19 سبتمبر 2022
العراق أسير دوائر مغلقة
يكفي ما يحدثُ في العراقِ من اللامعقول لأن يصنفه مؤرخ المستقبل مستشفىً للمجانين.. أحداث متداخلة مع صخب وهياج، وتناقضات سياسية واجتماعية لا نهاية لها، وشخوصٌ لا يمكن أن يتخيّل المرء أنّهم يحكمون العراق سنوات طوال باسم "الديمقراطية" الكاذبة، وبواسطة صناديق انتخابات فُضحت تزويراتها في عمليةٍ دنيئةٍ تقود العراق من فاجعةٍ إلى أخرى.. والكلّ يدين ما حدث، ولكن لا يمكن أبدا معرفة من قام بذلك، ولصالح من. دوماً هناك سياسة لإخفاء الجريمة، والتغطية على المجرمين.
كان الظن أن المشكلة كامنةٌ في طبقةٍ حاكمةٍ مثيرة للقرف، بما فعلت بالعراق وأهله ومدنهِ ومواردهِ. ولكن يبدو أن شرائح كبرى من العراقيين فقدت صوابها، وطاش عقلها، عندما انتخبت الجوقة نفسها، والمؤلفة من الفاشلين والمزوّرين والتافهين والفاسدين والسارقين، وثمّة خونة وعملاء وقتلة أميّون وجهلة وطائفيون.. هؤلاء الذين يُعاد انتخابهم، ويبدو أنّ مقولة "المجرّب لا يُجرّب" كانت للاستهلاك الإعلامي، إذ بات العراق اليوم في هاويةٍ سحيقةٍ بعد الانتخابات التي تعدّ الأسوأ في التاريخ الحديث.
كلمّا تمرّ أربع سنوات، يعيش العراق مسرحية هزلية لها تراجيديتها، ويبقى يعاني ويكابد، وليس في استطاعته الخلاص منها أبداً، إذ تفاقمت مشكلاته الأساسيّة اليوم بعد كلّ هذي السنين التي شهد شعبه في أثنائها الفواجع والآلام والكوارث والانسحاق والموت، وتولدت عن المشكلات الكبرى جملة هائلة من المعضلات الفرعية الصعبة في كلّ ميادين الحياة الصعبة، ويصعب جداً معالجتها أو إيجاد الحلول لها. وغدت الدورة الانتخابية الشغل الشاغل لطبقةٍ سياسيّة متورّمة، مستحوذة على مصير العراق وأهله وموارده، وهي السبب الحقيقي في كثرة المشكلات بكل خطوطها وحدودها وأبعادها، فكان أن اختنق كلّ العراقيين بما التف عليهم من الخيوط والأسلاك.
يعيش العراق في مستنقع مياهٍ آسنةٍ منذ أزمنة مضت، فأينما تلتفت، لا تجد في مرافقه كلها جانباً صحيحاً أو سالماً، فكلّ العراق في فوضى سياسيّة متخبّطة عارمة، ويكابد الناس فيه من فقدان الأمن والاختطاف والقتل والجريمة، وكلهّا تلصق بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن ما خفيَ كان أعظم. يعيش العراق أوضاعاً أمنية مزرية بعودة سقوط ضحايا في اعتداءات عصاباتٍ إرهابية، انتقالاً إلى تهرّؤات اقتصادية وشحّ المياه في الفراتين العظميين، فضلاً عن تهافت الأمن الغذائي، وموت الناس متسممّين أو متسرطنين.. ولا تسل عن الفصول الأخرى من الفساد المستشري في كل مكان.. أزمات ومشكلات لا تعدّ ولا تحصى، سواء في المؤسسات الصحية التي تخلو من أبسط المستلزمات الطبية. أما ما يحدث في المدارس والجامعات من هبوط حاد في المستويات، وتناقصٍ في الكفاءات وبيع أسئلة الامتحانات، وفشل ذريع يحيط بالمؤسسة التربوية والتعليمية، مع انقطاع الكهرباء وشحّ المياه مع بقاء المدن المسحوقة على حالها، من دون أن يلتفت إليها أحد، وخصوصاً الموصل التي نكبت نكبة تاريخية.. كل هذه الكوارث والحكومة منشغلة بالانتخابات، لكي يضمن أعضاؤها الفوز والبقاء في السلطة.
