يواصل ناشطون ومتظاهرون عراقيون للأسبوع الثاني على التوالي خوض مباحثات حثيثة بغية الحصول على تأييد واسع من خيم المحتجين في ساحات المدن العراقية المنتفضة، لأجل إعلان تشكيل كيان سياسي أو حزب يمثل المتظاهرين، ويدخل غمار العملية السياسية عبر المشاركة في الانتخابات المبكرة التي يُفترض إجراؤها خلال الأشهر المقبلة.
وتمكن فريق من الناشطين، وأبرزهم مهند نعيم وكاظم السهلاني وعلي هاشم وعلاء الركابي، من الحصول على تأييد متظاهري بغداد والبصرة وواسط والناصرية، فيما لم يتمكنوا بعد من الحصول على تأييد المحتجين في محافظة ميسان. ويُعزى ذلك إلى سيطرة التيار الصدري على ساحات التظاهر في المدينة بعد طرد المدنيين والناشطين منها، تنفيذاً لدعوة زعيمهم مقتدى الصدر إلى تنظيف الساحات، وتدخُّل مليشيا "القبعات الزرق" المحسوبة عليه لمطاردة بعض المتظاهرين الذين وصفتهم جماعة الصدر بـ"المندسين".
ويأتي هذا الحراك الجديد من المتظاهرين في خطوة "تصعيدية سلمية"، كما وُصفَت، في ظل تأكيد ناشطين أن التظاهرات لم تحقق إلى الآن جميع ما تطالب به، على الرغم من زخمها، ومن العدد المتزايد باستمرار لضحاياها، إذ تشير آخر المعلومات إلى ارتفاع أعداد هؤلاء لأكثر من 650 قتيلاً ونحو 27 ألف جريح، بعضهم في وضع خطر، فيما بات المئات في عداد ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويعتبر مراقبون عراقيون أن تكليف محمد توفيق علاوي تشكيل الحكومة، يؤكد الحاجة لمواصلة التظاهرات السلمية للدفع نحو مزيد من الإصلاحات، مع العمل على تشكيل قوة سياسية منافسة للأحزاب، ويرون أن إجراء الانتخابات المقبلة بالأحزاب الحالية نفسها، لن يكون نافعاً حتى مع وجود قانون انتخابات جديد ومنصف.
في السياق، قال ناشط سياسي ضمن الوفد التفاوضي للمحتجين، إن "الحراك السياسي الذي نقودهُ حالياً لا يرتقي إلى مستوى الطموح، بسبب المضايقات الكثيرة التي نتعرض لها من قبل جماعات حزبية تشعر بالخطر من نشاطاتنا"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد أن "أبرزها التيار الصدري الذي يجد في هذا الحراك خطراً عليه، وخاصة في مناطق يعتبرها نفوذاً رئيسياً له، وحاول التضييق والاعتداء علينا خلال زياراتنا لكل المحافظات الوسطى والجنوبي من البلاد، وقد وقع الاعتداء علينا في مدينتي الكوت والعمارة". وأوضح أن المتظاهرين اتفقوا فيما بينهم على تأسيس جبهة سياسية أو اثنتين تحملان اسم وصفة "ثورة تشرين"، ملمحاً إلى أنه "قد تتأخر عملية إعلان الكيان السياسي الجديد، لأسباب غالبيتها أمنية".
Twitter Post
|
ولفت إلى أن "الناشطين الذين تبنوا هذه الفكرة مهددين بالتصفية الجسدية من قبل مليشيات تابعة لأحزاب السلطة، وقد حاول حزب كبير في العراق أن نكون في صفوفه، لكن كان الرد على هذه الجهة السياسية بالرفض القاطع"، مرجحاً أن "تتعرض الكيانات السياسية الجديدة، وتحديداً التي ستنطلق من الاحتجاجات لهجمات إعلامية كبيرة وحفلات تسقيط وتخوين للمؤسسين البارزين لها، وهو واحد من أسباب تأخر إعلان تشكيل الجبهة السياسية الجديدة".
من جهته، رأى باسم خشان، وهو نائب عراقي مستقل، أن "بعض أعضاء مجلس النواب من المستقلين وغير المتأثرين بتوجيهات كتلهم، سيكونون إلى جانب الكيانات السياسية الجديدة، في سبيل تمشية أمورهم وتوعيتهم سياسياً، وسندعمها دون أن ننتمي إليها، لأننا نطمح إلى ما يطمح إليه المتظاهرون"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "أهم الأسباب التي تؤدي في النهاية إلى نجاح الأحزاب أو الكيانات الجديدة هو تبني خطاب المتظاهرين، والتعهد بتحقيقه عبر البرلمان أو المؤسسات الحكومية الأخرى، وليس استنساخ برامج وأفكار ومناهج الأحزاب السابقة، لأنها دمرت العراق".
أما المحلل السياسي العراقي واثق الهاشمي، فقد بيَّن لـ"العربي الجديد"، أن "بعض الأحزاب التي تشعر بخسارة كبيرة مرتعبة حالياً من استمرار الناشطين بالاجتماعات والتباحث بشأن تشكيل أحزاب جديدة، ولذلك تسعى إلى تخريب الجهود الشبابية، بل وتهديد الناشطين فيها والفاعلين في التظاهرات"، مبيناً أن "المرحلة المقبلة قد تكون مخصصة للشباب والأفكار الجديدة، ولكن على الناشطين السياسيين الجدد أن يدركوا أن المخاطر كبيرة أمامهم، ولا سيما أنهم سيواجهون مليشيات ولصوصاً".
من جانبه، رأى الصحافي والمراقب للشأن المحلي، علي الكرملي، أن "القفز باتجاه تشكيل أحزاب جديدة، خطوة نحو المسار الصحيح تؤكد الحفاظ على منجزات الاحتجاجات، لأن خيم المحتجين من دون أحزاب لن تكون أكثر من مجرد قماش".
وبحسبه فإنه "ليس من السهولة بالإمكان تحقيق النجاح بهذه السرعة، لعدّة أمور، أهمها، أن الكيان السياسي، سيكون فتياً، بما معناه، لا يملك الخبرة الكافية لخوض غمار الانتخابات، ويُضاف إلى ذلك أن التفكير المجتمعي لا يزال يميل عند فئات كثيرة نحو إدلاء الأصوات لأبناء العمومة والقبيلة، وغير ذلك الكثير، لكن بالمجمل، مجرّد إعلان تشكيل حزب سياسي من الساحات، هو نجاح بحد ذاته".
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "الأحزاب الحاكمة، والقابضة على مسار البلاد منذ 17 عاماً، ستواجه الخطر من تخطيط المحتجين الجديد، وتحديداً خطوة انبثاق كيانات سياسية من المحتجّين أنفسهم، والخطر يكمن في أن حصول ذلك الكيان على مقاعد برلمانية - مهما كان حجمها - سيحد من تحرّكات تلك الأحزاب، ويمنعها من تنفيذ كل ما تريد بحريّة".