مع هروب العراقيين من مناطق المعارك، لم يجدوا أماكن تؤويهم سوى بعض المدارس والمباني غير المكتملة، والمخيمات التي أنشأتها منظمات غير حكومية داخل محافظاتهم وخارجها. وهي أماكن تتسم عادة بظروف صحية قاسية، وتفتقر للغذاء والدواء والتدفئة، ما تسبب بانتشار الأوبئة والأمراض خصوصاً بين الأطفال.
وفي هذا الإطار، يقول رئيس "منظمة الرافدين لحقوق الإنسان" سامي العاني إنّ "البرد القارس وشح الدواء والغذاء، وانعدام الظروف الصحية الآمنة، واضطرار النازحين إلى شرب مياه غير معقمة من البحيرات والآبار أدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض". ويتابع العاني لـ "العربي الجديد": "السبب الرئيسي سكن النازحين في مخيمات أنشئت في العراء بمناطق صحراوية أو مفتوحة، وفي أماكن طالتها فيضانات الأمطار والثلوج".
لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد المصابين بالأمراض الوبائية من النازحين، بسبب عدم وجود فرق صحية تتابع أحوالهم بشكل منتظم. ويتابع حالتهم بعض الإعلاميين والناشطين المدنيين، الذين يزورونهم بشكل يومي أو أسبوعي لنقل معاناتهم.
ومن ذلك، ما ينقله الناشط الإنساني والإعلامي عمر الدليمي عن مشاهداته في مخيمات النازحين في إقليم كردستان، والحالات المرضية التي وثقها. ويقول: "ننظم جولات ميدانية يومية برفقة عدد من الناشطين والإعلاميين لمخيمات النزوح في إقليم كردستان. وقد وجدنا حالات إنسانية صعبة، بالترافق مع عدم الاهتمام من الجهات المعنية الحكومية، باستثناء حكومة إقليم كردستان. وهناك لاحظنا حالات مرضية بين النازحين وخصوصاً الأطفال منهم، أبرزها الإصابة بالإسهال والأمراض الصدرية والجلدية المعدية".
ويكشف الدليمي لـ "العربي الجديد" عن خطورة الظروف التي يعيشها النازحون. فبعضهم "يعيش بين الأفاعي والعقارب في أماكن لا تصلح للسكن، لكنّ ظروفهم المادية أجبرتهم على ذلك. ويحتاج الأمر إلى فرق صحية جوالة تجري فحوصات ميدانية للنازحين، لمنع انتشار تلك الأمراض ومعالجتها بوقت مبكر".
من جهته، لا يخفي الطبيب مشتاق الراوي المتخصص في طب الأطفال مخاوفه من استفحال الأمراض الوبائية المعدية في مخيمات النازحين، إذا لم تتلق الدعم والرعاية الصحية الكاملة. ويلفت إلى أنَّ "المباني القديمة والمخيمات المكشوفة في العراء تعتبر أماكن ملائمة لتكاثر الجراثيم والبكتريا والفيروسات، كما تؤدي مياه الشرب الملوثة دورها. بالإضافة إلى الفقر الشديد الذي لا يسمح للنازحين بمعالجة أطفالهم من هذه الأمراض". ويشير إلى أنّ الأمر يحتاج إلى تضافر بين المنظمات الإنسانية والجهات الحكومية للحد من الأمراض ومعالجتها.
ويضيف الراوي لـ "العربي الجديد" أنَّ "أبرز الحالات الموجودة كانت لدى الأطفال. ومن المعروف أنّ جسم الطفل حساس جداً للتغيرات المناخية كالبرد والحر، والتغيرات البيولوجية التي تصاحب الأطعمة أو المياه الملوثة، فضلاً عن الاحتكاك المستمر للأطفال بالطين، حيث يلعبون به عادة في المخيمات، ويعتبر بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية".
وكانت منظمة الصحة العالمية أصدرت تقريراً يتعلق بالحالة الصحية للنازحين، أعربت فيه عن قلقها من تعرض النازحين إلى خطر الإصابة بالأمراض الانتقالية والوبائية مثل الكوليرا والإسهال. وتخوفت المنظمة في تقريرها من انتشار وباء الكوليرا المستوطن في المناطق الشمالية من العراق، والتي قصدها معظم النازحين.
بدوره، يقول مصدر في جمعية الهلال الأحمر العراقي لـ "العربي الجديد" إنّ الأمراض الوبائية تنتشر في مخيمات النزوح في الأنبار وديالى وكركوك، وبعض مناطق إقليم كردستان. ويشير المصدر الذي يفضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أنَّ "أمراض الإسهال المزمن والأمراض الصدرية والقمل وحبة بغداد لوحظ انتشارها في مخيمات النازحين بين الأطفال بشكل خاص. وهم يفتقدون للرعاية الصحية، وبحاجة إلى فرق صحية جوالة تكشف عن هذه الحالات منعاً لانتشارها بطريقة قد لا يمكن السيطرة عليها في ما بعد".
من جهته، يقول رئيس "منظمة أمل الإنسانية" علاء صبر لـ "العربي الجديد": "90% من النازحين هم من ذوي الدخل المحدود والفقراء؛ ما اضطرهم إلى اللجوء للمخيمات أو السكن في مبان قيد الإنشاء في ظروف صحية خطيرة جداً". ويتابع: "أكثر من نصف مليون طفل نازح بحاجة عاجلة للرعاية الصحية. هناك تقصير واضح من قبل الحكومة المركزية تجاه ملف النازحين؛ فهي لم توفر لهم مخيمات ملائمة للسكن، بل تركتهم يواجهون مصيرهم القاسي وحدهم".