وصلت مشاورات قوى سياسية عراقية مختلفة إلى طريق مسدود في ما يتعلق بموضوع الانتخابات البرلمانية العامة بالبلاد في مايو/أيار المقبل، بين مُصر على إجرائها في موعدها، وآخر يرى ضرورة إعادة النازحين إلى مدنهم ومنازلهم من دون قيد أو شرط، باعتباره حقاً كفله الدستور النافذ في البلاد، وهو الشرط الذي لا يمكن التنازل عنه مقابل الموافقة على خوض الانتخابات البرلمانية، فضلاً عن وضع شروط أخرى مثل سحب المليشيات من المدن المحررة خوفاً من تأثيرهم على عملية الاقتراع بشكل عام.
ورغم تحرير القوات العراقية كامل المدن والأراضي العراقية من قبضة تنظيم "داعش"، إلا أن هناك أكثر من 3 ملايين نازح لا يستطيعون العودة إلى منازلهم، ويقيم أغلبهم في مخيمات ومعسكرات أو في منازل وشقق مستأجرة على نفقتهم الخاصة في مناطق مختلفة، تتركز غالبيتها في إقليم كردستان العراق، في الوقت الذي أعلنت فيه لجنة الهجرة في البرلمان العراقي عن عودة نحو مليونين و600 ألف نازح إلى مدنهم في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وحزام بغداد.
وتقف عوامل عدة دون عودة النازحين إلى منازلهم، بينها منع مليشيات "الحشد الشعبي" السكان من العودة إلى سبع بلدات ومدن عراقية تسيطر عليها، أبرزها جرف الصخر ويثرب والعويسات وبيجي وبلدات جنوب غربي بغداد وشمال بابل، فضلاً عن أسباب أخرى مثل الدمار الهائل الذي أصاب منازل المواطنين وبطء عملية رفع الألغام ومخلفات العمليات العسكرية بعد انسحاب عدد من الشركات العاملة في هذا المجال بسبب تأخر بغداد بدفع مستحقاتها. ويقول مسؤولون وقياديون في كتل تعترض على إجراء الانتخابات، قبل عودة النازحين إلى مدنهم، إن جمهورهم لن يتمكن من التصويت في معسكرات اللجوء، وسيفقدون ثقلهم الحقيقي في البرلمان المقبل. وبين إصرار أطراف التحالف الوطني الحاكم في العراق على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وبين تأكيد كتل تحالف القوى وائتلاف الوطنية والحل وأحزاب أخرى أنه لا انتخابات قبل عودة النازحين لمدنهم، لا يزال الموقف الكردي الرسمي غامضاً، إلا من بعض الأصوات التي طالبت هي الأخرى بحسم ملف المناطق المتنازع عليها قبل الانتخابات، كونها تحوي جمهوراً كردياً لن يتمكن من التصويت، لأن أغلبيتهم فروا من مناطقهم بفعل الحملة العسكرية العراقية التي استعادت بغداد بموجبها المناطق المتنازع عليها في كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى وباتت تحت إدارتها بشكل كامل.
وحول ذلك، يكشف القيادي في تحالف القوى العراقية النائب خالد المفرجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن "توافق داخل تحالف القوى لتأجيل الانتخابات أو عدم المشاركة بها في حال لم يعد النازحون إلى منازلهم ومدنهم". ويضيف "هذا رأي تحالف القوى بالإجماع، ولا يوجد اعتراض على هذا الأمر من أي عضو من أعضاء تحالف القوى". ويوضح "نحن اليوم ندفع نحو تأجيل الانتخابات لأسباب موضوعية، أهمها عودة النازحين إلى مناطقهم. وإن تحقق هذا الأمر وعاد كل النازحين، مع توفير سبل العيش الآمن لهم وانسحبت الفصائل المسلحة من المناطق المحررة، بالتأكيد سنشارك في الانتخابات، وسيكون مبعث ارتياح لنا وللسكان المحليين في تلك المناطق، وستكون هناك مشاركة حقيقية. وقتها، حتى النتائج ستكون حقيقية، وتعبر عن واقع المجتمع. أما إذا بقيت الأمور على ما هي عليه، فأعتقد أن الموضوع سيصبح صعباً جداً، وستكون هناك انتخابات مشكوك بها ومشكوك بتمثيل من سيفوز عن هذه المناطق أو المناطق الأخرى".
