يطرح الإعلان المشترك لثماني فصائل عراقية مسلحة مدعومة من إيران اعتبار القوات الأميركية البالغ عديدها قرابة الستة آلاف عسكري، وتتركز وفقاً لخريطة إعادة التموضع الجديدة في مناطق شمال وغرب العراق، ضمن إقليم كردستان والأنبار، قوات احتلال والتهديد بمهاجمتها، تساؤلات عدة بشأن جدية الإعلان ومدى إمكانية بدء تنفيذها هجمات مسلحة على القواعد والمعسكرات التي توجد فيها القوات الأميركية. كذلك يطرح تساؤلات عن موقف السلطات الحكومية من هذا التهديد، وهل الإعلان المشترك لتلك الفصائل يعني أنها خرجت من تحت عباءة "الحشد الشعبي"، التي حرصت بغداد في السنوات الماضية على محاولة إثبات أنها جزء من المنظومة الأمنية الرسمية وخاضعة لسيطرتها وتوجيهاتها.
ومساء أول من أمس السبت، أصدرت ثماني فصائل عراقية مسلحة مقربة من إيران بياناً مشتركاً هو الأول من نوعه، قالت فيه إنها قررت معاملة القوات الأميركية كقوات احتلال، مهددةً بأنّ ردها مجتمعة لن تتحمله هذه القوات. وأضاف البيان الذي حمل اسم كل من مليشيا "العصائب"، و"الخراساني"، و"النجباء"، و"سيد الشهداء"، و"سرايا عاشوراء"، و"كتائب الإمام علي"، و"الأوفياء"، و"جند الإمام"، وهي من أبرز الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، أنه "بعد قرار البرلمان بالخروج الفوري للقوات الأجنبية، ومن ثمّ استجابة الحكومة لذلك، وما أعقبه من تظاهرات تطالب بخروج تلك القوات، وجدنا بالدليل القاطع أنّ القوات الأميركية ازدادت عتواً وطغياناً، وقامت بمزيد من الاعتداءات. لذا اجتمع الغيارى من أبناء فصائل المقاومة الوطنية لتثبيت موقفهم التاريخي باعتبار القوات الأميركية قوات احتلال، ولن تستطيعوا تحمل ردّ فصائل المقاومة مجتمعة ضدكم، ولن تستطيعوا الاستمرار في الوجود، وستتحول أرض العراق وسماؤه جحيماً عليكم".
وأكدت هذه الفصائل رفضها في البيان ذاته رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي الذي وصفته بأنه "مرشح الاستخبارات الأميركية"، مطالبةً نواب البرلمان بـ"إفشال المؤامرة الأميركية".
وفي الوقت الذي أقرّ فيه عضو بارز في تحالف "الفتح" البرلماني (الجناح السياسي للحشد)، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنّ بيان الفصائل الثماني يأتي "متماشياً" مع طروحات قائد "فيلق القدس" الإيراني، إسماعيل قاآني، في زيارته الأخيرة إلى العراق، والتي اعتبر فيها وصول منظومة "باتريوت" إلى العراق واستمرار الوجود العسكري الأميركي تهديداً مباشر لأمن إيران القومي، أشارت مصادر سياسية في بغداد لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "البيان خلق انقساماً واضحاً داخل معسكر القوى السياسية الشيعية الرافضة تكليف عدنان الزرفي تشكيل الحكومة". وأضافت أنّ أطرافاً في ائتلاف "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، وكتلة "عطاء"، بزعامة فالح الفياض، رئيس هيئة "الحشد الشعبي"، رأت البيان "مستعجلاً، وتهديداً لسلطة الدولة، ويعزّز حجج الطرف الآخر بما يسميه تغول نفوذ المليشيات ومصادرتها قرار الدولة". كذلك اعتبرت أنه "يؤسس لمرحلة فوضى القرارات الارتجالية خارج مظلة الحشد الشعبي".
في المقابل أيّدت أطراف في تحالف "الفتح" البيان، ووجدت أنه "ستكون له انعكاسات داخلية وخارجية تصبّ في صالحها؛ داخلياً على مستوى دفع القوى الداعمة لتكليف الزرفي لمراجعة موقفها والتخلي عنه، فيما الانعكاسات الخارجية ستفرضها حقيقة أنّ الولايات المتحدة حالياً في وضع لا يسمح لها بمواجهة مفتوحة في العراق بسبب جائحة كورونا، وقد يشكل التوجه الجديد ضغطاً على إدارة الرئيس دونالد ترامب لسحب القوات في حال تنفيذ عملية أو اثنتين مماثلة للهجوم على قاعدة التاجي، في 11 مارس/ آذار الماضي، والتي أسفرت عن مقتل أميركيين اثنين وبريطاني وجرح 10 آخرين"، وفق المصادر.
