وظهرت بعد نهاية 2015 مهنة جديدة لم تكن على بال العراقيين يوماً، وهي مهنة فحص المنازل "المفخخة" للتأكد من خلوها من المتفجرات قبل دخول الأسر العائدة من النزوح.
ويجد شباب عراقيون لأنفسهم فرصة عمل مربحة من هذه المهنة الخطيرة، يستكشفون المنازل لمعرفة ما إذا كانت مفخخة أم لا مقابل مبالغ مالية.
وبرزت هذه الظاهرة بشكل لافت في مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، بعد العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش" مطلع 2016، التي انتهت لصالح القوات العراقية، وترك التنظيم وراءه مئات المنازل المفخخة، لإعاقة تقدم القوات العراقية.
ومع النقص في عدد الخبراء والمتخصصين، ونقص المعدات اللازمة لإزالة وتفكيك المتفجرات من المنازل، وجد عشرات الشباب فرصة عمل لهم مقابل مبالغ مالية تراوح بين 200 ـ 400 دولار عن كل منزل.
ياسر الدليمي (43 عاماً)، شاب من أهالي الرمادي، عمل في تفكيك المفخخات من المنازل، رغم عدم امتلاكه أي خبرة في المتفجرات. رافق عدداً من الفرق الهندسية العسكرية في المدينة، ولاحظ كيفية إزالتهم للمتفجرات، وتعلّم تقنياتها منهم.
يقول الدليمي لـ"العربي الجديد": "فحص المنازل وإزالة المتفجرات وتفكيك شبكات التفخيخ عمل خطر للغاية، ولأني لا أزاول أي عمل، وجدت في هذه المهنة فرصة لكسب رزقي مع شباب آخرين، إذ نقوم بفحص المنزل مقابل مبلغ من المال".
ويضيف الدليمي "أتلقى عن عملي هذا بين 200 - 400 دولار مقابل فحص المنزل والتأكد من خلوه تماماً من المتفجرات، وتتبّع شبكة التفخيخ في حالة التأكد من وجودها، وإخبار أصحاب المنزل بذلك".
ويعتبر عدد من الشباب أن عملهم هذا إنساني بالدرجة الأساس، إضافة إلى أنه فرصة عمل مربحة. ويشيرون إلى مقتل العشرات من الأهالي وقوات الأمن لحظة دخولهم منازلهم، نظراً لعمليات التفخيخ المعقدة التي اتبعها تنظيم "داعش" في المدينة.
ووجدت الفرق الهندسية المتخصصة في إزالة الألغام من الشباب المتطوعين في هذه المهنة، فرصة لسد النقص الكبير في عدد المتخصصين بتفقد المنازل المفخخة، وتفكيك شبكات التفخيخ المعقدة.
حسن العلواني (29 عاماً)، فقد أربعة من أفراد أسرته بانفجار منزلهم المفخخ لدى عودتهم إلى مدينتهم قبل نحو ثلاثة أشهر، ما دفعه للعمل في هذه المهنة الخطرة، ومساعدة الناس، كما أنه يتلقى مبالغ مالية مقابل عمله.
يقول العلواني "يزودنا أصحاب المنزل قبل عودتهم إلى المدينة بالعنوان الدقيق، فنتوجه إلى المكان ونباشر بتفحص جوانبه من الخارج، كالجدران والأبواب والشبابيك، وملاحظة وجود أي سلك أو عقدة أسلاك حول المنزل".
ويتابع "نتسلق جدار المنزل قبل أن نفتح الباب الخارجي للتأكد من عدم تفخيخه، ثم نتفحص الأبواب الداخلية. وبعدها ندخل المنزل ونبدأ بتفقد كل شيء، حتى صنابير المياه والأثاث، بشكل دقيق جداً، فإذا وجدنا المنزل مفخخاً، ولم تكن لنا القدرة على تفكيكه، نبلغ صاحب المنزل بضرورة تأجيل عودته، وإذا لم يكن مفخخاً يمكنهم العودة".
وقال مصدر في الفرقة الهندسية المتخصصة بتفكيك المتفجرات، رفض الكشف عن اسمه: "تفقد المنازل والتأكد من كونها مفخخة أم لا عمل في غاية الخطورة، وانتهت أغلب عمليات تفكيك المتفجرات بمقتل عدد كبير من المواطنين والمتخصصين".
وكشف المصدر أن "الفرق الهندسية المتخصصة لا تمتلك العدد والأجهزة اللازمة لكشف المتفجرات، ولهذا نعتمد على العدد البسيطة، والآلات البدائية للعمل، ما يعقّد عملنا ويجعله أكثر خطورة".
وتعتبر استراتيجية "تفخيخ" المنازل إحدى الطرق الدفاعية التي يستخدمها تنظيم "داعش" لإعاقة تقدم القوات العراقية، وتُعرف بـ"مصائد المغفلين".