وكشف الوزير ذاته لـ"العربي الجديد"، أنّ "مفاوضات الكتل الكردية مع المالكي والعامري تتمّ برعاية إيرانية من خلال (قائد فيلق القدس)، الجنرال قاسم سليماني، الذي قدّم نفسه كضامن لأي اتفاق بين الطرفين، بما في ذلك ملف كركوك والنفط والغاز والمناطق المتنازع عليها"، مضيفاً أنّ "الأكراد يثقون في وعود الإيرانيين أكثر من الأميركيين الذين خذلوهم في استفتاء الانفصال، وسمحوا لبغداد بتنفيذ حملة عسكرية ضدهم، وطردهم من أكثر من 30 مدينة مختلطة كانوا يسيطرون عليها في كركوك وصلاح الدين وديالى ونينوى، ضمن ما يعرف بالمناطق المتنازع عليها"، على حدّ قوله.
ووفقاً لهذا الوزير، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، فإنّ المفاوضات تجرى أيضاً مع تحالف "الكرابلة" (حركة الحل بزعامة جمال الكربولي)، إذ تُجرى مساعٍ لشراء تحالفهم من خلال منحهم مناصب مهمة، تتمّ على حساب إقصاء تحالف "القرار"، بزعامة نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، وقيادات محسوبة على "الحزب الإسلامي العراقي" (الإخوان المسلمين).
وكشف الوزير أن "بعض الكتل الصغيرة التي فازت بمقعدين أو ثلاثة، تمّ شراء ولائها مقابل مبالغ وصلت إلى 50 مليون دولار. وهناك تحرّك مماثل يستهدف أعضاء في تحالفات "النصر" برئاسة حيدر العبادي، و"الوطنية" بزعامة إياد علاوي، و"سائرون"، إذ يتم منحهم وعوداً بمناصب أو شيكات بمبالغ مالية كبيرة، لقاء الانضمام إلى المعسكر الثاني"، في إشارة إلى تحالف المالكي، معتبراً أنّ "المفاوضات باتت معقدة أكثر، وإيران أرجعت كل شيء إلى نقطة الصفر من خلال تحركاتها الحالية".
وحتى مساء أمس الإثنين، كانت الساحة السياسية في العراق تشير إلى بروز معسكرين واضحين؛ الأوّل ما يمكن اعتباره الخط الإيراني، بزعامة كل من المالكي والعامري، والثاني ما بات يعرف باسم الخط العراقي، المتمثّل في الصدر والعبادي وعلاوي.
وتمكّن تحالف "دولة القانون" و"الفتح" من جذب كتل غير قليلة إليه، من أبرزها حركة "إرادة" بزعامة حنان الفتلاوي (3 مقاعد)، "كفاءات" بزعامة هيثم الجبوري (مقعدان)، "الحزب المدني" (مقعد واحد) بزعامة حمد الموسوي المتهم بجرائم غسيل أموال لمصلحة النظام السوري وإيران، كتلة "حزب الجماهير" بزعامة محافظ صلاح الدين أحمد الجبوري (5 مقاعد)، كتلة "قلعة الجماهير" بزعامة قتيبة الجبوري (3 مقاعد)، حركة "البشائر" بزعامة حسين المالكي، صهر نوري المالكي (مقعدان)، في حين ما زال التفاوض مستمراً مع حزب "الحل" بزعامة جمال الكربولي، مسؤول جمعية "الهلال الأحمر العراقي" السابق، والمتهم بالفساد ويقيم بالأردن منذ عام 2005، ويدير شقيقه محمد الكربولي الحزب حالياً، للانضمام إليهم. وسيضمّ هذا التحالف في حال نضوجه 103 مقاعد برلمانية، مع استمرار الضغط على كتل أخرى، في وقت يجري التفاوض مع الكتل الكردية بشكل منفرد، مثل "الاتحاد الكردستاني"، "الحزب الديموقراطي"، "التغيير"، "الجماعة الإسلامية الكردستانية" وتحالف "من أجل الديموقراطية".
في المقابل، تبرز القوائم القريبة من تحالفي "النصر" و"سائرون"، وهي كتلة "بيارق الخير" بزعامة خالد العبيدي (مقعدان)، "الوطنية" بزعامة إياد علاوي (21 مقعداً)، "القرار العراقي" بزعامة أسامة النجيفي (13 مقعداً)، "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم (20 مقعداً)، "تجمّع رجال العراق" (مقعد واحد)، "الحزب الديمقراطي" بزعامة غسان العطية (مقعد واحد)، "عابرون" بزعامة قاسم الفهداوي (مقعدان)، "تمدّن" بزعامة فائق الشيخ علي (مقعدان)، "التحالف العربي في كركوك" (3 مقاعد)، و"جبهة تركمان كركوك" بزعامة أرشد الصالحي (3 مقاعد)، بما يشكّل نحو 120 مقعداً.
