، ما يجعله لا ينفجر لحظة ارتطامه بالأرض، بل عند مرور جسم آخر فوقه ويتميز بقدرته التدميرية العالية إذ يخترق ما يصل إلى 110 ملم من الدروع.
يصف العقيد يوسف دوة، المجهودات التي بذلت في مجال مكافحة المتفجرات وتجفيف مصادرها في ليبيا منذ الثورة، بالفردية، قائلا لـ"العربي الجديد"، تلك الجهود قام بها بعض العسكريين السابقين على نفقتهم الخاصة أحياناً أو على نفقة وبرعاية منظمات أهلية أحياناً أخرى، لكنها تبقى مجهودات بسيطة ومحدودة لا تفي باللازم، فالقذائف التي لم تنفجر أثناء تبادل القصف في الصراع الذي شهدته ليبيا عام 2011 وما تبعه من صراعات إلى اليوم هي أدوات متوفرة بكثرة وجاهزة للتصنيع وإعادة التدوير، بل إن ليبيا فيها عدد كبير من الألغام والأجسام المتفجّرة مدفونة في مناطق مختلفة من أراضيها منذ حقبة الاحتلال الإيطالي والحرب العالمية الثانية، وقد جاءت إلى ليبيا عقب الثورة مؤسسات إيطالية لديها خرائط حول حقول الألغام، لتبحث عن تلك الأجسام غير المنفجرة والتي دفنت في أثناء وقبل الحرب العالمية الثانية من أجل تفكيكها ونزعها لكن كل هذه الجهود لم تكتمل نظراً لما شهدته وتشهده البلاد من فوضى وغياب الإرادة والقرار.
إمكانات معدومة
المتفجّرات بأشكالها المختلفة في ليبيا، آخذة بالتطور في خضم الصراعات القائمة بين معسكري حفتر وفجر ليبيا، ولكن ليبيا تغيب عنها الإمكانات الخاصة بنزع الألغام، كما يؤكد ناشطون في المنظمة الدولية للمعاقين (هاندي كاب إنترناشيونال) ومنظمة الماغ (mag international) ومنظمات أهلية محلية أخرى عملت على تغطية تقصير أجهزة الدولة في جمع مخلفات الحرب والعبوات الناسفة المطمورة في ميادين المواجهات.
وتمثل الكلاب المدرّبة والأجهزة الحديثة والكوادر المؤهلة أهم جوانب النقص اللازمة لإنهاء ظاهرة المتفجرات السهلة المنتشرة والمتاحة للجميع، بحسب العقيد يوسف دوة، والذي حمل حكومات الثورة المسؤولية عما آل اليه الوضع قائلا "لم تهتم أي حكومة بهذا الأمر، نفتقد إلى لوازم عمل الجهات المختصة بمكافحة المتفجرات، وكذلك نحتاج إلى تدريب العناصر البشرية، إذ إن العناصر العاملية حاليا تتمثل في عدد من العسكريين المتقاعدين، ناهيك عن أن المعدات المخصصة لمكافحة المتفجرات العائدة لقوات القذافي سُرقت وبيعت من قبل تجار الحرب والمجرمين".
وأضاف مستشار الأمن القومي السابق بالحكومة الليبية، أن العمل الحالي يتسم بكونه بدائيا لا يواكب التطورات الحديثة في مجال مكافحة المتفجرات إذ يعتمد على مجسّات قديمة تستعمل منذ الخمسينيات كما أن العسكريين ممن يعملون على التخلص من المتفجرات لم يتم تدريبهم بما يواكب الأساليب الحديثة في مجال عملهم، فلم تعقد لهم منذ ما بعد الثورة تدريبات كافية وحتى الدورات القليلة التي تلقّوها بعد الثورة تمت على معدات روسية قديمة.
ويشير العقيد دوة إلى أن الكلاب المدرّبة وسيلة دقيقة وناجعة، لكن الجهات المختصة بمكافحة المتفجرات في ليبيا تشكو عدم توفرها، وهو ما يفقدها أداة مهمة في ممارسة عملها بالشكل المطلوب، ويعوق منظومة عملها.
