وبحسب مسؤول عراقي طلب عدم الإشارة الى اسمه بسبب خطورة الملف وارتباطه بمليشيات "الحشد الشعبي"، ومسؤولين كبار في الدولة والبرلمان، فإن "برنامج شراء الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والذخائر من المواطنين الذي طبقه المالكي مطلع عام 2008، وشمل مدن شمال وغرب ووسط العراق، فضلاً عن البصرة وبابل، وأشرف عليه وكيل وزارة الداخلية آنذاك عدنان الأسدي، ونجل المالكي أحمد، أفقد موازنة الدولة الاتحادية مبلغ 690 مليار دينار عراقي (نحو 650 مليون دولار) سُحبت من موازنة الطوارئ السنوية".
اقرأ أيضاً: البرلمان العراقي يكشف عن صفقة فساد جديدة بمليار دولار
وأضاف المسؤول وهو قاضٍ أول في هيئة النزاهة المستقلة التي تتولى التحقيق حالياً بعدد من جرائم الفساد في العراق، وتحظى بدعم من رئيس الحكومة والبرلمان، فضلاً عن مراجع دينية بالنجف وكربلاء في حديث خص به "العربي الجديد"، أن "ثلاثة من قضاة التحقيق داخل الهيئة وخلال عملية التدقيق والمراجعة للأموال التي سحبها رئيس الوزراء السابق اكتشفت وجود تلاعب كبير في المبلغ الذي أُنفق على تلك الأسلحة، وبيّن عددها".
وأضاف القاضي أن "المستندات التي قدّمها كل من وكيل وزارة الداخلية السابق والنائب الحالي في البرلمان، عدنان الأسدي، فضلاً عن أحمد المالكي ولجنة مشكلة من ضباط كبار الداخلية، لا تزال غالبيتهم في الخدمة لغاية الآن، تتحدث عن شراء الحكومة 566 ألف قطعة سلاح من الشارع، منها 358 قطعة سلاح (كلاشينكوف) خفيف، و83 ألف قطعة سلاح (بي كي سي) متوسط و9 آلاف قطعة سلاح أميركي حديث، والباقي قذائف صاروخية ومدافع هاون ومسدسات وأسلحة رشاشة متنوعة بقيمة 690 مليار دينار عراقي، أضيف اليها فيما بعد مبلغ بسيط وقدره 400 مليون دينار (نحو 270 ألف دولار)، لأغراض الحفظ والتخزين، ثم إدخال تلك الأسلحة ضمن ترسانة الجيش والشرطة العراقية".
ويتابع المسؤول العراقي أنّ "المستندات يوجد فيها خلل وفارق كبير بين الأسلحة التي قيل بالمستندات إنها سحبت من الشارع، وبين المبلغ؛ فقد تم تسجيل سعر الكلاشينكوف بـ 700 دولار أميركي، في حين إنه لم يتعد خلال تلك المدة 400 دولار أميركي. وسُجل سعر سلاح "بي كي سي" الروسي المتوسط، بسبعة آلاف دولار أميركي، بينما كان يباع من قبل تجار وشبكات سلاح في السوق السوداء بنحو أربعة آلاف أو كما ذكرت تحقيقاتنا (أربعين ورقة)"، في إشارة إلى العملة النقدية من فئة 100 دولار.
وأضاف المسؤول نفسه أن "أكثر من نصف الأسلحة التي جُمعت، لم تُشتر، بل تم سحبها بالقوة من قبل الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب خلال عمليات دهم وتفتيش المنازل، ومقرّات الصحوات في مدن شمال وغرب العراق، وعمليات الشراء اقتصرت على المدن الجنوبية وأعضاء المليشيات الذين رغبوا آنذاك ببيع أسلحتهم".
وتابع القاضي إفادته بالقول: "دفعنا هذا الكم من الدلائل إلى مخاطبة جهات في وزارة الداخلية والدفاع لزيارة المخازن، وجميعها في بغداد، ولم تصلها يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، خلال محاولة منا لسحب نماذج من تلك الأسلحة ومطابقة رقم كل قطعة سلاح مع المستند، على أن نُجري تقييماً لسعرها الحقيقي بالتعاون مع خبراء مستقلين، إلا أننا لم نجد سوى الصناديق الفارغة وبعض الكلاب السائبة تسرح في تلك المخازن، إذ تبين أن رئيس الحكومة السابق المالكي سلم جميع تلك الأسلحة والذخائر المختلفة للحشد الشعبي وليس إلى الجيش العراقي أو الشرطة".
وبيّن المسؤول نفسه أنّ "أمين مخزن التاجي، وهو ضابط برتبة نقيب، أبلغهم خلال زيارتهم المكان الجمعة الماضي أن الأسلحة عادت إلى الشارع، وأغلق باب غرفته بانزعاج شديد".