وبحسب هذه المصادر نفسها، فإنّ اجتماعاً كان مقرراً مساء أول من أمس السبت بين القوى الرافضة تكليف الزرفي كان قد ألغي، بسبب الخلافات على البيان الصادر عن الفصائل الثماني، والتي عقد أغلب زعمائها اجتماعات منفصلة مع زعيم "فيلق القدس"، إسماعيل قآاني خلال زيارته إلى بغداد أخيراً. وأكدت المصادر أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال، عادل عبد المهدي، تواصل مع أكرم الكعبي وقيس الخزعلي زعيمي مليشيا "النجباء"، و"العصائب"، بهدف أخذ تعهدات منهما، بعدم القيام بأي خطوة ضدّ القوات الأميركية.
وأشارت المصادر إلى أنه "من غير المطروح حالياً أن يشهد العراق أي تصعيد عسكري على سبيل الردّ الموحّد لتلك الفصائل، كما هددت في بيانها"، معتبرةً أنّ صدور البيان "له علاقة بالأزمة السياسية بين القوى الشيعية حول رئاسة الحكومة".
في السياق، قال عادل الكرعاوي، المتحدث باسم مليشيا "الأوفياء"، وهي إحدى الفصائل الموقعة على البيان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الفصائل حالياً لا تنوي شنّ أي هجمات على القوات الأميركية، لكن إذا أقدمت تلك القوات المحتلة على أي فعل، فسيكون لهذه الفصائل ردّ قوي وقاسٍ هذه المرة، يختلف عن الردود السابقة، ورسائل المقاومة كانت واضحة للقوات المحتلة، ونحن جاهزون لأي طارئ مهما كان".
وأضاف الكرعاوي أنّ "القوات الأميركية ما زالت تراقب مقرات الفصائل من خلال الطائرات المسيرة بشكل مستمر، كما عزّزت وجود قواتها في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، وكذلك في قاعدة الحرير في أربيل، ونصبت منظومة دفاع جوي متطورة، وهذا يدلّ على أنها تخطط لشنّ هجمات على الفصائل، وأيضاً تنفيذ اغتيالات ضدّ قيادات عراقية". وأوضح أنّ "فصائل المقاومة أعطت سابقاً فرصة للحكومة العراقية من أجل إخراج تلك القوات المحتلة، وفق الأعراف الدبلوماسية والقانونية، ووفق قرار البرلمان العراقي، لكن إصرار هذه القوات على البقاء، رغماً عن الحكومة العراقية، يعني وجوب استخدام الطرق الأخرى معها لتحرير البلاد منها، ومن ذلك الخيار العسكري".
وشدد الكرعاوي في الوقت نفسه على أنه "لا يمكن تمرير رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، والكل يعلم ذلك جيداً، لكن إذا مرّر في البرلمان، على الرغم من رفض الأغلبية له، وهذا أمر مستحيل، فسيكون لنا موقف، وسيكون لكل حادث حديث".
بدوره، قال النائب عن تحالف "الفتح"، كريم عليوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "القوات الأميركية في العراق هي قوات محتلة، وهناك شرعية قانونية لاستهدافها من قبل فصائل المقاومة، خصوصاً أنّ بقاءها يهدد الفصائل والشعب، لما لديها من مخططات عدائية ضدّ العراق والعراقيين".
وأوضح عليوي أنّ "الفصائل في الوقت الحاضر لا تريد إحراج الحكومة العراقية، ولهذا هي لا تريد شنّ هجمات عسكرية على القوات الأميركية المحتلة، لكنها سترد بشكل قاسٍ إذا أقدمت الولايات المتحدة على استهداف أي فصيل أو قيادي، فهذه الفصائل لها القدرة والإمكانية على فتح جبهة مع واشنطن".
وتابع أنّ "رفض فصائل المقاومة لرئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي لم يكن سياسياً، بل اعتمد على معلومات دقيقة، تؤكد أنّ تكليفه يأتي ضمن مخطط أميركي، ولهذا تمّ رفضه، ولن يمرر مهما حاولت أميركا ذلك، من خلال الضغوطات على بعض الأطراف السياسية العراقية".
من جهته، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الحمداني، البيان الصادر عن الفصائل المسلحة بأنه "ذو طابع سياسي أكثر من كونه عسكرياً أو حربياً". وأضاف الحمداني في حديث مع "العربي الجديد" أنه لا يستبعد أن يكون البيان "نتاج أحد تخبطات إسماعيل قآاني في إدارة الملف العراقي، ذلك لأن الولايات المتحدة تنتظر الآن مثل هكذا خطوات من الفصائل المرتبطة بإيران، حتى تردّ بشكل أكثر عنفاً، بغطاء قانوني، ولتؤكد أنّ الحكومة الحالية مسلوبة الإرادة وخاضعة لسطوة المليشيات المرتبطة بإيران".
ورأى الخبير في الشأن السياسي العراقي أنّ البيان "يعبّر عن حدة الانقسام والفوضى بمرحلة ما، بعد قاسم سليماني، بالنسبة للفصائل المسلحة، وصعوبة سيطرة الحكومة عليها، وكذلك القوى السياسية. لذا قد نرى تبدلات مواقف وتقلبات كثيرة في الأيام المقبلة، أو حتى قرارات مفاجئة غير مفهومة. لكن ما هو مؤكد أنّ الولايات المتحدة تستفيد من كل هذه التطورات داخل الساحة العراقية".