اقرأ أيضا: ليبيا.. سلفيو "حفتر" يشنّون حرباً على الصوفية
دول الجوار متضررة
بسبب سيولة الوضع الداخلي في ليبيا، صارت البلاد، المورِّد الرئيسي للمواد المتفجّرة لخلايا متطرفة ومجموعات إجرامية تنسب لها جُل الاختراقات الأمنية والتفجيرات في دول الجوار، إذ ضبطت دوريات الجيش الجزائري في المناطق الحدودية مع ليبيا كميات كبيرة من مواد خام تدخل في صناعة المتفجرات منها مادة الكبريت ومادة tnt ودانات وقذائف مدفعية مهرّبة من ليبيا، موجهة إلى خلايا متطرّفة في جبال ولاية باتنة، شمال شرقي الجزائر، مخصصة لتصنيع القنابل وتفخيخ السيارات واستهداف مرافق حيوية وأهداف عسكرية بحسب بيانات الجيش الجزائري، وهي ذات الاتهامات التي يعلنها الجيشان المصري والسوداني، من حين لآخر.
منذ ثورة 17 فبراير، والقتل عبر المتفجّرات، (عبوات ناسفة، سيارات مفخخة، أحزمة ناسفة، يقضي على حياة عدد كبير من الليبيين، وبينما تغيب الإحصاءات الرسمية، فإن منظمات المجتمع المدني الليبية قدرت عدد القتلى عبر التفجيرات خلال عام 2014 في ليبيا، بـ 2800 شخص.
القتل للجميع
في بداية ديسمبر/كانون الأول الجاري وأثناء مرور العقيد علي الثمن آمر غرفة عمليات الكرامة بمحور اشتباكات سيدي فرج بضواحي بنغازي انفجرت عبوة ناسفة في موكبه، لقي الثمن حتفه على الفور، واتهمت قيادة عملية الكرامة مسلحين مناوئين في بنغازي بتدبير العملية ومثيلاتها من الاغتيالات والتفجيرات التي طاولت العسكريين والسياسيين بالمدينة منذ ثورة السابع عشر من فبراير/شباط 2011 فيما يوجه لها خصومها ذات الاتهامات.
وتعد السيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة أكثر الوسائل القاتلة انتشاراً في ليبيا، ومن بين أهم العمليات التي جرت في هذا الإطار، ما تم في 27 يناير/كانون الثاني مطلع العام الجاري عندما هاجم مسلحون ملثمون فندق كورنثيا الأكبر بالعاصمة طرابلس بسيارة مفخخة تم تفجيرها أمامه، ثم فجّر اثنان من المهاجمين نفسيهما بأحزمة ناسفة وعثر على جثة ثالث حولها حزام ناسف لم يتفجر، كما قتل في بنغازي نهاية يوليو/تموز الماضي ثلاثة جنود وجرح 12 آخرون في هجوم نفذه انتحاري وسط تجمع لقوات حفتر، وفي التاسع من يوليو/تموز الماضي لقي العقيد الطاهر الوش مساعد قائد الاستخبارات العسكرية بمصراتة مصرعه إثر استهدافه بعبوة ناسفة أمام مسجد العائب بشارع بنغازي في مصراتة.
اقرأ أيضا: أهالي سرت الليبية.. من قمع القذافي إلى جحيم داعش
من أين تأتي المتفجرات؟
الخبير العسكري ومستشار الأمن القومي السابق بالحكومة الليبية العقيد يوسف دوة أكد لـ "العربي الجديد" أن المجموعات المتطرفة والإجرامية يسهل عليها الحصول على المواد المتفجّرة في ليبيا وبتكلفة زهيدة جداً، إذ إن الحدود من الجنوب (تشاد والنيجر)، مفتوحة ومناطق مثل سبها وأوباري جنوبي ليبيا، ممرات آمنة جداً لتجار المخدرات والسلاح، الذين يقايضون السلاح والمتفجرات بالمخدرات.
بلغ من سهولة الحصول على المتفجرات في ليبيا أن صيادي الأسماك على السواحل الليبية يستخدمون المتفجّرات العسكرية المتوفرة من بقايا مخلفات الحرب، بعد إعادة تدويرها وصناعتها محلياً كديناميت، وهو ما يترتب عليه خطر كبير على الصيادين، إضافة للخسائر الكبيرة في الثروة السمكية نتيجة لاستخدام هذه المخلفات الخطيرة ذات القدرة التدميرية الكبيرة كما يقول العقيد يوسف.
