وترتكز هيئة الخدمات الصحيّة الوطنيّة المعروفة بـ"إن إتش إس" على نموذج توفير الخدمات الصحيّة لجميع أفراد المجتمع (المواطن والمقيم) والتي يتم تمويلها بواسطة الدخل الضريبي العام بنسبة 74 بالمئة. أما نسبة 26 في المئة المتبقية، فتغطيها المخصصات الاجتماعيّة من المساهمات والرسوم.
ويشير المبدأ الأساسي لهيئة الخدمات الصحيّة البريطانيّة إلى عناية طبيّة متساوية للجميع بغض النظر عن حجم الدخل الإجمالي. وتتوفّر المعاينة الطبيّة للمرضى مجاناً، في حين يتوجّب على هؤلاء فقط تسديد مبلغ ثمانية جنيهات استرلينيّة مقابل كل وصفة طبيّة. وهو سعر موحّد لجميع الحالات.
وتجدر الإشارة إلى أن ثمّة مجموعة كبيرة مستثناة، من بينها النساء الحوامل والأطفال والمتقاعدون. وعلى هذا النحو، ما يقلّ عن نصف المرضى فقط يدفعون القيمة الفعليّة لأدويتهم في الصيدليات.
ويعود تراجع هيئة خدمات الصحة الوطنيّة إلى المشاكل التي تواجه الموظفين فيها والذين سجّل عددهم تزايداً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة.
ويقول بعض الباحثين بلهجة تهكميّة ساخرة، إنه أكبر مكان في العالم يضمّ موظفين بعد جيش التحرير الشعبي الصيني وبعد هيئة القطارات الهنديّة. وبالفعل تسجّل شكاوى في المستشفيات وعيادات الأطباء حول العبء الزائد. فعيادات المتخصصين في الطب العام تضمّ موظفين في الوحدة الواحدة يصل عددهم إلى ضعفَي عدد المرضى.
ومع عدد موظفي خدمات الصحة الوطنيّة الهائل، تتزايد مشاكل هؤلاء، الأمر الذي يؤثر في جودة الخدمات الصحيّة.
وفي هذا الإطار، عقدت الكلية الملكيّة للتمريض مؤتمرها السنوي حول إمكانيّة فرض رسوم ماليّة محدّدة على العامة، في خلال زيارة عيادات الأطباء العامين.
لكن هذا الاقتراح لقي رفضاً بنسبة تسعين في المئة من قبل الممرضين والممرضات المفوّضين للتصويت والمشاركين في المؤتمر.
وقد صرّح الدكتور بيتر كارتر في المؤتمر أن الممرضات أظهرن بسالة وشجاعة نادرة وأنهنّ يقدّرن المسؤوليّة الملقاة على عاتقهنّ. فخضن مناقشات صعبة ولكن صادقة وهامة. وقد حان الوقت لرجال السياسة أن يحذوا حذوهنّ وإلا أصبحت مصداقيتهم على المحك". أضاف أن نقابة الممرضين والممرضات أكدت على ضرورة مجانيّة الخدمات الصحيّة الوطنيّة وعلى أن حل مشاكلهم لا يكون بهذه الطريقة، وإنما بتحمّل الحكومة والزعماء السياسيّين مسؤوليّة توجيه القطاع الصحي لتفادي هذه المشاكل.
وكانت نقابة الأطباء قد ناقشت الشهر الماضي القضيّة نفسها، في مؤتمر عقدته الجمعيّة الطبيّة البريطانية "بي إم إيه".
لكن اقتراح فرض بدل ما على المرضى لقاء بعض الخدمات الطبيّة، لقي رفضاً من قبل عدد من الأطباء البارزين بمن فيهم الرئيس السابق للجنة الطب العام الدكتور لورانس بوكمان الذي قال إن من شأن ذلك أن يؤدّي إلى "بقاء الأغنى، وليس علاج أكثر من يعانون من المرض".
وعلى الرغم من المشاكل التي تواجه طاقم العمال في هيئة خدمات الصحة الوطنيّة، فإن هؤلاء بمن فيهم الممرضون والممرضات والأطباء، رأوا أن حلّ هذه المشاكل لا يكون بزيادة الأعباء على المواطن البريطاني وإلزامه بدفع رسوم ماليّة مقابل العلاج.
وقد حمّل هؤلاء الدولة مسؤوليّة حل هذه المشاكل، وبذلك لا يخلّون بما أقسموا عليه في بداية مشوارهم المهني وهو أن تكون الرعاية الصحيّة بالمجان وللجميع من غير استثناء. وهذا ما قامت عليه أسس هيئة الخدمات الصحيّة الوطنيّة "أن أتش أس" منذ إنشائها في العام 1948.