واستمر برنامج سحب السلاح من الشارع العراقي لأكثر من عامين بدعم من جهات دولية عدّة، أبرزها واشنطن وبعثة الأمم المتحدة في بغداد. إلا أن واشنطن تحفظت على طريقة عمل البرنامج نهاية عام 2009 بعد قيام المالكي بسحب أسلحة قوات الصحوات العشائرية، التي هزمت تنظيم "القاعدة" ونجحت في استعادة السيطرة على مدن الأنبار في نهاية العام، قبل أن يعود مرة أخرى لسحب أفراد الحماية المخصصة لقادتها، وهو ما تسبب باغتيال عدد كبير من رموزها، أبرزهم قائد صحوة الفلوجة عيفان العيساوي، وقائد صحوة صلاح الدين الملا ناظم الجبوري، وآخرين.
وبحسب القاضي نفسه، فإن "السلاح الذي اشترته الدولة بمئات المليارات من الشارع، عاد مجدداً إليه لكن هذه المرّة لهيئة الحشد الشعبي (مليشيات الحشد) وتسلمته بدون أي قيد أو مستند". وعلق بقوله "ضاعت الأموال وعادت الأسلحة بيد أناس أخطر من السابقين".
وفي اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أكد العقيد المتقاعد في وزارة الداخلية العراقية، أحمد الدليمي ما أورده القاضي، مبدياً استعداده للحضور إلى المحكمة والإدلاء بشهادته، بشرط ضمان سلامته.
وقال الدليمي المقيم حالياً في العاصمة الأردنية عمّان مع أسرته إنه كان شاهداً على عمليات سلب أسلحة الصحوات من منازلهم في الموصل ومن ثم تسجيلها بمستندات شراء من قبل اللجنة التي يشرف عليها عدنان الأسدي".
وأضاف الدليمي أن "الأسلحة الحالية الموجودة بيد المليشيات، هي ما تم سلبه من الصحوات والفصائل المناهضة لتنظيم "القاعدة" آنذاك، فضلاً عن المواطنين، إذ لم يترك المالكي في الموصل سوى سكاكين المطبخ"، على حدّ تعبيره.
وبيّن أنّ "الموضوع بشكل مختصر هو عملية نقل السلاح من فئة إلى أخرى والتنكيل بهم فضلا عن سحب أموال وإيداعها بأسماء عدة شخصيات أبرزهم الأسدي وأحمد المالكي وعقيل الطريحي".
ودعا القضاة المحققين في هيئة النزاهة إلى "مراجعة سجلات مخازن أبو غريب، الواقعة قرب مخزن تجميع حبوب الذرة على الطريق العام، للحصول على المزيد من الأدلة قبل أن يتم حرقها هي الأخرى، كما أحرقت مخازن ومستودعات أخرى تحت مزاعم تماس كهربائي".
وفي الإطار نفسه، قال القائد العسكري لقوات العشائر المناهضة لتنظيم "داعش" الشيخ صالح العنزي، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "سحب المالكي السلاح من يد أبناء الموصل والأنبار، وبقية مدن شمال وغرب العراق، تسبب باحتلالها من "داعش"، ولو بقيت العشائر والصحوات بسلاحها لكان الحال تغير كثيراً، لكن جيشه هرب ونحن بلا سلاح".
وأضاف "سُحب منا السلاح بالقوة، ووُضع في إطار سحب السلاح الطوعي، ومنحنا مبالغ زهيدة. واليوم نحن نشتري السلاح لقتال "داعش"، وسلاحنا الذي تسلمناه من الأميركيين أول مرّة، أو الذي حصلنا عليه بمعاركنا مع "القاعدة" صار بيد المليشيات التي نجدها الوجه الثاني لتنظيم (داعش)".
بدوره، رأى القيادي البارز بجبهة الحراك الشعبي العراقية عبد الحميد السرحان، عمليات سحب السلاح من الصحوات والقوى السنية المسلّحة المناهضة لتنظيم (داعش) كان واحداً من أهم أسباب احتلال (داعش) للمدن العراقية، قادماً بكثافة من سورية.
وأضاف السرحان لـ"العربي الجديد" أن "طائفية المالكي دفعته لسحب السلاح، ثم ممارسة القمع والترهيب والظلم ضد السنة، بشكل ولّد لـ"داعش" المكان الملائم لتواجده وتكاثره، ثم احتلاله جزءا من العراق بأفواج المسلّحين القادمين من سورية، مستغلين ثورة العشائر ضدّ المالكي".
اقرأ أيضاً: تسريبات جديدة لفساد المالكي: يموّل قناته "آفاق" من موازنة العراق