لم يعد تقصير الأبناء في إعالة والديهم أمرًا مسكوتاً عنه، بعد أن شهدت المحاكم العراقية عشرات الدعاوى من قبل بعض الآباء والأمهات يشكون تقصير أبنائهم الميسورين في إعالتهم، خصوصاً بعد تردي أوضاعهم المعيشية.
وترد هذه الدعاوى خاصة إلى محكمتي البداءة والأحوال الشخصية تحت مسمى دعاوى النفقة أو دعاوى الإعالة. ويقول قاضي محكمة الأحوال الشخصية، أحمد الصفار، إن دعاوى النفقة تقام عند عجز الأب أو الأم أو كليهما عن تدبير أمورهما بسبب الفقر أو المرض ضد أحد أبنائهم، ليقدم لهم مساعدة مالية بسبب ضعف قوتهم أو مرضهم أو اختيارهم البطالة من العمل.
وبحسب الصفار في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عراقية محلية، فإن دعاوى الإعالة تقام أمام محكمة البداءة، في حين أن دعاوى نفقة الأصول أو الآباء على الأبناء تقام في محاكم الأحوال الشخصية.
ويبيّن أن المادة 61 من قانون الأحوال الشخصية تشير إلى أن الأبناء ميسوري الحال ملزمون بالنفقة على الوالدين شرعا وقانونا، ومن لا يلتزم منهم بتنفيذ بقرار المحكمة يتم توقيفه ولا يلغى حكم التوقيف إلا بسداد النفقة للوالدين، ولا يخرج إلا بكفالة لأن هذا المال يعتبر دينا عاما من الدرجة الثانية.
ويؤكد الصفار ازدياد الدعاوى الواردة إلى محاكم الأحوال الشخصية والمتضمنة مطالبة الآباء أبناءهم الميسورين بالنفقة، وتخصيص مبالغ مالية كمرتبات للمعيشة والعلاج.
وتقول الناشطة آمنة وهيب لـ"العربي الجديد"، "لم يعد الأبناء كما في السابق، إذ تراجع مستوى الاهتمام بالوالدين من قبل الأبناء وزادت نسبة عقوقهم بالرغم من أن المجتمع العراقي يعتبر من المجتمعات الأسرية المحافظة، وهناك الكثير من الآباء والأمهات أحوالهم متردية نتيجة إهمال الأبناء سواء كانوا ميسورين أو غير ذلك، وهذا ما يدعو الوالدين لتقديم شكاوى ضد أبنائهم للمطالبة ببعض حقوقهم، طالما لم يقم الأبناء بذلك من تلقاء أنفسهم".
وتعرب وهيب عن اعتقادها بأن مثل تلك الحالات تزداد يوما بعد آخر، ما لم يتم توعية الشباب والمجتمع عن طريق حلقات في البرامج الإذاعية والتلفزيونية ودور العبادة والجامعات بضرورة الاهتمام بالوالدين، حتى لا يجدوا أنفسهم مجبرين على تقديم شكاوى في المحاكم لطلب الإعالة، فذلك سيكون قاسيا وصعبا عليهم ، خصوصاً إذا كان المستوى المعيشي لأبنائهم ميسوراً.
من جانبه، يؤكد القاضي علي حسين، قاضي محكمة بداءة الكاظمية، أن دعاوى نفقة الآباء ترفع في محاكم الأحوال الشخصية وهي دعوى تتشابه إلى حد كبير مع دعاوى الإعالة، إلا أن الفرق ما بين الدعويين يكمن في أن دعاوى النفقة، يحتاج مقيمها إلى قرار صادر من المحكمة لمراجعة دوائر الدولة الرسمية لغرض استكمال المعاملات الرسمية. وتصدر دعاوى الإعالة من محاكم البداءة، فيما تكون دعاوى النفقة صادرة من الأحوال الشخصية ولا يحتاج القرار سوى إلى جهات التنفيذ، وغالبا ما تنتهي القضايا بالتراضي بين الطرفين حول قيمة النفقة وصيغتها.
ويفصّل بأن قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1958 عالج الحالات الواردة لإقامة هذه الدعاوى أي (نفقة الأقارب) في المواد 58،59،60،61، فالمشرع حدد لكل شخص نفقته من ماله إلا الزوجة نفقتها على زوجها، حتى وإن كانت ميسورة إو عاملة فإن من حقها المطالبة بالنفقة، وفي المادة التي تليها حدد نفقة الأصول والفروع، فيقول المشرع أن نفقة الابن على أبيه ما لم يكن فقيرا عاجزا عن النفقة والكسب، لافتا إلى أن نفقة الأولاد على الأب البنت إلى أن تتزوج وتعمل، والولد إلى أن يبلغ ما لم يكن طالب علم.
ويوضح في موضوع نفقة الآباء على الأبناء أن المشرع عالجها بالمادة 61 من القانون حيث تجب نفقتهما على الولد الموسر كبيرا كان أم صغيرا، ما لم يكونا قادرين على الكسب، أو أصر الأب على اختيار البطالة، أما إذا كان الأب لديه ملك أو تقاعد أو أي مورد مالي وكان الابن معسر فهنا تصدر قرارات كثيرة من المحاكم، والأغلب أن تردّ الدعوى لأنه ليس من حقه المطالبة سوى في حالة عسره.
وفي مايو/ أيار من العام الماضي حذر البنك الدولي في تقرير من هشاشة الوضع الاقتصادي في العراق، موضحاً أنّ خط الفقر الوطني وصل إلى 22.5 في المائة.