وخلافاً لغالبية المدن تعد مصراتة أكثر مدن ليبيا انضباطاً في التخلص من المواد الصالحة لإعادة التدوير واستخدامها في عمليات التفجير، كما يؤكد صهيب صلاح، أحد متطوعي فريق منظمة DCA الدولية لإزالة الألغام ومخلفات الحرب في مصراتة.
يقول صلاح لـ "العربي الجديد"، إن كل القذائف والذخائر المتفجرة التي تم جمعها من قِبل المنظمات الأهلية والدولية والمتطوعين في مصراتة تم تفجيرها بواسطة متخصصين للتخلص منها أو تسليمها للسرية الهندسية التابعة لرئاسة أركان الجيش لتدخل ضمن تسليح الجيش في حال كانت القذائف والألغام جديدة وصالحة للتذخير والاستخدام، نافياً أن تكون أي جهة غير شرعية قد حصلت على تلك المتفجرات بهدف الاتجار بها أو توجيهها للجماعات المسلحة أو مهربي السلاح والمتفجرات.
وبحسب إحصاء فريق إزالة الألغام والمخلفات الحربية التابع للمنظمة الدولية للمعاقين (هاندي كاب إنترناشيونال) فقد أسفرت جهودهم في مصراتة العام الماضي عن جمع 3689 صاروخ و8523 قذيفة هاون و75369 قذائف متنوعة و82 رمانات يدوية و7521 فيوزات مختلفة ( رؤوس تفجير مختلفة لكافة أنواع الذخائر) و74 لغم و3005 ذخائر مختلطة ووفقاً لما نشرته المنظمة، فقد اعتمدت المنظمة في عملها على شباب متخصصين من مدينة مصراتة لجمع المخلفات الحربية والأجسام المتفجرة من كافة المناطق حفاظا علي أرواح سكان المدينة وتفادياً لوقوع هذه الذخائر في أيدي العابثين.
ومنذ شباط/ فبراير 2013 أزالت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام 561818 جسما من مخلفات الحرب في ليبيا، من المتفجرات وذخائر الأسلحة الصغيرة يبلغ مجموع وزنها 132 طناً مترياً بحسب موقعها الإلكتروني.
اقرأ أيضا: صراع "داعش" و"القاعدة" ينتقل إلى ليبيا
اللغم الصيني
يؤكد أعضاء فريق منظمة DCA، أن اللغم الصيني من أكثر الأنواع المتفجرة انتشاراً وأخطرها في ليبيا، لتركيبته وآلية تشغيله المعقدة جداً، وينتشر اللغم بحسب شهادة الفريق، في منطقة الدافنية، غربي مصراتة، بأعداد كبيرة نظراً لاستخدام قوات القذافي له بكثرة إبان الثورة، ولم تنفجر أعداد كبيرة منه بقيت متاحة للجميع.
واللغم الصيني 84 مضاد للدبابات والمدرعات ويتكون من جسم أسطواني ذي ثلاث أرجل قصيرة يهبط بواسطتها محمولاً على مظلة صغيرة تضعه ببطء على الأرض، بعد إطلاقه، ما يجعله لا ينفجر لحظة ارتطامه بالأرض، بل عند مرور جسم آخر فوقه ويتميز بقدرته التدميرية العالية إذ يخترق ما يصل إلى 110 ملم من الدروع.
يصف العقيد يوسف دوة، المجهودات التي بذلت في مجال مكافحة المتفجرات وتجفيف مصادرها في ليبيا منذ الثورة، بالفردية، قائلا لـ"العربي الجديد"، تلك الجهود قام بها بعض العسكريين السابقين على نفقتهم الخاصة أحياناً أو على نفقة وبرعاية منظمات أهلية أحياناً أخرى، لكنها تبقى مجهودات بسيطة ومحدودة لا تفي باللازم، فالقذائف التي لم تنفجر أثناء تبادل القصف في الصراع الذي شهدته ليبيا عام 2011 وما تبعه من صراعات إلى اليوم هي أدوات متوفرة بكثرة وجاهزة للتصنيع وإعادة التدوير، بل إن ليبيا فيها عدد كبير من الألغام والأجسام المتفجّرة مدفونة في مناطق مختلفة من أراضيها منذ حقبة الاحتلال الإيطالي والحرب العالمية الثانية، وقد جاءت إلى ليبيا عقب الثورة مؤسسات إيطالية لديها خرائط حول حقول الألغام، لتبحث عن تلك الأجسام غير المنفجرة والتي دفنت في أثناء وقبل الحرب العالمية الثانية من أجل تفكيكها ونزعها لكن كل هذه الجهود لم تكتمل نظراً لما شهدته وتشهده البلاد من فوضى وغياب الإرادة والقرار.