كلّ الطبقة السياسية الحاكمة منشغلة مع أتباعها بالانتخابات والتزويرات وفرز الأصوات وإعادة الفرز والعدّ وحرق الصناديق وسقوط الأجهزة وإجرام مفوضية الانتخابات.. إلخ. إنه صراع المصالح الشخصية والتكالب على المناصب العليا، واستحواذ كتل وأحزاب سياسيّة على السلطة، يقودها أناسٌ، افتقدوا مؤهلات الزعامة والذكاء والمواطنة والقيم وأخلاقيات العمل. إنهم في الواجهة منذ 15 عاماً من دون أن يتزحزح أيّ منهم عن موقعه. بدأوا بدائرةٍ مصغرّةٍ، وباتوا اليوم يمتلكون دائرة كبرى تطوّق كلّ العراق، وتخنق بها كلّ العراقيين الذين يتطلعون إلى إيجاد حلول حقيقية وجذرية لمشكلاتهم المستديمة. لقد دخلوا الانتخابات، وهم يتشدّقون بالوطنية والمدنية والحكمة، وقاموا بتسويق سياسي كاذب، الادّعاء أنهّم ضدّ المحاصصات، وأنهم عابرون للطائفية. وكم طالبناهم، منذ البداية، بأن يكون الإشراف بأيدي قضاةٍ عراقيين، وإشرافٍ دولي محكم، بدل هيئة مفوضية انتخابات، اختاروها بأنفسهم، وصرفت الملايين من الأموال، وأتعبوا الناس في الإدلاء بالأصوات في الداخل والخارج.. ثم كانت المهزلة التي سيذكرها التاريخ، أنهم باسم "الديمقراطية" مارسوا أوسخ عمليات تزوير، وكلّ يوم تظهر فضائح تلو أخرى.
طبقةٌ فاسدة مهيمنة على حكم العراق، تقود عملية انتخاباتٍ فاشلة، تمارس فيها بشاعات من أجل بقاء هذا أو ذاك في الحكم والاستئثار بالسلطة. وبعد التي واللتيا، تضرب إرادة الناخبين، وترمى الأصوات في المزبلة، وتبدأ التحالفات المخزية لتشكيل "الكتلة الكبرى" وفقاً للمحاصصات الطائفية، وان اعترضت عليهم، أجابوا: حفاظاً على العملية السياسية، وكأنها مشروع تاريخي مقدّس، سينقل العراق إلى الذرى كما أوهموا الناس. تتحمل السلطات الحالية
المسؤولية كاملة فيما لحق بالعراق من أضرار. رئيس للجمهورية غافلٌ عمّا يفعله الآخرون بالبلاد. رئيس وزراء ليس له إلا تصريحات نارية صارخة ضد خصومه المفتعلين، من دون أداء أي فعل مؤثر، وكأنه لا يملك أية سلطة حقيقية بيديه.. وهو منشغلٌ بالانتخابات، لا يلتفت إجرائيا إلى حياة الناس الكئيبة، وحالاتهم الصعبة التي يُرثى لها، فهم ينتقلون من مشكلةٍ إلى أخرى.. برلمان فوضوي، لا يعرف القيم والأخلاق أبداً، وهو يسعى ببعض أعضائه إلى أن يجدّد بقاء دورته، على الرغم من أنف الدستور، وخصوصاً ما يريده الذين لم يحالفهم الفوز في الانتخابات.
المشكلة الأخرى أنهم يستغبون الناس بإخفائهم ما يبطنون، وأنهم يظهرون ويعلنون عكس ما يفعلون، حتى غدت الناس لا تصدّق أبداً تصريحاتهم ووعودهم، إذ انفضحت أكاذيبهم أمام كلّ الملأ، فهم خصوم قبل انطلاق الصفارة. ولكن، قبل وصولهم إلى الهدف، يتحالفون ضدّ الآخرين، كما بدا واضحاً أن "داعش" غدا بالنسبة لهم بمثابة شمّاعةٍ يعلقون عليه كلّ غسيلهم القذر، إذ أمسوا يهدّدون العراقيين باسم "داعش"، وهم يفعلون ما يريدون.