مصادر في بغداد مقربة من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، تؤكد، لـ"العربي الجديد"، وجود ما وصفته "بتأييد أميركي" و"تفهم" من بعثة الأمم المتحدة لمخاوف الكتل السنية، وكذلك المسيحية التي خسرت أكثر من 60 في المائة من جمهورها في سهل نينوى والموصل وكركوك بفعل اجتياح "داعش". كما أن المقيمين في دول أوروبية لم يتم تسجيل أسمائهم ضمن الجاليات العراقية هناك حتى يتم شملهم بالتصويت، فضلاً عن كتل مدنية ترى أن عسكرة بغداد الآن وتحشيدها دينياً لن يكون مناسباً لها أن تخوض انتخابات نزيهة فيها. "لدينا ملايين النازحين، فكيف يمكن أن تقنع النازح بوضع صندوق انتخابي قرب خيمته الباردة للتصويت؟ هذا أمر غير منطقي"، هكذا يصف النائب حامد المطلك وضع الانتخابات المقبلة في حال عدم عودة النازحين، الذين يؤكد أن عددهم أكثر من ثلاثة ملايين، ومع الذين في خارج العراق يبلغون نحو خمسة ملايين. ويضيف، لـ"العربي الجديد"، إن "وزير الهجرة يتحدث عن ملايين وليس بضع مئات الآلاف، والعدد كبير جداً. وهؤلاء بالتأكيد سوف يستغلهم من يستغلهم. ونحن نرى بأم أعيننا ونسمع بآذاننا أن هناك من يستثمر مأساة هؤلاء بالمال أو بربطة خبز أو مدفأة أو بطانية من أجل شراء أصواتهم أو بطاقاتهم الانتخابية. وهذا ما لن ينتج لنا انتخابات نزيهة ونتائج تعكس الواقع العراقي الفعلي". ويتابع "لذلك يشترط أن يعود الناس إلى منازلهم داخل مدنهم، وتوفير الخدمات والمساعدات لهم ومعاملتهم كضحايا إخفاق النظام السياسي والحكومي، ليتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم من دون ضغط أو إجبار. أما في حال عدم تأمين ذلك، فإن هذه الانتخابات ستكون هزيلة ولا تؤدي الغرض المطلوب منها، ومضرة أكثر من كونها نافعة".
من جانبه، يقول المتحدث باسم المفوضية العليا للانتخابات في العراق، كريم التميمي، لـ"العربي الجديد"، "نحن نحترم كل التوجهات السياسية، وليس لدينا دخل في الجانب السياسي، فنحن جهة فنية تنفيذية لعملية الاقتراع، والموعد المحدد جاء ضمن مرسوم رئاسي من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووافقت عليه المفوضية". ويضيف "لذا المفوضية مستعدة لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد لها، ومسألة التأجيل أمر يعود إلى الرئاسات الثلاث". ويبين التميمي أنه "بالنسبة للمحافظات المحررة من داعش الإرهابي، فإن المفوضية قامت بخطوات استثنائية ومهمة لغرض تمكين أهلها من المشاركة في الانتخابات، وكذلك وضعنا للنازحين خطة استثنائية تسمح لهم بالانتخاب في الأماكن التي يتواجدون فيها".
ويوضح القيادي في التحالف الكردستاني، حمة أمين، لـ"العربي الجديد"، أن "الكتل الكردية تشعر بقلق من ملف المناطق التي انتزعتها بغداد وتسيطر عليها حالياً، ويتواجد فيها عدد كبير من الأكراد، ونرى أن مشاركة الأمم المتحدة في عملية مراقبة الانتخابات أمر ضروري"، مبيناً أن "القيادة الكردية لم تجتمع حتى الآن لمناقشة الأمر رسمياً بسبب انشغالها بملف أزمة الاستفتاء وإجراءات بغداد ضدها". وفي السياق، رجح عضو البرلمان العراقي عن "ائتلاف دولة القانون"، جاسم محمد جعفر، أول من أمس، احتمال تأجيل الانتخابات حتى نهاية العام المقبل في حال لم تشارك المحافظات الغربية والشمالية فيها، موضحاً، خلال تصريح صحافي، أن الحكومة العراقية جادة في إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وكذلك الكتل السياسية في "التحالف الوطني". ويضيف "توجد سبع محافظات من الصعوبة إجراء الانتخابات فيها، منها ثلاث محافظات لتحالف القوى، هي الأنبار وصلاح الدين ونينوى، ومناطق أخرى، فضلاً عن المحافظات الكردية الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، بالإضافة إلى كركوك"، موضحاً أن خيار تأجيل الانتخابات لمدة أربعة أشهر صعب جداً لأن "تحالف القوى" يصر على عودة جميع النازحين، وتقديم مبالغ مالية ضمن الموازنة من أجل إعمار البنى التحتية في المناطق المحررة من سيطرة تنظيم "داعش"، وهذا الأمر مستحيل، بحسب قوله. ويتابع "في حال عدم مشاركة المحافظات السبع فتوجد أرضية لتأجيل الانتخابات إلى أواخر العام المقبل، لكن لا بد أن يكون للمحكمة الاتحادية قرار في هذا التأجيل"، مضيفاً "حتى هذه اللحظة الجميع يعمل، وكأن الانتخابات قائمة في موعدها المحدد".