إمكانات معدومة
المتفجّرات بأشكالها المختلفة في ليبيا، آخذة بالتطور في خضم الصراعات القائمة بين معسكري حفتر وفجر ليبيا، ولكن ليبيا تغيب عنها الإمكانات الخاصة بنزع الألغام، كما يؤكد ناشطون في المنظمة الدولية للمعاقين (هاندي كاب إنترناشيونال) ومنظمة الماغ (mag international) ومنظمات أهلية محلية أخرى عملت على تغطية تقصير أجهزة الدولة في جمع مخلفات الحرب والعبوات الناسفة المطمورة في ميادين المواجهات.
وتمثل الكلاب المدرّبة والأجهزة الحديثة والكوادر المؤهلة أهم جوانب النقص اللازمة لإنهاء ظاهرة المتفجرات السهلة المنتشرة والمتاحة للجميع، بحسب العقيد يوسف دوة، والذي حمل حكومات الثورة المسؤولية عما آل اليه الوضع قائلا "لم تهتم أي حكومة بهذا الأمر، نفتقد إلى لوازم عمل الجهات المختصة بمكافحة المتفجرات، وكذلك نحتاج إلى تدريب العناصر البشرية، إذ إن العناصر العاملية حاليا تتمثل في عدد من العسكريين المتقاعدين، ناهيك عن أن المعدات المخصصة لمكافحة المتفجرات العائدة لقوات القذافي سُرقت وبيعت من قبل تجار الحرب والمجرمين".
وأضاف مستشار الأمن القومي السابق بالحكومة الليبية، أن العمل الحالي يتسم بكونه بدائيا لا يواكب التطورات الحديثة في مجال مكافحة المتفجرات إذ يعتمد على مجسّات قديمة تستعمل منذ الخمسينيات كما أن العسكريين ممن يعملون على التخلص من المتفجرات لم يتم تدريبهم بما يواكب الأساليب الحديثة في مجال عملهم، فلم تعقد لهم منذ ما بعد الثورة تدريبات كافية وحتى الدورات القليلة التي تلقّوها بعد الثورة تمت على معدات روسية قديمة.
ويشير العقيد دوة إلى أن الكلاب المدرّبة وسيلة دقيقة وناجعة، لكن الجهات المختصة بمكافحة المتفجرات في ليبيا تشكو عدم توفرها، وهو ما يفقدها أداة مهمة في ممارسة عملها بالشكل المطلوب، ويعوق منظومة عملها.
اقرأ أيضا: ليبيا.. سلفيو "حفتر" يشنّون حرباً على الصوفية
دول الجوار متضررة
بسبب سيولة الوضع الداخلي في ليبيا، صارت البلاد، المورِّد الرئيسي للمواد المتفجّرة لخلايا متطرفة ومجموعات إجرامية تنسب لها جُل الاختراقات الأمنية والتفجيرات في دول الجوار، إذ ضبطت دوريات الجيش الجزائري في المناطق الحدودية مع ليبيا كميات كبيرة من مواد خام تدخل في صناعة المتفجرات منها مادة الكبريت ومادة tnt ودانات وقذائف مدفعية مهرّبة من ليبيا، موجهة إلى خلايا متطرّفة في جبال ولاية باتنة، شمال شرقي الجزائر، مخصصة لتصنيع القنابل وتفخيخ السيارات واستهداف مرافق حيوية وأهداف عسكرية بحسب بيانات الجيش الجزائري، وهي ذات الاتهامات التي يعلنها الجيشان المصري والسوداني، من حين لآخر.