يبدو أن الأزمة المالية التي يمرّ بها العراق والتي لم يسلم منها أحد، أثّرت على موارد المليشيات العاملة على الساحة العراقيّة، الأمر الذي دفعها لتكثيف أعمال الخطف والابتزاز في شوارع العاصمة بغداد ومقايضة المخطوفين بمبالغ ماليّة لسد حاجتهم للمال.
والغريب في عمليات الخطف التي تصاعدت وتيرتها أخيراً، أنّها لم تفرّق بين العراقيين، ولم تطل جهة من دون أخرى، كما أن المخطوفين لم يتعرضوا إلى التعذيب والقتل، بل أُطلق سراحهم عند الحصول على فدية مالية، الأمر الذي يشير إلى أنّ الدافع وراء تلك الأعمال هو مالي بحت.
تصاعُد أعمال الخطف والابتزاز في شوارع بغداد، زرع الرعب في نفوس العراقيين حتى المواطنين البسطاء منهم، فيما تعترف وزارة الداخليّة بهذا التصعيد من دون أنّ تجد حلاً لذلك.
ويروي الشاب حيدر محمود لـ"العربي الجديد" حادثة اختطاف والده والتي تمت الأسبوع الماضي، قائلاً إنّ "والدي يعمل في تجارة الملابس، ولديه عدّة محال في مناطق متفرقة من بغداد، وهو يتابع سير العمل بنفسه متنقلاً بين المحال التجارية، وتكون تنقلاته بسيارات الأجرة، لأنّه لا يستطيع القيادة في المناطق المزدحمة".
ويضيف محمود أنّ "والده ذهب قبل عدّة أيام إلى شارع حيفا وسط بغداد، ونزل من سيارة الأجرة عند الحادية عشرة صباحاً، وإذا بعدة أشخاص في سيارة مدنية يرتدون زيّاً عسكرياً، يلقون القبض عليه ويضعونه في سيارتهم ويخطفونه إلى جهة مجهولة".
ويتابع: "بعد خمس ساعات اتصل بنا من هاتفه الشخصي، وأكّد أنه غير مصاب ولا أحد يعذبه، لكن الخاطفين لن يطلقوا سراحه إلا بفدية بقيمة 200 ألف دولار"، مشيراً إلى أنّ "المساومة مع المليشيات انتهت بعد أربعة أيام واتفقنا على 120 ألف دولار".
ويقول محمود: "سلّمنا المبلغ لهم في أحد شوارع بغداد، وأطلقوا سراح والدي بعد نصف ساعة، حيث اتصل بنا وذهبنا له في منطقة معيّنة، وعاد معنا إلى البيت".
اقرأ أيضاً: معركة الأرض المحروقة في تكريت بتحالف إيراني أميركي عراقي
من جهته، يشير نائب عن تحالف القوى العراقيّة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "المليشيات كانت خلال فترة حكم (رئيس الوزراء السابق نوري) المالكي تحصل على واردات كبيرة من ميزانية الدولة، لكنّها اليوم وبسبب الأزمة الماليّة وانتهاء حكم المالكي تمرّ بأزمة ماليّة تدفعها إلى تعويضها عبر الخطف والابتزاز".
ويضيف أنّ "هذه الحالة خطرة للغاية، ويجب معالجتها بأسرع وقت، فقد أثرت على نفسيّة وعمل المواطن بشكل كبير، كما أجبرت عشرات المواطنين على ترك بغداد والهجرة منها"، داعياً إلى "تشكيل خلية أزمة لمتابعة موضوع الخطف والابتزاز وإيجاد حلول ناجعة للأزمة حفاظاً على أرواح المواطنين وممتلكاتهم".
بدوره، يتهم عضو في اللجنة الأمنيّة بمجلس محافظة بغداد، "العاملين في الأجهزة الأمنيّة بتشكيل عصابات للخطف والابتزاز، مستغلين ملابسهم وسياراتهم العسكريّة".
ويقول عضو اللجنة لـ"العربي الجديد" إنّ "الكثير من عناصر الأجهزة الأمنية هم أنفسهم، مرتبطون بمليشيات الخطف والابتزاز، ويُشكّلون عصابات كبيرة تتحرك باسم الدولة، ولا أحد يستطيع أن يردعها".
ويؤكد أنّ "الخلاص من تلك المليشيات لن يتم عبر تكثيف الحواجز الأمنية، أو أيّ إجراء أمني آخر، إنما الحل الوحيد هو عبر تطهير المؤسسة الأمنيّة من العناصر المندسة، والمرتبطة بالمليشيات"، محذراً من أنه في حال "لم تُطهَّر المؤسسة الأمنيّة، فستبقى المليشيات على حالها تصول وتجول في وضح النهار ولا أحد يستطيع محاسبتها".