منقطعة عن الحياة، معزولة عن المناطق المحيطة بها، لا تسمع فيها غير إطلاق النار بين فترة وأخرى، أو سقوط قذيفة هاون هنا وأخرى هناك. هذا حال بلدة المخيسة في محافظة ديالى (شمال شرق بغداد) ليلاً، والتي اشتدت أزمتها الأمنية بشكل مرعب منذ أسابيع، وتحول قناصها إلى شبح يشل الحياة فيها يومياً مع غروب الشمس.
ورغم عديد القوات الأمنية ومليشيا "الحشد الشعبي" في البلدة، إلّا أنّها باتت اليوم خارجة عن يد السلطة خاصة بعد الغروب. ويقول أبو ناظم، وهو أحد أهالي البلدة لـ"العربي الجديد"، "نزحت أغلب العوائل عن البلدة، ولم يتبق فيها إلّا غير القادر على توفير متطلبات الحياة خارجها".
وأضاف "مع الغروب يبدأ قناص المخيسة يومياً بالتقاط أهدافه، مستهدفاً عناصر الأمن في البلدة". وبيّن أن القناص "يقتل كل يوم عنصر أمن أو اثنين حسب الفرصة، كما يقطع الشارع الرئيس للبلدة حتى صباح اليوم التالي، ثم يتوارى عن الأنظار، كما يبدأ إطلاق قذائف الهاون عشوائياً، ونادرا ما يستخدم الناس الدور الثاني لمنازلهم، وينام جميعهم كلهم في الأدوار الأرضية كونها أكثر امنا في حال سقطت واحدة من تلك القذائف المعروف عنها أنها لا تخترق سوى سقف واحد".
وأكد أبو ناظم "لقد تحول هذا القناص إلى شبح مرعب، وعلى الرغم من أنّه لم يستهدف المدنيين، إلّا أنّه مرعب جدا بالنسبة لهم، فلا أحد يستطيع الخروج من منزله طوال الليل"، مشيرا إلى أن "كل الجهات الأمنية لم تستطع تحديد هويته، ولم تعرف جهة انتمائه. قيل إنّه من داعش، لكن أين وكيف يتحرك هذا ما لا يعرفه أحد".
وعزّزت القوات الأمنية انتشارها في البلدة إثر ذلك، إلى جانب فصائل "الحشد" المنتشرة، لكنّها لم تفرض سيطرتها حتى اليوم.
وقال ضابط في قيادة شرطة المحافظة، لـ"العربي الجديد"، "تم تغيير التكتيكات الأمنية في المخيسة، لكنّ الوضع ما زال مرتبكا جدا"، مضيفاً "لم تمنع إجراءاتنا من تساقط قذائف الهاون مجهولة المصدر على البلدة، كما لم تحد من حركة القناص ولم تعرف أي تفاصيل عنه".
وأكد أنّ "القناص من عناصر داعش، لكن كيف يتحرّك وكيف يتنقل، وأين يتواجد، هذا ما لا يعرفه أحد"، مبينا أنّ "قوات خاصة من بغداد وصلت خلال الفترة السابقة، لكن لم يتم السيطرة على البلدة". وقال: "خسرنا الكثير من عناصرنا على يد القناص، ويجب أن نقضي عليه، إذ أصبح مثار قلق ورعب".
وكان النائب عن المحافظة، رعد الدهلكي، أكد في وقت سابق أنّ قذائف الهاون التي تسقط على المخيسة، تطلق من قرى مجاورة لها خاضعة لسيطرة المليشيات، وتحاول تلك المليشيات بسط سيطرتها على باقي المناطق.
وشلّت أعمال العنف الحياة في المخيسة، في أسواقها ومحاولات توفير متطلبات الحياة فيها، كما أنّ مدارسها تخلو من الطلاب والمدرسين اليوم. وقال أحد المدرسين في إحدى المدارس في البلدة، إنّ "مدرستنا تضم اليوم نحو 40 طالبا فقط، وتجاوز عددهم سابقاّ 300 طالب، وأغلب الطلاب نزحوا مع أهلهم إلى خارج البلدة، في حين يمنع المتواجدون أبناءهم من الذهاب إلى مدارسهم حرصا على حياتهم".
وأضاف، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "الكوادر التدريسية من خارج البلدة لا تستطيع دخولها، الأمر الذي شلّ الواقع التعليمي، كما شل الحياة بكافة تفاصيلها"، مناشداً الجهات المسؤولة بـ"وضع حلول أمنية لضبط البلدة".
ومنذ أكثر من شهر، تشهد بلدة المخيسة ارتباكاً أمنياً، ويجري الحديث عن وجود عناصر "داعش" في بساتينها، كما انتشرت مليشيات "الحشد" فيها، وسط غموض يلف مصير البلدة التي عزلت عن الحياة.