وتستمرّ بطبيعة الحال الحوارات مع الكتل الكردية التي تعيش حالة انتعاش سياسي جديدة، للمرة الأولى منذ نكستها في استفتاء الانفصال عن العراق في سبتمبر/أيلول من العام الماضي. وتشغل الأحزاب الكردية 57 مقعداً، أكبرها "الديموقراطي الكردستاني" بواقع 27 مقعداً، تليه الأحزاب الأخرى، وهي "الاتحاد الوطني"، "التغيير"، "الجماعة الإسلامية"، "الاتحاد الإسلامي"، "حراك الجيل الجديد"، "التحالف من أجل الديمقراطية" و"العدالة".
إلى ذلك، شهدت الكتل العربية السنية انشقاقاً كبيراً في موقفها الأخير الداعم العبادي، إذ تفيد معلومات من داخل تحالف "القرار العراقي" بـ"تسجيل تقارب بين تحالف الكرابلة (حزب الحل) ومعسكر المالكي". ووفقاً للمصادر ذاتها، فإنّ حزب "الحل" يحاول جذب كتل صغيرة سنية على مستوى محافظات شمال وغرب البلاد، من أبرزها كتلة "ديالى هويتنا"، "صلاح الدين هويتنا"، "عرب كركوك"، "تحالف بغداد"، فضلاً عن التحرّك باتجاه نواب من العرب السنة في المحافظات الغربية والشمالية، من أبرزهم يحيى المحمدي وغادة الشمري (ائتلاف الوطنية) وفيصل العيساوي (تحالف النصر)، ما يشكّل 19 مقعداً برلمانياً.
وفي السياق، قال عضو تحالف "النصر"، محمد العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "المفاوضات الحالية يسودها عدم الثقة بين الكتل، وهناك ضغوط خارجية هائلة على الجميع"، مبيناً أنه "لا يمكن الجزم بأي شيء الآن، وما يدور وراء الكواليس يختلف تماماً عن المعلن". ولفت العبيدي إلى أنّ "هناك خوفاً من أنّ هذه الفوضى ستقود مجدداً إلى حكومة محاصصة طائفية"، مستبعداً "ولادة حكومة جديدة خلال شهرين من الآن، إذ إن هناك من يعيد تشكيل التحالفات مجدداً".
بدوره، قال القيادي في تحالف "الفتح"، سامي المسعودي، إن "عمل الكتل السياسية ما زال مستمراً هذه الفترة لاختيار رئيس للوزراء لحكومة العراق المقبلة"، مضيفاً في تصريحات صحافية، أنّ "نتائج الانتخابات أفرزت لنا معادلة سياسية صعبة تقتضي موافقة الكتل من أجل تشكيل التحالفات". وأوضح المسعودي أنّ "العامري، غير طامح بشدة إلى منصب رئيس الوزراء، ولكنه أيضاً أحد الخيارات المطروحة"، مشيراً إلى أنّ "تحالف الفتح ليس لديه خط أحمر على أي طرف سياسي". ولفت المسعودي إلى أنّ "مسألة تجديد الولاية الثانية للعبادي لم تطرح لغاية الآن لدينا، وهو ليس المرشح الأوحد لرئاسة الوزراء".
من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي، خالد الحمداني، أنّ "الحراك الإيراني الحالي حتى وإن نجح، لن يكون بمقدوره إقصاء تحالف الصدر أو العبادي من التشكيلة الحكومية، كون ذلك سيكون تصرفاً مفضوحاً ويطعن في شرعية الحكومة، ويرسّخ فكرة الانتداب الإيراني على العراق".
وأضاف الحمداني، في حديث مع "العربي الجديد": "حالياً تحاول إيران تأسيس كتلة ضخمة تدين بالولاء المطلق لها، ركناها المالكي والعامري، وبعدها ستنطلق للتحالف والتفاهم مع باقي الكتل الأخرى"، معتبراً أنّ "الجهود الحالية الإيرانية قريبة من التحقّق في حال حسم الأكراد خياراتهم واتفقوا على الانضمام إلى كتلةٍ قطباها نوري المالكي وهادي العامري".