إلى أين يسير العراق؟ كيف له الخروج من الدوائر المغلقة التي التفّت عليه، ولم يعدّ ينظر حتى بعين واحدة؟ لقد ملّ الناس، وسئموا من هؤلاء الساسة، ومن كتلهم وأحزابهم وتصريحاتهم الإعلامية، وتسويقهم على شاشات الفضائيات. يعد العراق، بعد كلّ هذه الانسحاقات، أسوأ بلد في الفساد عالميا، وهو مثل سفينةٍ تائهةٍ وسط أعاصير البحر، ويقودها ثلّة من المجانين، فمن ينقذ هذا البلد العزيز؟
كان الظن أن المشكلة كامنةٌ في طبقةٍ حاكمةٍ مثيرة للقرف، بما فعلت بالعراق وأهله ومدنهِ ومواردهِ. ولكن يبدو أن شرائح كبرى من العراقيين فقدت صوابها، وطاش عقلها، عندما انتخبت الجوقة نفسها، والمؤلفة من الفاشلين والمزوّرين والتافهين والفاسدين والسارقين، وثمّة خونة وعملاء وقتلة أميّون وجهلة وطائفيون.. هؤلاء الذين يُعاد انتخابهم، ويبدو أنّ مقولة "المجرّب لا يُجرّب" كانت للاستهلاك الإعلامي، إذ بات العراق اليوم في هاويةٍ سحيقةٍ بعد الانتخابات التي تعدّ الأسوأ في التاريخ الحديث.
كلمّا تمرّ أربع سنوات، يعيش العراق مسرحية هزلية لها تراجيديتها، ويبقى يعاني ويكابد، وليس في استطاعته الخلاص منها أبداً، إذ تفاقمت مشكلاته الأساسيّة اليوم بعد كلّ هذي السنين التي شهد شعبه في أثنائها الفواجع والآلام والكوارث والانسحاق والموت، وتولدت عن المشكلات الكبرى جملة هائلة من المعضلات الفرعية الصعبة في كلّ ميادين الحياة الصعبة، ويصعب جداً معالجتها أو إيجاد الحلول لها. وغدت الدورة الانتخابية الشغل الشاغل لطبقةٍ سياسيّة متورّمة، مستحوذة على مصير العراق وأهله وموارده، وهي السبب الحقيقي في كثرة المشكلات بكل خطوطها وحدودها وأبعادها، فكان أن اختنق كلّ العراقيين بما التف عليهم من الخيوط والأسلاك.
يعيش العراق في مستنقع مياهٍ آسنةٍ منذ أزمنة مضت، فأينما تلتفت، لا تجد في مرافقه كلها جانباً صحيحاً أو سالماً، فكلّ العراق في فوضى سياسيّة متخبّطة عارمة، ويكابد الناس فيه من فقدان الأمن والاختطاف والقتل والجريمة، وكلهّا تلصق بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن ما خفيَ كان أعظم. يعيش العراق أوضاعاً أمنية مزرية بعودة سقوط ضحايا في اعتداءات عصاباتٍ إرهابية، انتقالاً إلى تهرّؤات اقتصادية وشحّ المياه في الفراتين العظميين، فضلاً عن تهافت الأمن الغذائي، وموت الناس متسممّين أو متسرطنين.. ولا تسل عن الفصول الأخرى من الفساد المستشري في كل مكان.. أزمات ومشكلات لا تعدّ ولا تحصى، سواء في المؤسسات الصحية التي تخلو من أبسط المستلزمات الطبية. أما ما يحدث في المدارس والجامعات من هبوط حاد في المستويات، وتناقصٍ في الكفاءات وبيع أسئلة الامتحانات، وفشل ذريع يحيط بالمؤسسة التربوية والتعليمية، مع انقطاع الكهرباء وشحّ المياه مع بقاء المدن المسحوقة على حالها، من دون أن يلتفت إليها أحد، وخصوصاً الموصل التي نكبت نكبة تاريخية.. كل هذه الكوارث والحكومة منشغلة بالانتخابات، لكي يضمن أعضاؤها الفوز والبقاء في السلطة.
