استطاعت قوات البشمركة الكرديّة، تحقيق إنجاز ميداني في مواجهة تنظيم "الدولة الاسلامية"(داعش)، غيّر من معادلة القوى على الأرض، وقد يمهّد لعمليات وضربات من شأنها حسم المعركة مع التنظيم. وقد تكون الدراسة الواقعيّة لميدان المعركة، وكسب العشائر في الموصل، ومساندتها قوات البشمركة والتعاون معها ميدانياً، في موازاة الابتعاد عن الأجندات السياسيّة، من أهم أسباب التقدّم الأمني الذي أحرزته البشمركة، والذي يبدو مفقوداً في بقية المحافظات، حيث يقاتل الجيش العراقي وميليشيا الحشد الشعبي.
وتمكّنت قوات البشمركة الكرديّة بالتعاون مع أبناء العشائر العربيّة في الموصل من السيطرة على جميع مناطق قضاء سنجار في الموصل، وكسر الحصار عن جبل سنجار، وتحرير الأيزيديين الذين كانوا محتجزين فيه، كما حررت الطريق الرابط بين سنجار ومحافظة دهوك، وناحية سنوني التابعة لسنجار، وفقا لمسؤولين أكراد.
ويرى القيادي في التحالف الكردستاني، شوان محمد طه، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّ "النجاح الذي حقّقته قوات البشمركة كان نجاحاً متوقعاً، لعدّة أسباب، منها الإشراف المباشر لرئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني على المعارك ومتابعته الميدانيّة، ما رفع من معنويات المقاتلين، والتعامل الواقعي مع الأرض بعيداً عن الأبعاد السياسية، وكسب أبناء المناطق المحتلة من قبل "داعش"، والتعاون مع أبناء العشائر المقاتلين، إضافة إلى دور الغطاء الجوي للتحالف الدولي".
ويقول طه إنّ "سيطرة البشمركة قطعت طريق إمدادات داعش، الأمر الذي سيضعف التنظيم بشكل كبير ويربكه"، مؤكّداً أنّ "هذا التقدم هو تمهيد لضرب داعش الضربة القاصمة". ويرى أنّ "الإنجاز المحقّق يُعد دعماً كبيراً وتغيّراً استراتيجياً في واقع المعركة مع داعش، ويضيف معطيات جديدة، يجب على الحكومة العراقية أن تستثمرها وتعمل على وضع استراتيجية لتحرير الموصل".
ويشيد طه بـ "التعاون الكبير من قبل العشائر العربية في سنجار من عشيرة شمر وغيرها"، مبيناً أنّ "البشمركة لا تحسب المنتمين إلى داعش على عشيرة معينة أو مكوّن معين، الأمر الذي خلق روحاً من التعاون بينها وبين الأهالي، صبّ لصالح حسم المعركة".
ويمكن للمنظومة الأمنيّة والدفاعيّة، وفق طه، "إذا لم تتعامل مع الملفات بشكل سياسي، وعملت على إعادة الأمن والاستقرار، أن تحظى بتعاون ودعم الأهالي وتحقق انتصارات، أمّا إذا تعاملت وفق أجندة سياسيّة بحتة لاستهداف الآخرين، فإنّها ستخلق مشاكل وتخسر المعركة كما حدث في مناطق عدّة".
من جهته، يشيد شيخ عشيرة شمّر في الموصل، عبد الله الياور، بـ"الانتصار الكبير الذي تحقّق في ربيعة وسنجار". ويوضح أنّ "الجهود المشتركة مع قيادة إقليم كُردستان أثمرت بتحقيق النصر، وأنّ أيام داعش باتت محدودة"، مشيراً الى أنّ "بعض قياديي داعش الذين تم اعتقالهم اعترفوا بتلقيهم دعماً معنوياً ومادياً وتغطية عليهم من قبل بعض ضعاف النفوس".
ويؤكّد الشيخ أنّ "قبيلته وأهالي ربيعة سيطردون كلّ من ناصر مقاتلي "داعش" وتعاون معهم، بقتل أي عراقي أو اختطاف أي امرأة عراقيّة، وكلّ من شارك في اغتصاب الأيزيديات وسرقة البيوت وتفجير المساجد والكنائس والحسينيات"، مضيفاً: "لا مكان لهؤلاء بيننا وسيقتصّ القانون منهم".
ولم يتأخر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في تهنئة رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني بمناسبة الانتصارات الأخيرة لقوات البشمركة في زمار وسنجار في محافظة نينوى، مؤكّداً "دعم الحكومة الاتّحادية لإقليم كردستان وقوات البشمركة". وأعلنت رئاسة إقليم كردستان، في بيان صحافي، أنّ "البارزاني تلقى مكالمة هاتفيّة من العبادي، الذي أشاد بدور قوات البشمركة والإنجازات التي حققتها".
ويُعدّ التقدّم الذي أحرزته قوات البشمركة، التقدّم الميداني الأكبر ضدّ تنظيم "داعش"، ويفتح الباب أمام خطوات أخرى، قد تُسهم في تحرير الموصل. ويؤشّر هذا التقدّم إلى دور كبير ومحوري لقوات البشمركة، في المعادلة العسكريّة العراقيّة، في وقت تفقد فيه القوات العراقية والجيش ثقة الشارع، بعد هزيمتهما في الموصل في شهر يونيو/حزيران الماضي، قبل انضمام ميليشيا الحشد الشعبي إليها، والانتقادات التي نتجت من ذلك.