كلّ الطبقة السياسية الحاكمة منشغلة مع أتباعها بالانتخابات والتزويرات وفرز الأصوات وإعادة الفرز والعدّ وحرق الصناديق وسقوط الأجهزة وإجرام مفوضية الانتخابات.. إلخ. إنه صراع المصالح الشخصية والتكالب على المناصب العليا، واستحواذ كتل وأحزاب سياسيّة على السلطة، يقودها أناسٌ، افتقدوا مؤهلات الزعامة والذكاء والمواطنة والقيم وأخلاقيات العمل. إنهم في الواجهة منذ 15 عاماً من دون أن يتزحزح أيّ منهم عن موقعه. بدأوا بدائرةٍ مصغرّةٍ، وباتوا اليوم يمتلكون دائرة كبرى تطوّق كلّ العراق، وتخنق بها كلّ العراقيين الذين يتطلعون إلى إيجاد حلول حقيقية وجذرية لمشكلاتهم المستديمة. لقد دخلوا الانتخابات، وهم يتشدّقون بالوطنية والمدنية والحكمة، وقاموا بتسويق سياسي كاذب، الادّعاء أنهّم ضدّ المحاصصات، وأنهم عابرون للطائفية. وكم طالبناهم، منذ البداية، بأن يكون الإشراف بأيدي قضاةٍ عراقيين، وإشرافٍ دولي محكم، بدل هيئة مفوضية انتخابات، اختاروها بأنفسهم، وصرفت الملايين من الأموال، وأتعبوا الناس في الإدلاء بالأصوات في الداخل والخارج.. ثم كانت المهزلة التي سيذكرها التاريخ، أنهم باسم "الديمقراطية" مارسوا أوسخ عمليات تزوير، وكلّ يوم تظهر فضائح تلو أخرى.
طبقةٌ فاسدة مهيمنة على حكم العراق، تقود عملية انتخاباتٍ فاشلة، تمارس فيها بشاعات من أجل بقاء هذا أو ذاك في الحكم والاستئثار بالسلطة. وبعد التي واللتيا، تضرب إرادة الناخبين، وترمى الأصوات في المزبلة، وتبدأ التحالفات المخزية لتشكيل "الكتلة الكبرى" وفقاً للمحاصصات الطائفية، وان اعترضت عليهم، أجابوا: حفاظاً على العملية السياسية، وكأنها مشروع تاريخي مقدّس، سينقل العراق إلى الذرى كما أوهموا الناس. تتحمل السلطات الحالية
المشكلة الأخرى أنهم يستغبون الناس بإخفائهم ما يبطنون، وأنهم يظهرون ويعلنون عكس ما يفعلون، حتى غدت الناس لا تصدّق أبداً تصريحاتهم ووعودهم، إذ انفضحت أكاذيبهم أمام كلّ الملأ، فهم خصوم قبل انطلاق الصفارة. ولكن، قبل وصولهم إلى الهدف، يتحالفون ضدّ الآخرين، كما بدا واضحاً أن "داعش" غدا بالنسبة لهم بمثابة شمّاعةٍ يعلقون عليه كلّ غسيلهم القذر، إذ أمسوا يهدّدون العراقيين باسم "داعش"، وهم يفعلون ما يريدون.
إلى أين يسير العراق؟ كيف له الخروج من الدوائر المغلقة التي التفّت عليه، ولم يعدّ ينظر حتى بعين واحدة؟ لقد ملّ الناس، وسئموا من هؤلاء الساسة، ومن كتلهم وأحزابهم وتصريحاتهم الإعلامية، وتسويقهم على شاشات الفضائيات. يعد العراق، بعد كلّ هذه الانسحاقات، أسوأ بلد في الفساد عالميا، وهو مثل سفينةٍ تائهةٍ وسط أعاصير البحر، ويقودها ثلّة من المجانين، فمن ينقذ هذا البلد العزيز؟